اليمن-سورية-لبنان: ضربات استباقية تمهيداً للحوار مع إيران

26 ابريل 2015
متظاهرة إيرانية أمام السفارة السعودية في طهران (الأناضول)
+ الخط -

لا يزال سؤال توقيت "عاصفة الحزم" الخليجية بقيادة سعوديّة في اليمن، يطرح نفسه بقوة. لماذا اختار السعوديون هذا التوقيت بالتحديد؟ لماذا جاء الإعلان عن العمليّة من واشنطن؟ لماذا لم تنتظر السعودية القمة العربية التي غطّت العمليّة بعد أيّام على انطلاقها؟ أسئلة يجيب عنها مصدر دبلوماسي خليجي بالتالي: "دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما زعماء الدول الخليجيّة إلى قمّة في كامب دايفيد (ستُعقد في 13 و14 مايو/أيار) وذلك بعد توقيع اتفاق الإطار بين واشنطن وطهران". وبرأي المصدر الخليجي، فإن دول الخليج رأت أن اتفاق الإطار يعني تحوّل واشنطن وطهران لأصدقاء، وبالتالي فإن أوباما سيطرح على المسؤولين الخليجيين في قمّة كامب دايفيد تحسين العلاقات الخليجية ــ الإيرانية، "ولا مشكلة لدينا بذلك، بل نحن نريد أفضل العلاقات، لكن إيران ذهبت باتجاه تدمير المجتمعات العربيّة، ومحاربة الدول العربية. انظر إلى الدول التي بات النفوذ الإيراني فيها متضخّماً: اليمن، سورية، لبنان والعراق. أربع دول تعاني من مشاكل داخليّة كبيرة"، بحسب ما يقول المصدر الدبلوماسي الخليجي. ويُضيف أن إيران لم تترك ملفا يعني دول الخليج إلا وسعت للتدخل المباشر فيه، بهدف "خلق توترات أمنيّة في الخليج".

رواية سعودية تفيد بأن "عاصفة الحزم" أتت في إطار تحسين شروط التفاوض الذي يُفترض أن يدعو إليه الرئيس الأميركي، بين كتلة الدول الخليجية العربية من جهة وإيران من جهة ثانية. ووفق هذا الكلام، من هنا تنبع العجلة السعودية والإيرانيّة في وقت واحد: السعي لتحقيق أكبر مكتسبات ميدانيّة قبل جولات التفاوض الخليجية العربية ــ الإيرانية المحتملة تحت العباءة الأميركية، التي يُفترض أن تتبلور بشكلٍ أكثر جدية بعد قمة كامب دايفيد، وتوقيع الاتفاق النووي بشكله النهائي في يونيو/حزيران المقبل.

وعن الاستعجال الإيراني في الحسم الميداني تحسيناً لشروط التفاوض السياسي، وفقاً للرواية السعودية، يمكن إيراد سعي إيران منذ شهر فبراير/شباط، عبر الحرس الثوري وحزب الله ولواء الفاطميين (مقاتلون أفغان) إلى تحقيق خرق جدي في الجبهة الجنوبية، والوصول إلى حدود الأردن، بما تمثّله الأردن بالنسبة لدول الخليج. كما عملت شمالاً، من دون جدوى، على استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب والانتقال منها إلى مدينتي نبّل والزهراء، وفي الوسط كان التحضير لإنهاء ظاهرة عمليات حرب العصابات التي تمارسها جبهة النصرة، وفصائل الجيش الحرّ في القلمون الغربي ضدّ نقاط حزب الله وخطوط إمداده، والسيطرة على الزبداني، وإنهاء أي خطر على طريق بيروت ــ دمشق.

لكن هذه الخطوات بقيت في إطار التمنيات، فانتقلت المعارضة السورية من حال الدفاع إلى حالة الهجوم، لتسيطر على مدينة إدلب ثم جسر الشغور، وقبلها على معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسورية؛ والذي كان آخر نقطة حدودية للنظام مع الأردن. كما حققت مكتسبات في مناطق أخرى مختلفة. وتُظهر هذه المكتسبات أن المعارضة تلقت دعماً من الدول العربية وتركيا، غير الدعم "الموسمي" التقليدي الذي كانت تناله في الفترات السابقة. ونتيجة لهذا الفشل، يسعى النظام وحلفاؤه لأن يتمدّد "داعش" في مناطق قريبة من دمشق، ومن الجنوب السوري ومن حلب، في إطار سياسة غض النظر، بالحد الأدنى، بهدف إشعار دول العالم أن "خطر الإرهاب" يتمدّد، ولا مجال لمواجهته سوى بالتنسيق مع النظام. وبعبارة أخرى، استخدام "داعش" كطوق نجاة كالعادة.

اقرأ أيضاً انتهاء مهلة مجلس الأمن: الحوثيون يخشون مصير "داعش"

وتعتقد مصادر لبنانيّة حليفة لإيران أن الوضع الميداني في سورية يتأثّر بـ "صدمة الهجوم السعوديّة"، لكنها تُشير إلى ضرورة عدم ربط كل التطورات العسكرية بهذا الأمر، لأن الوضع في سورية بات "حرباً مفتوحة، يتقدّم فيها هذا الطرف اليوم ويتراجع غداً".

أما في اليمن، فقد تمدّدت جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) من صعدة إلى العاصمة صنعاء فمدن الجنوب، وإذ تُعلن السعوديّة "عاصفة الحزم" التي أربكت الحسابات الإيرانية بالكامل، وأبرز دليل على ذلك، هو غياب التصريحات الإيرانيّة في الأيام الأولى، وهذا ما تؤكّده مصادر لبنانيّة قريبة من الحكم في إيران لـ "العربي الجديد". استطاع السعوديون الحصول على غطاء من مجلس الأمن لعمليّة حصار بحري وبري طويل الأمد، وهو ما يسمح بتحقيق أهداف "عاصفة الحزم تدريجياً"، بحسب المصدر السعودي الذي يجزم بأن الانتقال من "العاصفة" إلى "إعادة الأمل"، كان مقرراً وفق الخطة التي بدأت بموجبها الحملة العسكرية في 26 من مارس/آذار الماضي. أمًا في العراق، فقد سعت إيران إلى حسم المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) وحيدةً، لكنها لم توفق بذلك، وكان من الضروري الاستعانة بالدعم الجوي الأميركي، كما أن الساحة العراقيّة باتت تخلق مزيداً من الارتباك للإيرانيين.

من جهتهم، يعتقد السعوديّون أن العراق بات من الحصة الإيرانيّة، وأن الغلبة فيه ستكون في النهاية لنفوذ طهران، لكنهم يسعون لتحقيق بعض المكاسب لحلفائهم. أما في سورية واليمن، فسعت السعوديّة ودول الخليج، لقلب المعادلة الميدانية قبل أي جولات تفاوض مستقبليّة مع إيران، وتعمل دول الخليج وتركيا على استكمال مشروعها في سورية لتغيير النظام، عبر سلسلة من الخطوات منها إعادة الاعتبار للائتلاف المعارض، وربط الفصائل العسكريّة به.

ماذا عن لبنان؟ يعتقد حلفاء إيران في لبنان، أن استقرار لبنان لا يزال مطلباً دولياً، لذلك يقول هؤلاء إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو من تولّى شنّ الهجوم على السعوديّة منذ البداية، إذ يرون أنه لا مجال من هجوم سعودي جدي على حزب الله؛ لأنه "بات جزءاً من الاستراتيجيّة الأميركيّة في محاربة الإرهاب". في المقابل لا يبدو الخليجيون مستعجلين في ما يخص لبنان، لكن هناك مؤشرات على تطورات ما؛ أحد هذه المؤشرات انتقال إدارة الملف اللبناني في السعودية من وزارة الخارجيّة إلى ولي ولي العهد محمد بن نايف، أي إلى الجهاز الأمني، كما تشير المعلومات. لا يجزم أحدٌ بأن الاستقرار في لبنان يُمكن ضمانه عبر غطاء دولي فقط. وتقول مصادر لبنانيّة حليفة لإيران، إن هناك بعض المؤشرات عن حركة لعدد من الخلايا الأمنيّة، من دون أن تبين مدى جديّة هذا التحرك. لكن اللافت، هو حصول وساطة غير مباشرة بين نصر الله والسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، تهدف إلى تخفيف متبادل للهجة من الطرفين، وهو ما بدأ بالترجمة العمليّة أخيراً.

اقرأ أيضاً: حرب كلامية في لبنان تمهد لـ"عاصفة حزم شامية"

المساهمون