اليمين الإسرائيلي يواصل الاحتفاظ بقوته البرلمانية

29 اغسطس 2014
نتنياهو مضطر لإقناع خصومه بحسن إدارته لعدوان غزة(فرانس برس/Getty)
+ الخط -
تسمح قراءة متأنيّة لنتائج استطلاع نشرته صحيفة "هآرتس"، أمس، الاستنتاج بأنّ الحراك السياسي والحزبي الإسرائيلي، يجري في نطاق المعسكر ذاته، من دون أي تأثيرات أو تغييرات جوهرية في قوة الوسط واليسار وتأثيرهما. يقود هذا الاستنتاج إلى أنّه، حتّى لو جرت الانتخابات العامة في إسرائيل، فلا يملك كل من اليسار والوسط (إذا اعتبرنا حزب يئير لبيد "يش عتيد" وحزب "هتنوعاه"، بقيادة تسيبي ليفني حزبي وسط)، أي فرصة في تغيير الحكم وتشكيل حكومة جديدة.

ويفيد الاستطلاع المذكور بأنّ أحزاب اليمين مجتمعة، من دون حزبي يئير لبيد وتسيبي ليفني، قادرة على تشكيل ائتلاف حكومي، يتمتّع بأغلبية 69 نائباً، نصفهم تقريباً من المتديّنين (15 نائباً للأحزاب الحريدية و17 للبيت اليهودي، إضافة إلى عدد من أعضاء الكنيست المتديّنين في الليكود)، وهي أكبر نسبة لأعضاء كنيست يهود متديّنين، سواء من التيار الصهيوني الديني (البيت اليهودي، أصحاب القبعات المنسوجة)، أم من تيّار الأحزاب الحريدية. تخيف هذه الترجيحات، أو على الأقلّ، تثير قلقاً في أوساط التيارات العلمانيّة الإسرائيليّة، من اشتداد سطوة الطابع اليهودي الديني على الدولة، على حساب "طابعها الديمقراطي والمدني".

ورغم أنّ من شأن هذا التحوّل ليس فقط باتجاه اليمين فحسب، في إسرائيل، بل اليمين المتديّن أيضاً، أن يردع الليكود، ومن يقف على رأسه، من تشكيل حكومة، نصفها من اليهود المتديّنين، وبالتالي الرهان والمجازفة بإدخال حزب علماني إضافي للحكومة، كحزبي لبيد أو ليفني، لكنّه من الواضح أيضاً، أنّ النتيجة النهائيّة للانتخابات الإسرائيليّة المقبلة، ستبقى محسومة لصالح اليمين الإسرائيلي. ويبقى سؤال واحد معلّقاً: من سيشكّل الحكومة الجديدة؟

وفي هذا السياق، استبقت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ليمور ليفنات، المحسوبة على جناح نتنياهو داخل الليكود، أي تحرّكات داخليّة، من شأنها أن تبعد نتنياهو عن رئاسة الحزب. وأعلنت اليوم الخميس، أنه برغم وجود وزراء كثر في الحكومة، يريدون استبدال نتنياهو، لكنّ أيّاً منهم ليس مستعدا لأن يشغل موقعه في الفترة الحالية.

وتعكس هذه التصريحات عملياً، اهتزاز ثقة نتنياهو والمقرّبين منه، بفرصة في ضمان فوزه في الانتخابات الداخلية لليكود، خصوصاً وأنّ كثيرين من أعضاء مركز الليكود وأصحاب حقّ التصويت فيه اليوم، ينتمون إلى المعسكر المعارض لسياسة نتنياهو، سواء على صعيد حلّ الدولتين، أم إدارته للعدوان على غزة.

تظهر نتائج الاستطلاع المذكور أنّ 50 في المائة من الإسرائيليين، أعلنوا عدم رضاهم عن أداء نتنياهو خلال العدوان، في حين كان 77 في المائة، أعربوا، عند بدء العدوان، عن رضاهم حول إدارته للحرب. ويعتقد 54 في المائة من الإسرائيليين أن العدوان انتهى، من دون أن يحقّق أي طرف انتصاراً على الآخر.

ومن شأن هذه المعطيات، في حال ثبت الجمهور الإسرائيلي على مواقفه بهذا الصدد، أن تفتح الباب أمام احتمال ترجمة معارضي نتنياهو في الليكود، مواقفهم بخطوات فعليّة، والإقدام على خوض الانتخابات الداخلية والمنافسة على رئاسة الليكود. وتنطلق خطوات مماثلة من الاطمئنان إلى أنه أياً كان مرشح الليكود، فلا خوف من وجود مرشح من اليسار، يمكنه أن يهدّد فرص اليمين في تشكيل الحكومة المقبلة، وفق أجندة يمينيّة، ترفض مسار المفاوضات مع السلطة الفلسطينيّة.

يعني هذا الكلام، في نهاية المطاف، أن حسم هويّة الحكومة المقبلة، خصوصاً في حال أصرّ ليبرمان على مواقفه الحالية، الرافضة لإجراء مفاوضات مع حماس بعد شهر، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وانسحب من الحكومة، بات مرهوناً بالمنافسة داخل حزب الليكود، وقدرة خصومه وفي مقدمهم غدهون ساعر وجلعاد أردان، على التغلب عليه عبر تنسيق جهودهما معاً.

انطلاقاً من هنا، سيجد نتنياهو نفسه، وهو يعاني عزلة في الكابينت وداخل الحكومة، أمام مهمّة إقناع أعضاء حزبه وأصحاب حق الاقتراع فيه، بحسن إدارته للحرب من جهة، وكونه الوحيد القادر على إدارة حرب لمدة طويلة، مع ضمان تأييد دولي على امتدادها، من جهة ثانية.

في موازاة ذلك، قد يبدأ نتنياهو الترويج للتحرّكات السياسية المقبلة، والأفق السياسي الجديد، اعتماداً على "محور الاعتدال العربي"، وانطلاقاً من عدم وقوف دول هذا المحور، إلى جانب المقاومة الفلسطينيّة خلال أيام العدوان، كثمرة ومصلحة إستراتيجيّة كسبتها إسرائيل، بفعل سياسته الخارجية، رغم اتهامه من خصومه بالتساهل وتقديم التنازلات والضعف في مواجهة حماس.  

المساهمون