اليمين الإسرائيلي ممتعض من إعلامه وقضائه

29 ابريل 2015
أنصار اليمين الإسرائيلي (إيليا يفيموفيتش/getty)
+ الخط -

تجاهر قيادات اليمين الإسرائيلي بعزمها على العمل من أجل تحجيم النخب الإعلامية والقضائية، وتقليص تأثيرها على الحياة العامة بشكل جذري. وتتهم النخب الإعلامية بأنها خرجت عن طورها في محاولاتها إنجاح قوى اليسار والوسط خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، عبر اعتماد تغطية انتقائية، والحرص على تشويه مواقف الأحزاب اليمينية والطعن في نزاهة قياداتها.

وليس الإعلام الإسرائيلي وحده ما يثير امتعاض هذا اليمين، إذ إنّه لا يُخفي تبرّمه من ميل النخب القضائية، خصوصاً هيئة قضاة المحكمة العليا، إلى التدخل في التشريعات التي تسنّها الغالبية البرلمانية والتي تنسجم مع التوجهات الأيديولوجية اليمينية في كل ما يتعلق بالموقف من الصراع مع الفلسطينيين والعلاقة بين "الدين والدولة". 

ووصل حنق القيادات اليمينية من النخب الإعلامية لدرجة أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اتهم مالك صحيفة "يديعوت أحرنوت"، نيني موزيس، خلال الحملة الانتخابية بتدبير مخطط لـ"الانقلاب" عليه وإسقاطه عن الحكم، عبر "فبركة" تقارير وتحقيقات صحافية تمس بسمعته وسمعة زوجته، سارة. 

اقرأ أيضاً (مواجهة عنصرية إسرائيل.. جدل المشاركة في انتخابات الكنيست ومقاطعتها)

ولم يتورع نتنياهو، خلال الحملة الانتخابية، عن اشتراط موافقته على إجراء مقابلات مع قنوات التلفزة الرائدة بمغادرة صحافيين يوجهون الانتقادات له استوديوهات هذه القنوات. وفاجأ إدارة قناة التلفزة العاشرة عندما رفض دخول الأستوديو إلا بعد أن يغادر الصحافي، بن كاسبيت، الذي نشر عدة تحقيقات حول مظاهر الفساد في بيت نتنياهو الرسمي، الذي تموله سلطة الاحتلال، ناهيك عن تقديمه عشرات الأدلة التي تشي بحجم تأثير سارة على القرارات المهمة التي يتخذها نتنياهو.

وفي الإطار نفسه، اتهم وزير المواصلات الليكودي، يسرائيل كاتس، وسائل الإعلام بأن تغطيتها تتأثر بالمواقف الأيديولوجية لملاكها وكبار المعلقين فيها. وحسب كاتس، فإن وسائل الإعلام لم تحرص فقط على منح ممثلي اليسار والوسط مدة ظهور أطول خلال الحملة الانتخابية، بل حرصت على استضافة نخب تؤيد اليسار والوسط بوصفهم باحثين وأكاديميين مستقلين من أجل التهجم على اليمين، ومحاولة المس بثقة الجمهور الإسرائيلي به. 

ومن خلال الجدل الدائر في أوساط اليمين الإسرائيلي، يمكن الاستدلال بأنّ استراتيجية الحرب المقبلة على النخب الإعلامية ستأخذ شكلين: شكلاً قانونيّاً وشكلاً مؤسساتيّاً. على صعيد الحرب القانونية، تجاهر قيادات اليمين بعزمها على سنّ قوانين للتصدي للتغطية "الانتقائية" وتقليص قدرة الوسائل الإعلامية على "تشويه" اليمين وقياداته، على حدّ تعبيرها.

ومن ناحية مؤسساتية، يؤكد قادة اليمين في إسرائيل أن هناك حاجة لإعادة صياغة مجالس إدارة سلطتي البث الأولى الثانية، اللتين تشرفان على توجيه قنوات التلفزة الرائدة في دولة الاحتلال، وذلك من أجل ضمان التوازن في تغطية هذه القنوات. 

بموازاة ذلك، تصاعدت الدعوات لتدشين المزيد من وسائل الإعلام التي تتحدث باسم اليمين وتعبر عن توجهاته الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية، وذلك من خلال العمل على إقناع رجال أعمال وأثرياء يهود، خصوصاً من الولايات المتحدة، بتدشين وسائل إعلام مناصرة لليمين. 

وبالنسبة لمعركة اليمين مع القضاء، تنطلق القيادات اليمينية من فرضية أنه ليس من حق هيئة قضاة المحكمة العليا التدخل في القوانين، التي يسنها البرلمان، والنظر في دستوريتها. ويبرّر رئيس كتلة الائتلاف الحاكم في الكنيست، يورام ليفين، وهو الأكثر حماسة لفكرة تقليص صلاحيات المحكمة العليا، مخططه، بأنه لا يحق لقضاة تم تعيينهم من قبل مؤسسات الدولة أن يعترضوا على قوانين سنّها النواب الذين انتخبهم "الشعب". 

ويبدو منطق ليفين ضعيفاً إلى حد كبير، إذ إن جميع النظم السياسية الديمقراطية تسمح بوجود محاكم عليا تراقب دستورية القوانين وتفحص مدى مراعاتها قيم الديمقراطية. لكن حماس ليفين وزملائه لتقليص نفوذ المحكمة العليا يأتي لضمان قدرة اليمين على سن القوانين العنصرية، دون أن يكون للمحكمة العليا القدرة على مراجعة هذه القوانين.

المفارقة أن تبرم اليمين من النخب مبالغ فيه إلى حد كبير. فحسب دراسة أعدها الباحث، إيال كرمر، ونشرتها صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية أخيراً، فإن معظم النخب الإسرائيلية باتت تنتمي إلى اليمين، وعلى وجه الخصوص التيار الديني الصهيوني. وحتى على الصعيد الإعلامي، فإن اليمين يحتكر بشكل فج منابر إعلامية مهمة. وعلى سبيل المثال، تعدّ صحيفة "يسرائيل هيوم"، التي تعتبر أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، الناطق غير الرسمي باسم ديوان نتنياهو. وقد دشن هذه الصحيفة الملياردير اليهودي الأميركي، شيلدون أدلسون، لخدمة الخطاب الإعلامي لصديقه نتنياهو ولتعميم رسائل اليمين. وتعبّر صحيفة "ميكور ريشون" عن توجهات اليمين، في حين لا يوجد صحيفة إسرائيلية تجاهر بتأييدها لمواقف اليسار أو الوسط على هذا النحو. 

وباتت هذه القنوات الرائدة تستوعب عدداً كبيراً من المعلقين والصحافيين المتدينين، من ذوي التوجهات اليمينية. 

وفي ما يتعلق بالمحكمة العليا، فإن قرارات هذه المحكمة، التي انضم أخيراً إلى هيئتها ثلاثة من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، باتت تتبنى التشريعات التي تسنها الغالبية اليمينية. وأضفت المحكمة العليا أخيراً شرعية على القانون، الذي يتيح مصادرة ممتلكات الفلسطينيين في القدس الشرقية، قانون "أملاك الغائبين". وبسبب طابع قراراتها العنصرية، فقد وصف الصحافي الإسرائيلي، جدعون ليفي، في مقال نشرته "هآرتس"، الأحد، المحكمة العليا بأنها "محكمة العدل السفلى".

اقرأ أيضاً ("أملاك الغائبين": أداة الاحتلال للقبض على القدس)

المساهمون