انتخابات الرئاسة التونسية: صراع الزعامات وحضور نسائي بارز

25 اغسطس 2014
تحدّيات تونسية في الخريف المقبل (فتحي بلعيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لم تعرف تونس المستقلة غير رئيسين اثنين منذ سنة 1956، حتى جاءت الثورة لتفسح أمام الجميع إمكانية تحقيق حلم جديد عند البعض، أو استعادة طموحات قديمة عند البعض الآخر، وهو ما أفرز حتى الآن عدداً متضخماً من المرشحين للسباق الرئاسي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ولا تبدو الحسابات المنطقية في الفوز معياراً حقيقياً يترشح على أساسه بعض الطامحين، ولكن الأسباب تتغير من مرشح إلى آخر، وتجلّت الرغبة الشخصية والحزبية، الجامحة في الوصول إلى قصر قرطاج، حين أعلنت أحزاب كثيرة رفضها لفكرة "المرشح التوافقي" التي طرحتها حركة "النهضة"، ليحتفظ كل حزب وشخص، بأحلامه أو أوهامه في الوصول إلى ضاحية قرطاج، الفاتنة بكل ما فيها، وخصوصا قصرها المطل على البحر.

وتظهر كل استطلاعات الرأي التي أُجريت في الأشهر الأخيرة، تقدم مرشح "نداء تونس" الباجي قايد السبسي، على منافسيه المباشرين بنسب متفاوتة تُقدر بحوالى 10 إلى 15 في المئة من الأصوات، غير أنها تمنحه في أقصى الأحوال 20 في المئة من مجموع الناخبين، وهي نسبة لا تتيح الفوز المباشر من الدورة الأولى، وربما تُبقي على حظوظ الدورة الثانية مثل بقية المرشحين المحتملين، الذين لن يتيح لهم ترشحهم المنفرد حظوظاً حقيقية بالفوز الصريح، من دون تحالفات قوية مع أحزاب تمثّل ثقلاً انتخابياً واضحاً.
وهنا تأتي أهمية مساندة حركة "النهضة" التي ستحدد بالتأكيد ملامح الرئيس المقبل دونما مبالغة، فاستطلاعات الرأي نفسها تمنح "النهضة" نسبة تقارب الـ25 في المئة (تنقص أو تزيد بحسب الفترة الزمنية لعملية استطلاع الرأي) في الانتخابات التشريعية، وهي نسبة مستقرة على اختلاف مؤسسات استطلاع الرأي، ما يعني أن عمقها الانتخابي يتميز بالاستقرار والانضباط الحزبي، وإن كانت هذه النتائج لا تمنح حظوظاً حقيقية لمرشحي "النهضة" للفوز بالرئاسة.

ويبدو أن الحركة فهمت الرسالة جيداً، فقلّلت من احتمالات ترشيح أحد كوادرها، وإن لوّحت بذلك في الفترة الأخيرة بذلك بعد رفض عدد من الأحزاب لمبادرة المرشح التوافقي. ولا يُرجح أن يكون عبد اللطيف المكي، أبرز قياديي الحركة، مخطئاً في ما قاله، لـ"العربي الجديد"، عن إن "المرشح الذي ستدعمه النهضة، سيصل في أدنى الحالات إلى الدورة الثانية"، وهي عملية حسابية وعملية، بحسب قوله.

وأكد المكي أن "المبادرة ما زالت على الطاولة"، في تلميح إلى تواصل المفاوضات مع بعض الأطراف، مشيراً إلى نقاش جدي مع حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي يدعو إلى دعم "مرشح الثورة" في الدورة الثانية. في كل الحالات، يبدو موقف "النهضة" حاسماً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومؤثراً في نتائجها رغم محدودية صدقية عمليات استطلاع الرأي. ومن مفارقات هذه الانتخابات المرتقبة، أنها الأولى من نوعها في تونس التي تشهد تنافساً قوياً لزعماء الأحزاب بالشكل الذي تشهده اليوم، وهي أول انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية، تقدمت لها أهم الأسماء المطروحة على الساحة بما يجعل منها موعداً تاريخياً مفصلياً.

من أبرز المرشحين، الرئيس الحالي منصف المرزوقي، الذي لم يعلن حتى الآن ترشحه رسمياً، بالرغم من أن حزبه أكد أنه مرشّٓحه المنطقي، ووسط تلميحات من مسؤولي "النهضة" بإمكانية دعمه، إضافة إلى رئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، الذي أعلن أنه "يتشرف بأن يكون رئيساً توافقياً"، والباجي قايد السبسي، الذي قال مسؤولون في حزبه إنه فوق المنافسة، وأحمد نجيب الشابي، الذي رأى أن حظوظه في الفوز كبيرة، وأحمد المستيري، المرشح التاريخي للاشتراكيين الديمقراطيين، في زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في انتظار إعلان "الجبهة الشعبية" عن مرشحها رسمياً، والذي من المتوقع أن يكون الشيوعي حمة الهمامي، إضافة الى وزير الخارجية السابق، كمال مرجان.

صراع الزعامات يجعل من الانتخابات موعداً تاريخياً في شكلها وفي مضمونها، وفي شكل انعكاسها على مستقبل العملية الديمقراطية في تونس، خصوصاً مع توسيع صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد. وتشهد الانتخابات مشاركة الجيل الجديد من قيادات الأحزاب السياسية، على غرار الأمين العام لـ"التحالف الديمقراطي" محمد الحامدي، الذي قال "إنه يتمتع بصفات رئيس جمهورية، قادر على تحقيق الوحدة بين جميع التونسيين"، وإنه أنسب من نجيب الشابي، والباجي قايد السبسي، لتولي منصب رئيس الجمهورية، على حد تعبيره.

ويُشارك رئيس حزب "الأمان"، لزهر بالي، ورئيس "التيار الوطني الحر"، سليم الرياحي، ورئيس حزب "المجد"، عبد الوهاب الهاني، وأحد أهم علماء الفضاء في العالم، محمد أوسط العياري، والهاشمي الحامدي، المقيم في لندن وصاحب قناة "المستقلّة"، وغيرهم من الأسماء الكثيرة، في المراهنة على الفوز بسباق الرئاسة، رغم محدودية الإمكانيات وتواضع الخبرة السياسية عند بعضهم. ولكن القائمة ما تزال طويلة جداً، ويبدو أن عدد المرشحين سيبلغ الـ40 قبل حوالى أسبوع من بداية تقديم الترشيحات رسمياً.

وعلى الرغم من العدد الكبير للمرشحين، إلا أن ترشيح عبد الرحيم الزواري، من "الحركة الدستورية"، التي يتزعّمها، حامد القروي، رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، أثار موجة من ردود الفعل القوية، إذ اعتبره الأمين العام الجديد لحزب "المسار"، سمير بالطيب، "استفزازاً للثورة". وأضاف أنه "كان ينبغي محاسبة رموز النظام السابق، بدلاً من ترشيحهم للانتخابات الرئاسية".

كلام مماثل عبر عنه الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، محمّد عبّو، إذ رأى أن ترشيح الزواري لرئاسة الجمهورية هو "استفزاز للتونسيين". وقال "إذا كان الشعب يريد جلاّداً جديداً، وإذا كان يعتبر أن الديمقراطية أمر لا يصلح له، فسيختار الزواري ليكون رئيساً لتونس". وللتذكير فإن الزواري، هو واحد من أقدم وزراء بن علي، وتقلّد العديد المناصب بالإضافة إلى منصب الأمين العام للتجمع المنحل. وسجّلت قائمة المرشحين بعض المواقف الملفتة كترشح الصحفي زياد الهاني، وهو عضو سابق في نقابة الصحفيين التونسيين، والمفكر والفيلسوف التونسي المعروف في حركة "تعبّر"، سليم دُولة. طموح نسوي ولم يقتصر طموح الوصول الى قرطاج على الرجال، وإن طغى الحضور الذكوري كالعادة على المشهد السياسي، ولكن تعدّاه إلى الفضاء النسوي، الناشط جداً، في المجتمع المدني التونسي، وفي الفضاء السياسي كذلك، وإن ظلت النساء في "الصف الثاني".

وتقدّمت أربع نساء حتى الآن لخوض الانتخابات الرئاسية، وهنّ رئيسة حزب "الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء"، آمنة منصور، ورئيسة "المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية"، بدرية قعلول، والقاضية كلثوم كنو، وليلى الهمامي الجامعية والخبيرة لدى عدد من المؤسسات الدولية. وتؤمن كل المترشحات بحظوظهن في الفوز، وجمع التونسيين حسب قول بعضهن، والتعبير عن أحقية المرأة في بلوغ أعلى المناصب، وتكريس المساواة الحقيقية التي ضمنها الدستور الجديد.
وكان عبد اللطيف المكي أكد لـ"العربي الجديد"، أن حركته يمكن أن ترشح امرأة من داخلها، إذا سقطت مبادرة المرشح التوافقي. انتخابات نوفمبر يراها البعض تاريخية ويصفها آخرون بأنها ستكون لحظة فارقة في عمر تونس، غير أن شكل سيرها ومجرد انعقادها في ظروف حضارية، سيشكل خطوة بارزة لكل التونسيين في الانتقال الديمقراطي والعبور بالبلاد الى الدائم بعد المؤقت، في إشارة إلى أن الديمقراطية ممكنة في العالم العربي.
المساهمون