23 اغسطس 2024
اليمن ومتاهة الحرب على الإرهاب
ربما لم تواجه مسيرة الدولة اليمنية طوال عقود ما بعد الإعلان عن تأسيسها، جنوباً وشمالاً، في بداية ستينيات القرن الماضي، ومن ثم موحدةً منذ 22 مايو/أيار 1990م، مثل ما تواجهه حالياً من أخطار وجودية كبيرة، ممثلةً بجماعات العنف المسلحة، كالقاعدة والحوثية، فضلاً عن مراكز القوى النافذة التي تعمل على إجهاض أي توجه حقيقي نحو الدولة.
لكن، تبقى مسألة الحرب على القاعدة، في هذه اللحظة بالذات، من الأخطاء الاستراتيجية الكبيرة، في توقيتها، في مثل هذا الظرف الذي تمر به البلاد، كمرحلة انتقالية، تتسم مؤسساتها بالضعف والهشاشة، خصوصاً وأنّ قضيةً كالحرب على القاعدة تمثل مأزقاً دولياً وإقليمياً كبيراً، وبالتالي، تبني مثل هذه الحرب أكبر من قدرة الدولة الوطنية منفردةً، في ظل عجز القوى الدولية الكبرى، وفشلها عسكرياً، مثل الولايات المتحدة، في تحقيق أي نجاح يذكر في هذا الاتجاه.
هذا عدا عن أن تعقيداتٍ كبيرةً، طرأت على هذا الملف، وأن ترجيح إمكانية استغلال بعض عملياته، وتوظيفها من قبل قوى محلية ودولية وإقليمية، غدا اليوم أكثر وضوحاً، في ظل حالة اللايقين السياسي التي تعتري المشهد السياسي، في دول الربيع العربي.
وتأتي خطورة هذا التطور في الحرب على القاعدة يمنياً، للمكانة التي يضعها هذا التنظيم لليمن في استراتيجيته التي رسمها منظره الأبرز، أبو مصعب السوري، مصطفى ست مريم، في كُتيبه "مكانة اليمن ودور اليمنيين في الدفاع عن ثروات المسلمين ومقدساتهم"، ما يعني خطورة أن يقرر التنظيم نقل خلاياه المتناثرة عالمياً، وتوجيهها نحو اليمن في هذه المرحلة. بيد أن الجديد في الأمر كله، ربما يتمثل في حالة إرباك شديدة لدى صانع القرار الأميركي، في تعامله مع تطورات ملف الحرب على الإرهاب، حيث تراجعت القدرات العسكرية الأميركية كثيراً بفعل ما تعرضت له الولايات المتحدة من أزمات اقتصادية كبيرة، طوال السنوات الماضية، كجزء من تداعيات هذه الحرب على الإرهاب، وحرب الثلاثة تريليون دولار في العراق.
لذا، لجأت إدارة الرئيس باراك أوباما الحالية، على استراتيجية سلفه، جورج بوش، "الضربات الموجهة"، من خلال عمليات طائرات بلا طيار، بعد أن كانت قد قررت عدم التورط في حروب مفتوحة وعبثية في هذه المنطقة، فإذا بهذه الطائرات تؤجج من الغضب والكره لأميركا أكثر مما أثارته جيوشها المجوقلة.
وقد صرح قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، مرّةً، بما يوحي معارضته هذه الضربات، بقوله "مقابل كل بريء يسقط جراء ضربات الطائرات من دون طيار ينشأ عشرة أعداء"، وعبر عن ذلك السفير الأميركي السابق في باكستان، كامرون منتور، بطريقه أخرى بقوله "لم يكن يدرك أن وظيفته الأساسية قتل الناس"، في إشارة واضحة إلى رفض فكرة هذه الطائرات، التي تحولت، بحسب مراقبين، أداة ناجحة في تجنيد مزيد من المقاتلين والأنصار لتنظيم القاعدة.
ومن هذا كله، نستطيع القول إنه بات اليوم أكثر وضوحاً، فشل الاستراتيجيات الأميركية، الأمنية والعسكرية، في مقاربة ما تسمى ظاهرة الإرهاب، وتصاعد الرأي العام الأميركي، معارضاً لاستمرار مثل هذه الاستراتيجية الكارثية، والتي تزيد القضية تعقيداً وتوسعاً، لاختزالها قضية معقدة كالقاعدة، في حل أمني عسكري، بعيداً عن أي حلول ومقاربات أخرى متزامنة، سياسياً وتنموياً وثقافياً وفكرياً.
ولهذا، ربما لم تجد الإدارة الأميركية من بديل لاستكمال مشروعها الأمني الفاشل، إلا بالضغط على من تسميهم حلفائها في الحرب على الإرهاب، لاستكمال هذه المهمة الصعبة التي فشلت، هي بكل إمكاناتها بإتمامها، فكيف بمن لا يمتلكون أبسط مثل تلك الإمكانات. غير هذه الفرضية لا تفسر اندفاع الحكومة اليمنية، أخيراً، لمواجهة تنظيم القاعدة، بمبرر الفيديو الذي نشرته "القاعدة" لزعيمها، ناصر الوحيشي، محتفياً بسجناء القاعدة المحررين، في عملية اقتحام السجن المركزي في صنعاء.
لكن، لا يمكن إغفال العمليات العسكرية النوعية التي كانت قد نفذتها "القاعدة" ضد أهداف عسكرية استراتيجية، مثل مجمع العرضي في فبراير/شباط الماضي في صنعاء، ومقر قيادة المنطقة الثانية في حضرموت في سبتمبر/أيلول الماضي، وكذا قيادة المنطقة العسكرية الرابعة في عدن في إبريل/نيسان الماضي، فضلا عن اغتيالات لكوادر من الجيش والأمن متواصلة.
ولا يمكن عزل مثل هذه العمليات، مطلقاً عن تعقيدات المشهد السياسي اليمني الراهن، ومن ثم الجزم بأنها عمليات قاعدية مائة بالمائة، لطبيعة التداخلات والتعقيدات التي تعتري المشهد اليمني كله، حيث لا يمكن التسليم بنجاح كل هذه العمليات مطلقاً، بعيداً عن عدم وجود تسهيلات أمنية، مباشرة وغير مباشرة، من كوادر لا تزال على ولائها المطلق لأسرة الرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
عدا عن ذلك كله، لا يُستبعد مطلقاً شبه التوظيف المخابراتي لهذه العمليات، من هذا الطرف أو ذاك، داخلياً أو خارجياً، لتحقيق أهدافٍ ما، في ظل وجود جماعات عنف أخرى، كالحوثية التي تسعى، هي الأخرى، بقوة السلاح، إلى إسقاط سلطة الدولة الانتقالية، والحلول محلها.
صحيحٌ، أيضاً، أن ما تخلفه عمليات القاعدة، كفزّاعة دولية، لا يقف عند مستوى الاستهداف الدائم للمؤسستين العسكرية والأمنية، من هذه الجماعات المسلحة، التي ترى أن مؤسستي الأمن والجيش صمام أمان للعملية السياسية والديمقراطية في اليمن، بل يتعداه الأمر إلى مسألة القضاء التام على سمعة اليمن، وضرب أهم قطاعين اقتصاديين فيها، السياحة والاستثمار.
ولا شك في أن وتيرة العمليات الأمنية لاستهداف مؤسستي الجيش والأمن من "القاعدة"، أو أطراف أخرى، تستخدم شماعة القاعدة، ستزداد وتيرتها في هذه المرحلة، رغماً عن النجاح العسكري الذي قد يحققه الجيش، هنا أو هناك.
والسبب في ذلك يكمن في أن "القاعدة" ليست جيشاً نظامياً، يمكن القضاء عليها بمجرد تدمير مواقعها وأسلحتها، بل هي فكرة، تحملها مجاميع متناثرة، كخلايا عنقودية منتشرة في أرجاء البلاد، تظهر فجأة وتختفي فجأةً، أي أننا أمام حالة معقدة ومستعصية على الحل، إلا من خلال استراتيجية وطنية متكاملة، للتعامل مع هذه الظاهرة، بعيداً عن الارتجال، وتقارب الأسباب الحقيقية وراء نشأة القاعدة، والعوامل المساعدة لها، سياسياً وفكريأ واجتماعياً واقتصادياً وعوامل أخرى، ساعدت على بروز ظاهرة الإرهاب واستمراريتها. وبالتالي، فإن أي إغفال لمعالجة هذه الأسباب والعوامل، لا شك سيؤدي إلى فشل كبير في أي مقاربةٍ، لا تأخذ في الاعتبار معالجة تلك الأسباب والعوامل الموضوعية.
بالتالي، فإننا بحاجة في هذا المرحلة إلى تجفيف منابع التطرف والإرهاب، أكثر من حاجتنا لمكافحتهما، وتجفيف هذه المنابع يأتي من خلال معالجة أسباب الفقر والجهل والبطالة، والأمية المعرفية والثقافية والسياسية، ولن يتأتى هذا أيضاً إلا من خلال حلحلة مشكلة انسداد أفق التحولات السياسية في اليمن.
ولا تستبعد من ضمن هذه المقاربة، أيضاً، الدعوة إلى حوار شامل مع هذه الجماعات الإرهابية، شريطة تسليمها للسلاح أولاً، واستكشاف مدى جدية مطالبها وحقيقتها، ومدى إمكانية تحقيقها من عدمها ومن ثم إتاحة الاختيار للوسيلة الأنسب للتعامل معها، حرباً أو سلماً، غير هذا سيظل هذا الملف مفتوحاً على كل الاحتمالات السيئة التي قطعاً اليمن في غنى عنها.
لكن، تبقى مسألة الحرب على القاعدة، في هذه اللحظة بالذات، من الأخطاء الاستراتيجية الكبيرة، في توقيتها، في مثل هذا الظرف الذي تمر به البلاد، كمرحلة انتقالية، تتسم مؤسساتها بالضعف والهشاشة، خصوصاً وأنّ قضيةً كالحرب على القاعدة تمثل مأزقاً دولياً وإقليمياً كبيراً، وبالتالي، تبني مثل هذه الحرب أكبر من قدرة الدولة الوطنية منفردةً، في ظل عجز القوى الدولية الكبرى، وفشلها عسكرياً، مثل الولايات المتحدة، في تحقيق أي نجاح يذكر في هذا الاتجاه.
هذا عدا عن أن تعقيداتٍ كبيرةً، طرأت على هذا الملف، وأن ترجيح إمكانية استغلال بعض عملياته، وتوظيفها من قبل قوى محلية ودولية وإقليمية، غدا اليوم أكثر وضوحاً، في ظل حالة اللايقين السياسي التي تعتري المشهد السياسي، في دول الربيع العربي.
وتأتي خطورة هذا التطور في الحرب على القاعدة يمنياً، للمكانة التي يضعها هذا التنظيم لليمن في استراتيجيته التي رسمها منظره الأبرز، أبو مصعب السوري، مصطفى ست مريم، في كُتيبه "مكانة اليمن ودور اليمنيين في الدفاع عن ثروات المسلمين ومقدساتهم"، ما يعني خطورة أن يقرر التنظيم نقل خلاياه المتناثرة عالمياً، وتوجيهها نحو اليمن في هذه المرحلة. بيد أن الجديد في الأمر كله، ربما يتمثل في حالة إرباك شديدة لدى صانع القرار الأميركي، في تعامله مع تطورات ملف الحرب على الإرهاب، حيث تراجعت القدرات العسكرية الأميركية كثيراً بفعل ما تعرضت له الولايات المتحدة من أزمات اقتصادية كبيرة، طوال السنوات الماضية، كجزء من تداعيات هذه الحرب على الإرهاب، وحرب الثلاثة تريليون دولار في العراق.
لذا، لجأت إدارة الرئيس باراك أوباما الحالية، على استراتيجية سلفه، جورج بوش، "الضربات الموجهة"، من خلال عمليات طائرات بلا طيار، بعد أن كانت قد قررت عدم التورط في حروب مفتوحة وعبثية في هذه المنطقة، فإذا بهذه الطائرات تؤجج من الغضب والكره لأميركا أكثر مما أثارته جيوشها المجوقلة.
وقد صرح قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، مرّةً، بما يوحي معارضته هذه الضربات، بقوله "مقابل كل بريء يسقط جراء ضربات الطائرات من دون طيار ينشأ عشرة أعداء"، وعبر عن ذلك السفير الأميركي السابق في باكستان، كامرون منتور، بطريقه أخرى بقوله "لم يكن يدرك أن وظيفته الأساسية قتل الناس"، في إشارة واضحة إلى رفض فكرة هذه الطائرات، التي تحولت، بحسب مراقبين، أداة ناجحة في تجنيد مزيد من المقاتلين والأنصار لتنظيم القاعدة.
ومن هذا كله، نستطيع القول إنه بات اليوم أكثر وضوحاً، فشل الاستراتيجيات الأميركية، الأمنية والعسكرية، في مقاربة ما تسمى ظاهرة الإرهاب، وتصاعد الرأي العام الأميركي، معارضاً لاستمرار مثل هذه الاستراتيجية الكارثية، والتي تزيد القضية تعقيداً وتوسعاً، لاختزالها قضية معقدة كالقاعدة، في حل أمني عسكري، بعيداً عن أي حلول ومقاربات أخرى متزامنة، سياسياً وتنموياً وثقافياً وفكرياً.
ولهذا، ربما لم تجد الإدارة الأميركية من بديل لاستكمال مشروعها الأمني الفاشل، إلا بالضغط على من تسميهم حلفائها في الحرب على الإرهاب، لاستكمال هذه المهمة الصعبة التي فشلت، هي بكل إمكاناتها بإتمامها، فكيف بمن لا يمتلكون أبسط مثل تلك الإمكانات. غير هذه الفرضية لا تفسر اندفاع الحكومة اليمنية، أخيراً، لمواجهة تنظيم القاعدة، بمبرر الفيديو الذي نشرته "القاعدة" لزعيمها، ناصر الوحيشي، محتفياً بسجناء القاعدة المحررين، في عملية اقتحام السجن المركزي في صنعاء.
لكن، لا يمكن إغفال العمليات العسكرية النوعية التي كانت قد نفذتها "القاعدة" ضد أهداف عسكرية استراتيجية، مثل مجمع العرضي في فبراير/شباط الماضي في صنعاء، ومقر قيادة المنطقة الثانية في حضرموت في سبتمبر/أيلول الماضي، وكذا قيادة المنطقة العسكرية الرابعة في عدن في إبريل/نيسان الماضي، فضلا عن اغتيالات لكوادر من الجيش والأمن متواصلة.
ولا يمكن عزل مثل هذه العمليات، مطلقاً عن تعقيدات المشهد السياسي اليمني الراهن، ومن ثم الجزم بأنها عمليات قاعدية مائة بالمائة، لطبيعة التداخلات والتعقيدات التي تعتري المشهد اليمني كله، حيث لا يمكن التسليم بنجاح كل هذه العمليات مطلقاً، بعيداً عن عدم وجود تسهيلات أمنية، مباشرة وغير مباشرة، من كوادر لا تزال على ولائها المطلق لأسرة الرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
عدا عن ذلك كله، لا يُستبعد مطلقاً شبه التوظيف المخابراتي لهذه العمليات، من هذا الطرف أو ذاك، داخلياً أو خارجياً، لتحقيق أهدافٍ ما، في ظل وجود جماعات عنف أخرى، كالحوثية التي تسعى، هي الأخرى، بقوة السلاح، إلى إسقاط سلطة الدولة الانتقالية، والحلول محلها.
صحيحٌ، أيضاً، أن ما تخلفه عمليات القاعدة، كفزّاعة دولية، لا يقف عند مستوى الاستهداف الدائم للمؤسستين العسكرية والأمنية، من هذه الجماعات المسلحة، التي ترى أن مؤسستي الأمن والجيش صمام أمان للعملية السياسية والديمقراطية في اليمن، بل يتعداه الأمر إلى مسألة القضاء التام على سمعة اليمن، وضرب أهم قطاعين اقتصاديين فيها، السياحة والاستثمار.
ولا شك في أن وتيرة العمليات الأمنية لاستهداف مؤسستي الجيش والأمن من "القاعدة"، أو أطراف أخرى، تستخدم شماعة القاعدة، ستزداد وتيرتها في هذه المرحلة، رغماً عن النجاح العسكري الذي قد يحققه الجيش، هنا أو هناك.
والسبب في ذلك يكمن في أن "القاعدة" ليست جيشاً نظامياً، يمكن القضاء عليها بمجرد تدمير مواقعها وأسلحتها، بل هي فكرة، تحملها مجاميع متناثرة، كخلايا عنقودية منتشرة في أرجاء البلاد، تظهر فجأة وتختفي فجأةً، أي أننا أمام حالة معقدة ومستعصية على الحل، إلا من خلال استراتيجية وطنية متكاملة، للتعامل مع هذه الظاهرة، بعيداً عن الارتجال، وتقارب الأسباب الحقيقية وراء نشأة القاعدة، والعوامل المساعدة لها، سياسياً وفكريأ واجتماعياً واقتصادياً وعوامل أخرى، ساعدت على بروز ظاهرة الإرهاب واستمراريتها. وبالتالي، فإن أي إغفال لمعالجة هذه الأسباب والعوامل، لا شك سيؤدي إلى فشل كبير في أي مقاربةٍ، لا تأخذ في الاعتبار معالجة تلك الأسباب والعوامل الموضوعية.
بالتالي، فإننا بحاجة في هذا المرحلة إلى تجفيف منابع التطرف والإرهاب، أكثر من حاجتنا لمكافحتهما، وتجفيف هذه المنابع يأتي من خلال معالجة أسباب الفقر والجهل والبطالة، والأمية المعرفية والثقافية والسياسية، ولن يتأتى هذا أيضاً إلا من خلال حلحلة مشكلة انسداد أفق التحولات السياسية في اليمن.
ولا تستبعد من ضمن هذه المقاربة، أيضاً، الدعوة إلى حوار شامل مع هذه الجماعات الإرهابية، شريطة تسليمها للسلاح أولاً، واستكشاف مدى جدية مطالبها وحقيقتها، ومدى إمكانية تحقيقها من عدمها ومن ثم إتاحة الاختيار للوسيلة الأنسب للتعامل معها، حرباً أو سلماً، غير هذا سيظل هذا الملف مفتوحاً على كل الاحتمالات السيئة التي قطعاً اليمن في غنى عنها.