تصاعدت الاحتجاجات في العديد من المدن اليمنية، بسبب الانهيار المعيشي في الدولة التي تمزقها الحرب منذ نحو أربع سنوات، في الوقت الذي قلل فيه مصرفيون من قدرة المنحة السعودية الأخيرة على إيقاف انهيار العملة اليمنية، مشيرين إلى أنها لا تكفي سوى شهرين فقط لتدبير احتياجات السوق من النقد الأجنبي وأنها جاءت بمثابة "تخدير" للشارع الغاضب من تدمير الاقتصاد.
وتسارعت وتيرة تهاوي الريال اليمني، منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، ووصل سعر الدولار الواحد إلى نحو 780 ريالا يوم الإثنين، فيما كان يجري تداوله بنحو 513 ريالا منتصف أغسطس/آب، وحوالي 215 ريالا مطلع عام 2015.
وانعكس التهاوي المتسارع للعملة اليمنية على أسعار السلع والمواد الغذائية التي قفزت قيمتها إلى معدلات غير مسبوقة، ما فاقم معاناة اليمنيين، الذين أشارت تقارير دولية إلى تجاوز معدلات الفقر بينهم 85%، فيما تصاعدت مطالب المواطنين بوقف التدخل السعودي الإماراتي في شؤون اليمن وعبث الحوثيين وعجز الحكومة عن إيقاف المعاناة.
وعلى إثر هذه التطورات، أعلنت السعودية، مساء الإثنين، عن تقديم منحة بقيمة 200 مليون دولار للبنك المركزي اليمني، وفق بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية.
وتوقع البيان أن "تساهم هذه المنحة بالإضافة إلى ما سبق إيداعه في البنك المركزي اليمني بما مجموعه 3 مليارات دولار، في تخفيف الأعباء الاقتصادية على الشعب الشقيق"، دون تفاصيل.
لكن عمار الحمادي الخبير المصرفي اليمني، قلل من أهمية المنحة السعودية ومن تأثيرها في سوق الصرف، موضحا في حديث لـ"العربي الجديد" أن الـ 200 مليون دولار التي أعلنت عنها الرياض مبلغ زهيد، ولن يكون له أي أثر في استقرار سعر الصرف.
وقال الحمادي: "بدلا من تقديم هذه المنحة، كان من الأجدر أن توقف السعودية مضايقاتها للعاملين اليمنيين في أراضيها وترحيلهم"، مشيرا إلى أن تحويلات العمالة اليمنية في السعودية تقدر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً وهي مهمة لليمن.
ولم يشهد الريال اليمني، وفق متعاملين، تحسنا كبيرا بعد الإعلان عن المنحة السعودية مقارنة بمستوياته قبل الانهيار الأخير، إذ جرى تداول الدولار اليوم الثلاثاء بنحو 750 ريالاً.
وتوقع مصرفيون، أن يستخدم البنك المركزي اليمني المنحة السعودية في التدخل المباشر من خلال ضخها في سوق الصرف على دفعات، موضحين أنها تكفي لمدة شهرين فقط، حيث يحتاج البنك المركزي إلى 100 مليون شهرياً لتحقيق استقرار في سعر الصرف.
ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014 بعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مارس/ آذار 2015، عندما قادت السعودية تحالفاً عسكرياً بدعم من الإمارات لمساعدة الحكومة اليمنية، وشن التحالف ضربات جوية مكثفة ضد الحوثيين الذين لا يزالون يسيطرون على نحو نصف محافظات اليمن.
وقال مسؤول مصرفي إن "المنحة السعودية بمثابة تخدير للشارع اليمني الغاضب من تدمير الاقتصاد وتفاقم الفقر والغلاء جراء الحرب المستمرة التي كبدت اليمن خسائر بعشرات مليارات الدولارات".
وقطع متظاهرون، أمس الثلاثاء، طرقا رئيسية في مدينة تعز (جنوب غرب) احتجاجا على تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار على خلفية انهيار الريال. وردد مئات المحتجين هتافات تطالب بوقف التدخل السعودي الإماراتي في شؤون اليمن، وتنادي بثورة ضد جميع أطراف الحرب، ومزق المحتجون صورا للرئيس عبد ربه منصور هادي منتقدين صمت الحكومة الشرعية وعبث الحوثيين.
وقال عبدالله سعيد، ناشط محلي، إن التدخلات السعودية الإماراتية عطلت إمكانات البلد الاقتصادية، ودفعت نحو الانهيار الاقتصادي بسيطرتها على الموانئ التجارية وحقول إنتاج النفط والغاز.
وامتدت الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي إلى مدن في جنوب البلاد، منها سيئون وغيل باوزير (جنوب شرق) ويافع في محافظة لحج المجاورة للعاصمة المؤقتة عدن حيث مقر الحكومة (جنوب).
ومنذ اندلاع الصراع يدفع المواطنون ثمنا باهظاً. وبحسب تقرير مؤشرات الاقتصاد الصادر مؤخرا عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، فإن نسبة الفقر قفزت خلال العام الماضي 2017 إلى 85% من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة، مشيرا إلى أن أكثر من 20 مليونا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بينهم أكثر من تسعة ملايين نسمة مهددون بخطر المجاعة.
وفي أغسطس/آب الماضي، ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير له، أن ما يقرب من 18 مليون يمني لا يعرفون من أين تأتي وجباتهم المقبلة، في حين يعيش أكثر من 8 ملايين منهم في جوع شديد، ويعتمدون كلياً على المساعدات الغذائية الخارجية.
كما حذّرت منظّمة "أنقذوا الأطفال" (سايف ذي تشيلدرن) البريطانية في سبتمبر/أيلول الماضي، من أن المجاعة تهدد مليون طفل إضافي في اليمن من جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بسبب استئناف القوات الموالية للحكومة هجومها على مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر غرب البلاد الشهر الماضي.