امرأة بيدٍ خضراء

20 مارس 2016
يقولون إنها كانت تذوب بحب أبنائها وأحفادها ونباتاتها (Getty)
+ الخط -

(إلى أم عبد الله في عيد الأم)

يروون الكثير من القصص المشوّقة عنها.

يقولون إنها كانت جريئة منذ شبابها، فقد قرّرت هي، المسيحية المارونية، الزواج بمسلم شيعي. مع ذلك، لم تمارس يوماً الطقوس والشعائر الدينية، ولم تطمئن لرجال الدين. آمنت أن الإيمان علاقة خاصة بين الإنسان وربّه فقط. علاقة لا تمرّ بأي واسطة.

يقولون إنها تعلّمت وخز الإبر في الصليب الأحمر، وصارت بعد ذلك مرجعاً للكثير من الممرضات وملاذاً للمرضى. كانت تقوم بذلك من دون مقابل.

يقولون إنها أرضعت ثلاثة أطفال لم تتمكن أمهاتهم من إرضاعهم، فزاد عدد أبنائها ثلاثة.
يقولون إن لسانها كان سليطاً بالحق، لا يسكت عن باطل حتى لو لم يصبها شخصياً. يقولون إن الرجال كانوا يخشون غضبها. وقد ظلّت هكذا حتى آخر أيامها.

يقولون إنها لقوّتها حملت مسدساً ببكرة في حقيبتها فترةً طويلة.

يقولون إنها خلال الحرب الأهلية، وتقطّع الطرقات والمناطق، لم تتحمّل الوضع القائم وقرّرت أن تتصرّف، على عادتها في هذه الظروف. استقلّت سيارة أجرة وانتقلت بها إلى المنطقة الشرقية حيث اشترت عدة ربطات خبز وعادت بها إلى المنطقة الغربية. أوقفها ميليشوي مسلّح من الشرقية وسألها عن الخبز المنقول. أراد أن يصادره كما يفعل عادة. فرفعت له بطاقة هويتها. أنا فلانة الفلانية، قالت. ويبدو أنه فوجئ بجرأتها، وعرف مسقط رأسها، فسمح لها بالمرور. أما على الحاجز الآخر في القطاع الثاني من المدينة المقسّمة، فلم يصدق الميليشوي المسلّح كيف تكسر سيدة حصاراً لم يتمكن هو أو غيره من فعله. عبرت بالخبز من منطقة إلى منطقة، ووزّعته على الجيران.

يقولون إنه في حادثة أخرى مشابهة خلال الحرب، بلغها بأن حفيدين من أحفادها محاصران في مدرستهما بسبب الاشتباكات الدائرة بين المسلّحين. وضعت منديلها على رأسها ومشت على قدميها، تحت زخّات الرصاص، من أجل إنقاذهما. غادرت البيت من دون أن تخبر أحداً. وعندما وصلت إلى منطقة شديدة الاشتباكات منعها حاجز للجيش من العبور. رفضت الامتثال. حملوها بالقوة إلى الشاحنة العسكرية وأعادوها إلى المنزل على وقع شتائمها.

ومع كل ذلك، يقولون إنها كانت تذوب بحب أبنائها وأحفادها ونباتاتها. تدلّل وردة التوليب وتتحدث إلى شجرة الغاردينيا الصغيرة. تمسح على أوراقها بحنان كأنها شعر واحدة من بناتها. يقولون إن يدها كانت خضراء، هي التي لم تعرف القراءة والكتابة أبداً.

يقولون إنه في جنازتها أقفلت جميع محلات المنطقة حزناً خلال مرور النعش أثناء التشييع.
يقولون إن قلبها كان كبيراً ويتسع الجميع، كقلب أم.

اقرأ أيضاً: صوت أم مصطفى
المساهمون