ففي العام 2010 بدأت الإشاعات تتسرّب إلى المستثمرين والمودعين، تفيدهم بأن أثينا غير قادرة على الايفاء بديونها. "أبدوا قلقهم" من الوضع الناشئ. بدأت الأسواق اليونانية تفقد الثقة بسرعة. سارعت الحكومة إلى الطلب من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تفعيل "خطة انقاذ"، تتضمن قروضاً لمساعدة اليونان على تجنب خطر الافلاس والتخلّف عن السداد. سعى المجتمع الدولي، الأوروبي تحديداً، إلى انقاذ البلاد ومصارفها، وخُصصت 53 مليار يورو لليونان في العام 2010، على شكل قروض بفائدة بلغت 2 في المائة. ساهمت ألمانيا بـ15.1 مليار يورو وفرنسا بـ15.1 مليار يورو أيضاً، وإيطاليا بـ10 مليارات يورو وإسبانيا بـ6.6 مليارات يورو. وبلغت الديون اليونانية التراكمية 321.7 مليار يورو في سبتمبر/أيلول 2014، ومثلت 75 في المائة من الانتاج الداخلي الخام.
وضعت الحكومة اليونانية خططاً تقشفية، هي الأولى من نوعها في بلاد اعتادت على الرخاء بعض الشيء. ألغت الدولة امتيازات مالية، تحديداً بما يتعلق بالأجور التقاعدية، وفرضت ضرائب، وازدادت الأحوال سوءاً، بعد تأكيد الاتحاد الأوروبي على "ضرورة سداد اليونان كامل ديونها، في العام 2020". مع العلم أن في السنوات الخمسة الماضية، لم تتمكن اليونان من احتواء تظاهرات منددة بالسياسة التقشفية، فكيف بالسنوات المقبلة.
غرقت البلاد في فوضاها السياسية، واهتزت السلطة التنفيذية مرات عدة، بدأت بسقوط حكومة جورج باباندريو (أكتوبر/تشرين الأول 2009 ـ نوفمبر/تشرين الثاني 2011)، الرجل الذي شرّع الأبواب أمام التدخلّ الدولي المالي. ثم تسلّم لوكاس باباديموس الحكومة من بعده (نوفمبر 2011 ـ مايو/أيار 2012)، وتلاه باناغيوتيس بيكرامينوس (مايو 2012 ـ يونيو/حزيران 2012)، قبل أن تستقرّ الأمور بعهدة أنتونيس ساماراس (يونيو 2012 وحتى الآن).
وفي الوقت عينه، لم يكن الوضع التشريعي على ما يرام، وذلك بعد إجراء البلاد انتخابات تشريعية عدة، في مايو/أيار 2012، ثم في يونيو/حزيران من العام عينه، بعد الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية، ويأتي موعد الانتخابات الجديدة، اليوم الأحد، في ظلّ فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفاً لكارولوس بابولياس.
في هذه الحمأة، يبرز اسم واعد في السياسة اليونانية: ألكسيس تسيبراس، قائد حزب "سيريزا"، اليساري الراديكالي. كان تسيبراس مجرّد "شخص آخر"، هامشي، على الساحة السياسية اليونانية. فالعزّ للشيوعيين والاشتراكيين، الذين أدّوا الدور الأكبر يسارياً. كل شيء تغيّر منذ عامين. فرض الرجل نفسه، بعد تسلّمه رئاسة الحزب خلفاً لأليكوس ألافانوس، في أكتوبر/تشرين الأول 2009، وتمكن في غضون سنوات قليلة من نقل الحزب، من مجرّد إطار "جمع 13 حزباً صغيراً"، إلى ثاني أقوى قوة يونانية، وقادرة حتماً على تحقيق المفاجآت في انتخابات اليوم، حسب آخر الاستطلاعات.
فقد كسب "سيريزا" 6 مقاعد من أصل 300 في انتخابات 2004، ثم نال 14 مقعداً في انتخابات 2007، تراجع خطوة إلى الوراء في انتخابات 2009، بكسبه 13 مقعداً، قبل بدء عهد تسيبراس، الذي انطلق بشكل مفاجئ، فنال 52 مقعداً في مايو 2012، ثم 71 في يونيو من العام نفسه. وفي السياق، امتلك 6 مقاعد أوروبية من أصل 21 مخصصة لليونان في العام الماضي.
صبّ تسيبراس اهتمامه على ملفي الصحة والتعليم، ووعد برفع الحدّ الأدنى للأجور وإعادة العمل بعلاوة رأس السنة. رسم تسيبراس سقفاً عالياً، لامس فيه الخط الأحمر الأوروبي. لتبدأ الكلام عن "محاولة اخراج" أو "خروج" أثينا عن الاتحاد الأوروبي. لم تعد ألمانيا قلقة، كما كانت في السابق في موضوع خروج اليونان من الاتحاد. ربما لصعوبة الأمر. فالبلاد ليست في وضع يُتيح لها رفع بيارق الانفصال. وبطبيعة الحال، لا يريد "سيريزا" الخروج من منطقة اليورو، بل تصحيح الوضعية اليونانية في إطار الاتحاد، مستفيداً من احتمال حاجة أوروبا إلى اليد العاملة اليونانية قريباً، في ظلّ اعتداءات باريس الأخيرة. كما أن أثينا تُعدّ معبراً هاماً للمهاجرين الآتين من خلف البحر، وهو ما يُزيد من مهمة الابقاء على الدور اليوناني لردّ المهاجرين الجدد.
غداً يوم آخر في أثينا، فتسيبراس القادم من أعرق عواصم الأرض، اعتبر أن "ما حدث في اليونان، لم يكن قصة ناجحة، بل مأساة اجتماعية يجب ألا تتكرر في أوروبا". وعلى الرغم من اتهامه بأنه "سيقود اليونان إلى خارج الاتحاد الأوروبي"، غير أن تسيبراس كان واضحاً حين أكد أن "التغيير الأوروبي الحقيقي يبدأ من هنا، من اليونان". لن يكون "سيريزا" من يُخرج اليونان من أوروبا. ليس هذه المرة أقلّه.