أظهر فشل حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي، اليميني المتطرف، في تأليف مجموعة برلمانية أوروبية بقيادة مارين لوبين، وجود اتجاهات مختلفة ومتناحرة بين الأحزاب اليمينية في أوروبا.
وكان لافتاً تصريح حزب "جوبيك"، المجريّ العنصري، الذي قال: "إن حزبي الجبهة الوطنية الفرنسي وحزب الحرية النمساوي، حزبان صهيونيان"، وذلك بعدما رفض الحزبان التحالف معه في البرلمان الأوروبي. وهذا الرفض جاء إثر قرار بعدم التحالف أيضاً مع حزب "الفجر الذهبي" اليوناني، فضلاً عن حزب "جوبيك" المجري، وهما حزبان يحملان خطاباً عنصرياً ومعادياً للسامية وللغجر.
وكان الحزب اليميني البريطاني المتطرف، نجح في تأليف مجموعة برلمانية، بفضل انشقاق برلمانية فرنسية من حزب لوبين وانضمامها إليه، بعد تعرضها لانتقادات حادة من حزبها بسبب دعوتها للسماح للمهاجرين بالتصويت في الانتخابات المحلية في فرنسا، إلا أن لوبين فشلت في تحقيق الأمر نفسه، على الرغم من أنها أوشكت على تحقيق ذات الإنجاز، لولا غياب نائبين من بلدين مختلفين.
وقد أثبت زعيم حزب "الاستقلال" البريطاني، نايجل فراج، ذكاءه ومراوغته في تأليف هذه المجموعة البرلمانية لليمين المتطرف (التي تضم أعضاء برلمانيين أقل من أعضاء تحالف مارين لوبين). وستحصل المجموعة على أموال وامتيازات أكبر وستُشاغب في البرلمان، من دون قدرة تُذكر في التأثير على القرارات السياسية والمصيرية للاتحاد الأوروبي، التي سيتم التراضي حولها بين الحزبين الأوروبيين الكبيرين، "الشعبي الأوروبي" و"الاشتراكيين الأوروبيين".
وإذا كانت الأحزاب الأوروبية الكبرى قد عوّدت المواطنين الأوروبيين، منذ بداية الاتحاد الأوروبي، على خلق تحالفات صلبة، على غرار الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيين الأوروبيين، والليبراليين، والخضر، وأنصار البيئة، فإن اليمين المتطرف الأوروبي غارق في خلافات عقائدية وشخصية، تمنعه من إيجاد أرضية صلبة تجتمع من حولها كلّ مكونات هذا الأرخبيل.
فإذا كان الحقد على الاتحاد الأوروبي وعلى كل نزعة فيدرالية في أوروبا، يُوحّد هذه الأحزاب، فضلاً عن رفض الأجانب ولا سيما الغجر منهم، والمعاداة الشرسة للوجود الإسلامي، في منطقة يُرادُ منها أن تظل وفيةً لإرثها اليهودي المسيحي، لا غير، فإن اختلافات عميقة تظل كابحاً كبيراً أمام انصهار أنانية زعمائها وطموحاتهم، وهو ما يُذكي انعدام الثقة بين مسؤولي هذه الأحزاب.
ولا يمكن للمراقب المحايد أن يصف حزب "الجبهة الوطني" الفرنسي، بالصهيونية. فإذا كان نَفَس الحزب، في ظل قيادة جان ماري لوبين، مُعادٍ للسامية، أو يُتهَّمَ بها، وهي اتهامات كان لوبين نفسه يغذيها بتصريحاته الحادة، فإن ابنته مارين، القائدة الحالية للحزب، حاولت جاهدة، إحداث "قطيعة" مع هذه التهمة، عبر قرارات ومواقف محسوسة، منها زيارة السفير الإسرائيلي في واشنطن، وزيارة إسرائيل ولقاء الكثير من قادتها وصحافييها. ومن هنا يكون اتهام اليميني المتطرف، البريطاني نايجل فراج، للحزب الفرنسي بمعاداة السامية غير دقيق.
وتُريد مارين لوبين، التي تعيش هذه الأيام "قطيعة" مع والدها، بسبب "رؤيته للتأثير اليهودي في كل نواحي الحياة السياسية الفرنسية"، أن تُغلق صفحة العداء للسامية، وقد بدأتها في بداية الألفية الثانية بتطهير حزبها من كثير من المعادين الراديكاليين للسامية، لأنها كانت ترى أن انزعاج الكثير من الفرنسيين من التصويت لها، ليس بسبب موقفها من الهجرة ومن الإسلام، بل بسبب معاداة السامية.
ورغم أن مارين لوبين لم تنجح بعد، في إقناع اليمين المتطرف البريطاني، بأنها تخلصت من هذه التهمة (معاداة السامية)، فإنها ماضية، بإصرار، في تعويض الحقد على اليهود بِحقدٍ آخَر، قد يُدرّ عليها ذهباً انتخابياً. وهو الحقد على الإسلام والمسلمين. ولعلّ نايجل فراج لم يقرأ تصريحات مارين لوبين، في صحيفة "فالور أكتييل" الفرنسية، بأنها "الدرع الوحيد ضد معاداة السامية، في مواجهة العدو الحقيقي، المتمثل في الأصولية الإسلامية".
يتّفق المحللون على أن الأزمات الاقتصادية هي التي تخلق اليمين المتطرف، وتمهّد له سبل الانتشار. وهذا ما قاله الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وهو يتأمل، في حزن، الفوز الكاسح لحزب "الجبهة الوطنية" في بلده.
ولا يمكن تفسير نشاط هولاند وجهوده الكبيرة لتعيين جان كلود يونكر رئيساً للمفوضية الأوروبية، إلا بأمله في انبثاق بعض النمو الاقتصادي في القارة العجوز. وهو ما سيعني، حتماً، عودة الناخب الأوروبي للتصويت لصالح أحزاب تقليدية معتدلة ومسؤولة.