انتخابات "هيئة الوقاية" في تونس: استبعاد النصراوي وتثبيت مورو

30 مارس 2016
استبعاد مرشحة اليسار لهيئة الوقاية من التعذيب بتونس(فرانس برس)
+ الخط -
حُسمت المعركة في هيئة الوقاية من التعذيب في تونس، وأسفرت النتائج النهائية لانتخاب أعضائها عن استبعاد مرشحة اليسار لعضوية الهيئة، راضية النصراوي، والإبقاء على ضياء الدين مورو، نجل النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب ونائب رئيس حركة "النهضة"، عبدالفتاح مورو. 

وقد أعلن عن النتائج، ظهر اليوم الأربعاء، وسط رفض نواب "الجبهة الشعبية" والمعارضة.
وتضمنت القائمة النهائية لأعضاء هيئة الوقاية من التعذيب كلاً من مسعود الرمضاني، وهو حقوقي تقدمي معروف، والقاضية، عفاف شعبان، والتي عرفت بمواقفها الرافضة لسياسة "الترويكا" حيال إصلاح القضاء إبان الثورة، واليسارية حميدة الدريدي، عضوة "الرابطة للدفاع عن حقوق الإنسان"، والمحامي المعروف بدفاعه عن التحركات الاجتماعية بسيدي بوزيد، الطاهر كداشي، بالإضافة إلى أسماء أخرى، بعضها من المستقلين، وأخرى قريبة من حركة "النهضة". 

ومثل عدم الاتفاق على الحقوقية النصراوي مفاجأة للكثيرين، بالنظر إلى التطمينات التي قدمتها حركة "النهضة" وكتلة "نداء تونس"، وثنائهما على تاريخ النصراوي النضالي، فيما فسر كثيرون استبعاد المحامية، إيمان الطريفي، وعدم انتخابها على الرغم من شراستها في الدفاع عن "الترويكا" سابقاً، أنّ حركة "النهضة" تفادت المراهنة على المحامية المذكورة التي تحوم حولها شبهة الدفاع عن المتشددين.

وعن استبعاد النصراوي، قال النائب عن "الجبهة الشعبية"، نزار عمامي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأمر مفهوم ومتوقع على الرغم من المغالطات التي قدمها نواب الحركة للرأي العام، وتشديدهم على أن النائب حر في اختياره، في حين أعدت "النهضة" قائمة صوت لفائدتها نواب الائتلاف الحاكم، ومن البديهي ألا تظهر النصراوي ضمن الأسماء الواردة فيها"، على حد تعبيره. 

وأوضح عمامي أن عدم ورود اسم النصراوي ضمن الهيئة حصل على الرغم من دفاعها عن الإسلاميين وغيرهم من ضحايا التعذيب، "بحيث لم تحد يوماً عن هذا النهج، ونالت عدة جوائز دولية لمسيرتها النضالية، ولا تزال المنظمة التي تترأسها "مجلس مناهضة التعذيب"، ملجأ كثيرين من ضحايا المعاملة المهينة والتعذيب، بمن فيهم أنصار حركة "النهضة" حتى اليوم"، مشدداً على أن استبعادها يؤكد أن "المعايير المعتمدة لم تكن موضوعية، بل كانت المحاصصة سيدة الموقف". 

وعلى الرغم من استبعاد مرشحة اليسار، فإن التركيبة في مجملها ليست محل انتقاد واسع، باستثناء مورو الابن، والذي شدد عمامي على أن "وجوده داخل الهيئة ليس إلا إرضاء لأبيه، ويدخل في منطق محاصصة محض"، موضحاً أن الأسماء المنتخبة في مجملها من المستقلين ومن الذين دأبوا على الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، "وهو ما خفف من حدة ردود الأفعال". 

وبخصوص حديث المعارضة عن المحاصصة في اختيار الأعضاء، علق القيادي والنائب بحركة "النهضة"، العجمي الوريمي، لـ"العربي الجديد": "إن الموضوع لم يناقش داخل أحزاب، بل تمت مناقشته داخل الكتل، وتم اعتماد مقاييس ومعايير للاختيار، وتم الإبقاء على المرشحين إثر غربلة وانتقاء"، مبيناً أن "الاختيار تم بالتوافق مع بقية الكتل، ولم تسع حركة "النهضة" إلى فرض أيّ أسماء، والصندوق كان الفيصل". مشيراً إلى أن هيئة الوقاية من التعذيب ليست هيئة حزبية تتنازع حولها الأطراف السياسية، وإنما هي هيئة وطنية تغلب فيها المصلحة الوطنية.

وكان قد تعذر على الجلسة العامة للبرلمان التونسي، والتي انعقدت، أمس الثلاثاء، اختيار ستة عشر عضواً للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، إذ جرت عملية الانتخابات والفرز بشكل بطيء، في ظل الصراع المحتد بين نواب حركة "النهضة" ونواب "الجبهة الشعبية" اليسارية حول انتخاب أعضاء الهيئة. 

وكما كان متوقعاً، لم تتمكن الجلسة العامة، أمس، من انتخاب أعضاء الهيئة، وواصلت لجنة الفرز، على امتداد الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء 30 مارس/ آذار، فرز أوراق الاقتراع لاختيار الأعضاء، إلى أن تم الإعلان عن النتائج اليوم الأربعاء.

وسارت الجلسة العامة المخصصة للانتخاب على عكس المعد لها من مكتب المجلس واجتماع رؤساء الكتل، حيث توقفت بأكثر من مناسبة، وشهدت تجاذبات حول الغالبية المطلوبة لاحتساب الأصوات وحصول المرشح على العضوية، بحيث دافع النائب عن حركة "النهضة"، الحبيب خضر، عن مبدأ إقرار الغالبية المطلقة لاحتساب الأصوات المصرح بها (109 أصوات صحيحة)، فيما اعتبر النائب عن "الجبهة الشعبية"، الجيلاني الهمامي، أن إثارة المسألة والتمسك بها محاولة لتعطيل الجلسة وإرساء الهيئة، إلا أن تعمق النقاش والجدال حول الغالبية المعتمدة لاحتساب الأصوات لم يفض إلى أي نتيجة، مما دعا النواب إلى تأجيل هذا النقاش إلى ما بعد انتهاء عملية الفرز.

وبالتزامن مع جلسة انتخاب ستة عشر عضواً موزعين على خمس فئات (6 ممثلين عن المجتمع المدني، ومحاميان، وقاضيان متقاعدان، وأستاذان جامعيان مختصان في العلوم الاجتماعية، وثلاثة أطباء، بينهم طبيب نفسي، وعضو مختص في حماية الطفولة)، انعقدت مشاورات جانبية للبحث عن توافقات حول الأسماء، ودافعت كل كتلة عن مرشحيها في القائمة، وسط توقعات أن يصوت نواب الائتلاف الرباعي الحاكم على قائمة "توافقية". 

وقال رئيس اللجنة الانتخابية، بدر الدين عبدالكافي، لـ"العربي الجديد"، إن المشاورات لم تنطلق اليوم، بل تمت مراسلة رؤساء الكتل من أجل التشاور في ما بينهم والاستعداد للجلسة العامة الانتخابية، منذ الإعلان عن قائمة الثمانية والأربعين مرشحاً، قبل أسبوعين، مضيفاً أنه، وبغض النظر عن الجدل القائم حول الغالبية المطلوبة لاحتساب الأصوات، فإن الهدف الرئيسي هو أن ترى هذه الهيئة النور، وتحظى بثقة البرلمان وبقية السلطات والمجتمع المدني، مشيراً إلى أن حركة "النهضة" سعت، في إطار البحث عن التوافق، إلى التفاعل مع الأسماء وكل الأطراف، وأنها تدعم الستة عشر عضواً الذين أفرزهم الصندوق.  

في المقابل، استهجن النائب عن "الجبهة الشعبية"، عمار عمروسية، ما اعتبره مماطلة وإصراراً على الوقوف على التفاصيل، قائلاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أول هيئة منتخبة ينتخبها المجلس التشريعي لمكافحة آفة التعذيب، والتي لا تزال آثارها مستمرة إلى اليوم، خضعت للأسف للمحاصصة الحزبية المقيتة".

وأبرز عمروسية أن هناك أسماء تم التوافق على انتخابها "يعد وجودها للترشح وضمن المفاوضات إهانة لحقوق الإنسان في المنطق السليم، لأن المعايير قبل الأسماء"، على حد تعبيره، مضيفاً أنه "تحت هذا الائتلاف الحاكم لا مستقبل ينتظر هذه الهيئة"، مستدلاً بهيئة مكافحة الفساد التي تشكو ضعف الإمكانات ومحدودية الصلاحيات.

وبالإعلان عن النتائج النهائية، وميلاد "هيئة الوقاية من التعذيب"، تكون تونس الدولة الأولى عربياً التي توفي بالتزاماتها الدولية تجاه البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، من خلال إحداث هيئة وطنية سيكون لها دور بارز في مكافحة التعذيب، في إطار اختصاصاتها المتعلقة بالزيارات المفاجئة والدورية لمواقع الاحتجاز والإيواء والسجون، والتحقيق في جرائم التعذيب، وتقديم التوصيات للوقاية من التعذيب. 

دلالات
المساهمون