نادراً ما نسمع عن انتحار الأطفال. لكن في تونس، يتحدث المعنيون عن ظاهرة انتحار الأطفال، علماً أن العام 2014 شهد انتحار 18 طفلاً، بينهم 14 فتاة، ما دفعهم إلى دق ناقوس الخطر، باعتبارها كارثة جماعية.
في السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد الستار السحباني إن "غالبية الأطفال المنتحرين هم تلاميذ، ما يعني أن هناك مشاكل في المنظومة التربوية". ويلفت إلى أن "أعمار الأطفال الذين أقدموا على الانتحار، تتراوح ما بين 8 و14 عاماً، كما أن نسبة الفتيات المنتحرات هي أكبر من الذكور".
ويرى أن غالبية الأطفال ينتمون إلى بيئات فقيرة ويعيشون في مناطق مهمشة، مرجحاً أن تكون الظروف الاجتماعية، سبباً وراء إقدام عدد لا بأس به من الأطفال على الانتحار. على سبيل المثال، يوضح أن التلميذ في المناطق المهمشة التي تفتقر إلى التنمية، يضطر إلى قطع كيلومترات عدة، مشياً على الأقدام للوصول إلى المدرسة، وقد يعاني الأمرّين في الشتاء، نظراً لصعوبة الوصول الى المدرسة. وفي نهاية الأسبوع، عادة ما يرعى الأغنام أو يبيع خبز الطابونة لمساعدة عائلته المعوزة، بدلاً من القيام بنشاطات ترفيهية. ويرى السحباني أن البرامج التعليمية لا تساعد هؤلاء الأطفال، لافتاً إلى أن "المنظومة التربوية في البلاد تعاني من غياب المتخصصين في علم النفس. فحين يعاني التلميذ من الاكتئاب أو اليأس، فإنه لا يجد من يساعده على تخطي الأزمة".
ويشير إلى زيادة نسبة العنف أخيراً في البلاد، بسبب الانفلات الأمني، مضيفاً أن تونس تُصنّف الثانية عالمياً لناحية الإنفاق على التعليم، فيما يبلغ عدد التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة نحو 110 آلاف تلميذ. ويوضح أنه "ليس هناك اهتمام بالتلاميذ المنقطعين عن الدراسة، ويتوجه غالبيتهم إلى العمل في التجارة أو الملابس المستعملة، أو يعانون من التهميش، وقد يتعرضون إلى الاغتصاب والاستغلال، ما يدفع بعضهم إلى الانتحار".
من جهتها، توضح رئيسة "الاتحاد الوطني للمرأة" راضية الجربي لـ "العربي الجديد"، أن "هناك أكثر من عشر حالات انتحار للأطفال في السنة، بالإضافة إلى أكثر من 15 محاولة"، مشيرة إلى أن تونس احتلت المرتبة السابعة عالمياً في حوادث الانتحار عام 2014. وتقول إن "غالبية الحوادث تتعلّق بفتيات صغيرات، ما يترتب على جميع الأطراف دراسة أسباب انتحار الفتيات في هذا السن، وإيجاد الحلول". وترى أن "الأسباب كثيرة، منها ما هو مرتبط بالأسرة والمحيط الخارجي، بالإضافة إلى أخرى تتعلق بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي". تضيف أن "التفكك الأسري والعنف داخل الأسرة والفقر، تعد من الأسباب الرئيسية التي تدفع بعض الأطفال إلى الانتحار، وخصوصاً إذا شعروا أنهم عبء على عائلاتهم".
تتابع الجربي، أن "الاتحاد كان يساهم في توفير دروس مجانية للتلاميذ المعوزين، بالإضافة إلى الكتب المجانية، لكن بعد إلغاء الاتفاقية التي كانت تربط الاتحاد بوزارة التربية، تقلّصت الجهود المبذولة في هذا الإطار". تضيف أن "غياب المجتمع المدني داخل المدارس ساعد على ارتفاع نسبة الانتحار، في ظل غياب الحوار ووجود علاقة فوقية داخل المدرسة أو البيت، تعتمد على إصدار الأوامر". ترى أنه "يجب على جميع الأطراف أن تؤدي دورها، وأن تتم مراجعة الأخطاء للحد من هذه الحوادث"، مطالبة بإنشاء مزيد من الأندية الترفيهية.
من جهته، يدعو المتخصّص في علم النفس عماد الرقيق، إلى إظهار الحب والعاطفة للأطفال، لأن الطفل الذي يقدم على الانتحار يعاني من نقص العاطفة، مبيّناً أن بعض الأهالي يخفون مشاعرهم ولا يبيّنون حبّهم لأطفالهم، ما يعمّق شعور العزلة لديهم.
يضيف أن "الحب الذي نمنحه للأطفال هو الذي يحميهم من مخاطر كهذه، ويجنّبهم القرارات الخاطئة". ويلفت الرقيق إلى "ضرورة الانتباه إلى الإشارات التي يرسلها الطفل لأهله، حتى لا يكتئب وينعزل ويقدم على الانتحار".
تجدر الإشارة إلى أن زيادة حوادث انتحار الأطفال في تونس، دفعت بوزارة الصحة إلى اتخاذ تدابير عدة، أهمها العمل على إعداد سجل وطني حول الانتحار، يتم من خلاله تدوين جميع المعطيات والبيانات والحوادث.
في هذا الإطار، يوضح مدير إدارة الصحة النفسية في وزارة الصحة عادل بن محمود، لـ "العربي الجديد"، أن "ما لفت انتباههم هو تسجيل ثلاث حالات انتحار في أسبوع واحد في القيروان، لأطفال دون الـ 15 سنة، لافتاً إلى أن "الوزارة بصدد جمع المعطيات الضرورية عن أسباب انتحار هؤلاء الأطفال".