كسر القواعد
كسر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عرفاً سياسياً راسخاً بعدم تهجّم رئيس أميركي سابق على سياسات الرئيس الحالي. وخلال حفل تكريم أقامته له جامعة إلينوي في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، اغتنم أوباما الفرصة ودعا المواطنين إلى المشاركة بكثافة في انتخابات الكونغرس في 6 نوفمبر، إذ رأى أنها ستكون "الأكثر أهمية على الإطلاق لإعادة النزاهة والاحترام وسيادة القانون للحكومة"، وأضاف في حينها أنه "خلال شهرين لدينا الفرصة لإعادة بعض أشكال التعقل في سياساتنا. هناك رقيب واحد على إساءة استغلال السلطة هو أنتم وأصواتكم". وحذر أوباما بلغة حادة الأميركيين قائلاً "عليكم أن تقترعوا لأن ديمقراطيتنا على المحك. وإذا كنتم تعتقدون أن لا أهمية للانتخابات، آمل أن تكون السنتان الماضيتان قد غيّرتا من نظرتكم هذه، وبعضكم يظن أني أبالغ عندما أقول إن انتخابات نوفمبر أكثر أهمية من أي انتخابات أخرى أستطيع تذكرها طوال حياتي، وأعي أن السياسيين يقولون ذلك دائماً، لكن بالنظر إلى عناوين الأخبار، ستكتشف أن هذا الوقت مختلف وسقف الرهان مرتفع وبالتالي فإن تبعات الجلوس جانباً خطيرة جداً".
أما ترامب فلا يترك فرصة من دون أن يحثّ أتباعه على المشاركة بكثافة في الانتخابات. وخلال تجمّع انتخابي في ولاية مونتانا قبل يومين من كلمة أوباما، حذر ترامب أنصاره من مغبة فوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس، واعتبر "أن من شأن ذلك أن يحوّل الولايات المتحدة إلى دولة من دول العالم الثالث... ولن تجدوا وظائف جيدة. من الأهمية أن تذهبوا بكثافة للتصويت لأن الديمقراطيين يسعون للسيطرة على مجلس النواب من أجل العمل على الإطاحة بي وعزلي من البيت الأبيض! هل تريدون ذلك". ودعا ترامب أنصاره للأخذ في الحسبان "أنهم يصوتون للحزب الجمهوري وليس لمرشح أو مرشحة بعينها، إذا فاز الديمقراطيون فسيحاولون عزل الرئيس".
خريطة الكونغرس الحالية
يسيطر حالياً حزب الرئيس الجمهوري ترامب على مجلس النواب بـ236 مقعداً مقابل 193 مقعداً للديمقراطيين، مع خلو ستة مقاعد لأسباب تتعلق باستقالات أو وفاة أصحابها. وستجرى الانتخابات اليوم على كل مقاعد مجلس النواب البالغة 435 مقعداً، وعلى 35 مقعداً من مقاعد مجلس الشيوخ المائة، الذي يسيطر عليه حالياً الجمهوريون بأغلبية 51 مقعداً مقابل 49 للديمقراطيين. وتبدو حظوظ الديمقراطيين مرتفعة في ما يتعلق بمجلس النواب، إذ يُتوقع أن يحصدوا مكاسب تتخطى 25 مقعداً، وهو ما سيمنحهم الأغلبية البسيطة حسب تقدير الكثير من المراقبين. بينما لا تبدو الصورة كذلك في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون حالياً. وعلى الرغم من صغر الفارق في مجلس الشيوخ، إلا أن المقاعد التي يتم الاقتراع عليها اليوم تتضمن 26 مقعداً يشغلها ديمقراطيون، الذين عليهم الاحتفاظ بكل مقاعدهم الـ26 الحالية، إضافة لاغتنام مقعدين آخرين يسيطر عليهما الجمهوريون حالياً للسيطرة على المجلس، وهو طرح صعب التحقيق، إن لم يكن مستحيلاً.
أكثر من استفتاء على ترامب
يدعم التاريخ الأميركي نظرية خسارة حزب الرئيس في الانتخابات النصفية للكونغرس، وتقليدياً يخسر الحزب الممثل في البيت الأبيض سيطرته على ولايات فاز بها الرئيس بسهولة قبل عامين. لكن لم تعرف السياسة والانتخابات الأميركية مطلقاً رئيساً مثل دونالد ترامب الذي له قدرة غير طبيعية على السيطرة على الإعلام الذي لا يستطيع مقاومة التعرض له ولما يقوم به وما لا يقوم به في تغطياته وبرامجه الصباحية والمسائية والليلية، المكتوبة والمرئية والمسموعة. ويبقى ترامب العنصر الأكثر أهمية في حسابات واختيارات الناخب الأميركي الذي سيدلي بصوته اليوم، بغض النظر عن دعمه أو معارضته لترامب وسياساته.
وأظهر استطلاع للرأي قامت به مؤسسة "بيو" في يونيو/حزيران الماضي أن المزيد من الناخبين يؤكدون أن رأيهم في ترامب (إيجاباً أو سلباً) سيؤثر على نمط تصويتهم في الانتخابات. وعبّر 60 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن تصويتهم هو تصويت على دونالد ترامب، 26 في المائة منهم يؤيدون الرئيس في حين يعارضه 34 في المائة. وترتبط بالنقطة السابقة نقطة أيضاً فريدة بخصوص انتخابات اليوم، وتتعلق بحماسة الناخبين. وهذه الحماسة ذات شقين: الأول يتعلق بزيادة أعداد المشاركين في التصويت مقارنة بالنسب القليلة التي شهدتها السنوات الماضية. ويتعلق الثاني باتجاه التصويت. وطبقاً لـ"بيو"، يعتقد 62 في المائة من الديمقراطيين أن تصويتهم سيكون تصويتاً ضد ترامب، في حين عبّر 52 في المائة من الجمهوريين أن تصويتهم سيكون لصالح ترامب.
انتخابات بأهمية استثنائية
لا تنبع أهمية انتخابات التجديد النصفي من تأثيرها المباشر على توازن القوى داخل واشنطن، بل على الأرجح ستكون نتائج هذه الانتخابات مفصلية لسنوات مقبلة، وبصورة غير مسبوقة لأسباب عدة. وسيتوقف على أداء الديمقراطيين الكثير من النتائج الهامة، منها قتل أجندة دونالد ترامب السياسية، إضافة إلى إجراء المزيد من التحقيقات بخصوص التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016 وعلاقة ترامب بها. أما إذا لم يظفر الديمقراطيون بأي من المجلسين، الشيوخ أو النواب، فستكون النتائج وخيمة عليهم لسنوات، إذ ستتوفر فرصة نادرة للجمهوريين ولترامب لإحياء أجندتهم وتشريعاتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها خلال العامين الأولين من انفرادهم بالحكم، مثل برامج الرعاية الصحية، أو قضية الإجهاض والتخفيضات الضريبية.
أما إذا فاز الديمقراطيون بمجلس النواب، فيستطيعون:
1- قتل أجندة ترامب والجمهوريين في الكونغرس. فإذا خسر الجمهوريون مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، سيفقدون قدرتهم على تمرير أي تشريعات جديدة، وهذا سيجعل الرئيس بطة عرجاء ومشلول الحركة. ومع عدم تمتع الجمهوريين بأغلبية 60 مقعداً في مجلس الشيوخ، سيستحيل عليهم تمرير أي مشروع في حال فقدانهم مجلس النواب أيضاً. ولن يستطيع الجمهوريون إعادة التصويت على إلغاء مشروع أوباما للرعاية الصحية مثلاً، وهو التشريع الذي مر في مجلس النواب قبل أن يقتلع تصويت عضو جمهوري بمجلس الشيوخ وهو السيناتور الراحل جون ماكين، وكان هذا من أهم أهداف ترامب. إضافة إلى ذلك، سيعرقل الديمقراطيون محاولات ترامب والجمهوريين خفض خدمات الرعاية الصحية وبرامج الإعانات الاجتماعية للفقراء، ولن يكون هناك المزيد من خفض الضرائب للشركات والأغنياء. وحتى مع فوز الديمقراطيين بالمجلسين، يستطيع ترامب استخدام حق الفيتو لعرقلة أي تشريعات يمررونها طالما لا يملكون أغلبية الثلثين في الكونغرس، وهو ما قد يفضي في ظل الاستقطاب النادر الذي تعاني منه واشنطن إلى تجميد العملية التشريعية حتى انتخابات 2020.
2- فوز الديمقراطيين بأي من المجلسين سيعني بالضرورة فتح الباب لمزيد من التحقيقات المتعلقة بترامب، وبأعماله الخاصة وعائلته والاتهامات بمخالفات جنسية، والتربح غير المشروع، إضافة لتحقيقات التدخّل الروسي في الانتخابات. ويستطيع الديمقراطيون استدعاء من يريدون للمثول أمامهم والإدلاء بشهادته بعد حلف اليمين والقسم، ويستطيعون طلب الاطلاع على ما يريدون من وثائق كذلك. وحتى اليوم يقرر الجمهوريون من يستدعى للشهادة بخصوص التحقيقات في قضية التدخّل الروسي. ويسمح فوز الديمقراطيين بأن تؤول إليهم قيادة كل لجان الكونغرس، ومن ثم وضع الأجندة التي يريدونها.
3- التقدّم بمشروع قرار لعزل الرئيس، إذ يستطيع مجلس النواب في حال سيطرة الديمقراطيين عليه بالأغلبية البسيطة أن يبدأ إجراءات عزل الرئيس ترامب، إلا أن ذلك لا يمكن أن يُستكمل من دون موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، مما يجعل هذه الفرضية الآن أقرب للخيال، إلا إذا تم الكشف عما يدفع الجمهوريين للتصويت ضد ترامب من علاقته بروسيا أو تواطؤه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بصورة لا تحتمل الشك للإضرار بالديمقراطية الأميركية.
4- سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ تعني وقف كل التعيينات التي قد يقترحها ترامب سواء للقضاة، بمن فيهم قضاء المحكمة الدستورية العليا، أو السفراء وكبار مسؤولي إدارته.
معارك مجلس النواب
يشير تجميع لمتوسط استطلاعات أجريت أخيراً، إلى توجّه الحزب الديمقراطي للسيطرة على 203 مقاعد مقابل 200 مقعد للجمهوريين في مجلس النواب، ويتم تقسيم هذه المقاعد على النحو التالي:
المقعد | الحزب الديمقراطي | الحزب الجمهوري | متأرجحة |
مؤكد | 178 | 141 | |
مضمون لحد كبير | 14 | 42 | |
مضمون | 11 | 17 | |
إجمالي | 203 | 200 | 32 |
ويبقى هناك 32 مقعداً متأرجحة تشهد تنافساً حامياً، ويحتاج أي حزب للحصول على 218 من أجل الفوز بالأغلبية البسيطة بالمجلس. وتنبع الشكوك الواسعة حول قدرة الجمهوريين على التمسك بالأغلبية التي يتمتعون بها حالياً داخل مجلس النواب من عوامل عدة، من أهمها:
1- تقاعد الكثير من قيادات الجمهوريين في مجلس النواب، مثل رئيس المجلس بول راين، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس إد رويس، ورئيسة اللجنة الفرعية للشرق الأوسط إليانا روس ليتينين، ورئيس لجنة الإصلاح الحكومي داريل عيسى. إضافة لهم هناك أكثر من 40 عضواً من الجمهوريين سيتقاعدون ولن يخوضوا غمار المعركة الانتخابية لأسباب مختلفة. ويسحب ذلك من الجمهوريين ميزة الخبرة والمعرفة الواسعة بالدوائر الانتخابية وقدرتهم على جمع الكثير من الأموال لدعم الحملات الانتخابية.
2- عدم قدرة الجمهوريين على جمع أموال وتبرعات لمرشحيهم مقارنة بالديمقراطيين، ويرجع ذلك لتقدّم الحزب الديمقراطي في الوصول للأعداد كبيرة من صغار المتبرعين عن طريق الإنترنت مقارنة بالحزب الجمهوري الذي لم يعرف بعد التغلّب على عقبات جمع تبرعات من فئة واسعة من مناصريه ممن ينتمون للطبقات الوسطى.
3- إعادة رسم بعض الدوائر الانتخابية طبقاً لقرارات محاكم مختصة جاءت بالأساس لصالح الديمقراطيين، خصوصاً في ولاية هامة مثل بنسلفانيا.
4- هناك 40 مقعداً يشغلها حالياً أعضاء جمهوريون أصبحوا يصنفون على أنهم أكثر ميلاً للديمقراطيين في ولايات بنسلفانيا ونيوجيرسي وكاليفورنيا.
5- من بين المقاعد الـ32 المتأرجحة بشدة، هناك 26 مقعداً يشغلها جمهوريون، مقابل ستة مقاعد يشغلها ديمقراطيون، وهو ما يصب في مصلحة الحزب الديمقراطي.
معارك مجلس الشيوخ
يتمتع الحزب الجمهوري حالياً بأغلبية 51 مقعداً مقابل 49 للحزب الديمقراطي، وتجري الانتخابات اليوم على 35 مقعداً فقط يشغل منها الديمقراطيون حالياً 26 مقعداً مقابل 9 مقاعد جمهورية. ولن تجري عملية انتخاب على 42 مقعداً يشغلها الجمهوريون، و23 مقعداً يشغلها الديمقراطيون. وتعد مقاعد الجمهوريين التسعة في أمان إلى حدّ كبير، في وقت تتعرض فيه 5 مقاعد من التي يشغلها حالياً ديمقراطيون لمعارك حامية قد تتغير معها طبيعة المجلس ليتوسع الحزب الجمهوري في أغلبيته البسيطة في المجلس لتزيد عن الـ51 مقعداً حالياً.
ويمكن تقسيم الدوائر التي تشهد انتخابات مجلس الشيوخ على النحو التالي (في الوقت الحاضر) وهي عرضة للتغيير طبقاً لاستطلاعات الرأي الجديدة:
المقعد | الحزب الديمقراطي (26 مقعداً) | الحزب الجمهوري (9 مقاعد) |
مؤكد | 14 | 4 |
مضمون لحد كبير | 5 | 1 |
تميل فقط | 2 | 3 |
متأرجح | 5 | 1 |
ويحتاج الديمقراطيون إلى كسب مقعدين جديدين على الأقل للوصول للأغلبية في المجلس الذي يُرجّح فيه نائب الرئيس الكفة في حال تعادل الحزبين في الحصول على 50 مقعداً لكل منهما.
ويصعّب من مهمة الحزب الديمقراطي في انتخابات الشيوخ، أن أغلب الولايات التي يتنافس عليها، ويشغلها حالياً أعضاء ديمقراطيون، صوّتت في الانتخابات الأخيرة لصالح دونالد ترامب. من هنا لا يعرف الكثير من المرشحين كيفية تحديد استراتيجيتهم الانتخابية ويترددون بين تبنّي سياسة الهجوم على ترامب، أو التغاضي عن الرئيس واتّباع سياسة التركيز على القضايا المحلية الهامة للولاية من رعاية صحية وهجرة وحق حمل السلاح وتوفير الوظائف.
وتعدّ ولاية نيفادا استثناء بارزاً، إذ إنها صوتت لصالح الديمقراطية هيلاري كلينتون عام 2016، ويتنافس فيها السيناتور الجمهوري دين هيلر في معركة غير محسومة مع المرشحة الديمقراطية جاكي روسين.
وتقترب الصورة كذلك في ولاية أريزونا المعروفة تاريخياً بهواها الجمهوري، إذ إن تنحي السيناتور جاك فليك المناوئ لدونالد ترامب فتح المجال أمام كل الاحتمالات. وتتبارى سيدتان على مقعد سيناتور الولاية وهما الجمهورية مارتا ماكسالي والديمقراطية كريستن سينما. في حين تواجه المرشحة الديمقراطية هايدي هيتكاب منافسة ضارية مع مرشح جمهوري في ولاية داكوتا الشمالية، وهي الولاية التي صوتت لصالح ترامب في انتخابات 2016 بفارق 36 نقطة. والسيناريو نفسه ينطبق على مرشحي الحزب الديمقراطي الحاليين في ولايتي إنديانا السيناتور جو دونيل، وولاية ميسوري كالسيناتورة الحالية كلير ماكستيل، وهما ولايتان فاز بهما ترامب بفارق يزيد عن 20 نقطة.
وتتعرض حظوظ الديمقراطيين لاختبار عسير في ولاية فلوريدا التي فاز بها ترامب كذلك، ويتخوّف البعض من أن تلحق الخسارة بالسيناتور الديمقراطي المخضرم بيل نيلسون. ولا ينطبق السيناريو السابق على ولايتي مونتانا وفيرجينيا الغربية اللتين فاز بهما ترامب بفارق مريح ضد كلينتون، إلا أن المرشحين الديمقراطيين لديهما ثقة كبيرة في إمكانية الحفاظ على مقعديهما. في النهاية، ومع تبقّي ما يقارب الشهر ونصف الشهر على الانتخابات، ومع التطورات الداخلية المتسارعة ومع سلوك ترامب غير المتوقع، قد تشهد الساحة الأميركية ما قد يدفع بالنتائج في اتجاهات لم يتوقعها أحد.