تُلقي تحركات إحياء المسار السياسي في اليمن بظلالها على جبهات الحرب المشتعلة بوتيرة متفاوتة منذ سنوات، بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وتبدو الجبهات الأكثر اشتعالاً في الأشهر الأخيرة محوراً للعدد الأكبر من التساؤلات، حول ما يمكن أن يؤول إليه الوضع في المحافظات والمناطق التي تعد مناطق تماسٍ، وما إذا كانت جهود السلام ستفضي هذه المرة إلى وقف الحرب أم تجعل منها استراحة تعود بعدها المعارك بوتيرة أعنف.
وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، كانت الحديدة محور المعارك وحديث السلام، بوصفها المعركة الأهم بين مختلف الجبهات الممتدة من وسط إلى جنوب وغرب وشمال البلاد. وتتنازع السيطرة على الحديدة، التي تعرضت إلى غارات جوية شنها التحالف، القوات الحكومية، المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، التي وصلت إلى أطراف المدينة الشرقية والجنوبية، والحوثيين الذين لا يزالون يحتفظون بالسيطرة على غالبية مناطق الحديدة، كأهم محافظات اليمن الساحلية المطلة على البحر الأحمر. وتصف مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، الوضع في الحديدة، بأنه قابل للانفجار في أي لحظة، في ظل التهدئة التي فرضتها الجهود الدولية لمبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، ومن خلفه الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول، مشيرة إلى أن مرد خطورة الوضع عسكرياً، لا تختصره فقط الأهمية الاستراتيجية للحديدة على كافة الأصعدة، يمنياً وإقليمياً ودولياً، بل إنها تتعدى ذلك إلى الوضع الميداني ونقاط الاشتباك التي توقفت عندها المعارك، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إلى السعودية والإمارات.
ووفقاً للمعلومات الميدانية، تقف قوات الشرعية، المدعومة من التحالف، والمؤلفة من ثلاثة تشكيلات، هي "ألوية العمالقة" القوة الرئيسية، والقوات الموالية لطارق صالح، وقوات "المقاومة التهامية" المؤلفة من عناصر من أبناء الحديدة، على بعد كيلومترات قليلة من ميناء الحديدة، وباتت عملياً داخل أجزاء من المدينة، وصلت إليها بعد معارك عنيفة على امتداد مناطق جنوب الساحل الغربي. ومن غير الوارد أن يُطلب من هذه التشكيلات، التي تقف الإمارات بواجهة دعمها، الانسحاب أو التراجع إلى الخلف، بوصفها القوات المدعومة من الحكومة المعترف بها دولياً. وتمتد مناطق سيطرتها حالياً من أطراف المدينة (مركز المحافظة)، مروراً بالشريط الساحلي، في مديريات الدريهمي، والتحيتا، والخوخة، وحيس، وغيرها من مناطق جنوب المحافظة التي تبقى فيها السيطرة مهددة، من قبل الحوثيين الذين لا يزالون يسيطرون على غالبية مناطق المحافظة، بما فيها المدينة.
ونتيجة لجملة من العوامل السياسية والجغرافية والميدانية، فإن وضع الطرفين عسكرياً يبقى تحت رحمة الآخر بوجوده في مناطق متداخلة تزيد تعقيداتها حالة عدم الثقة، إذ إن اليمنيين اعتادوا، على مدى نحو أربع سنوات من الحرب، أن آخر ما يمكن الحديث عنه في أي هدنة أو جولة مشاورات، هو انسحاب أحد الطرفين سلمياً أو حلول الترتيبات المطروحة على طاولة المفاوضات، بانسحاب المليشيات وتسليم الأسلحة أو دمج المكونات المختلفة، وغير ذلك مما يبدو صعباً على المستوى العملي.
وفي السياق ذاته، تأتي ثاني أكثر الجبهات اشتعالاً، وتتمثل بمناطق محافظة حجة الساحلية غرب الحديدة، والمديريات الواقعة على الحدود مع السعودية، ابتداءً من حجة وحتى صعدة. والأخيرة لم تعد محصورة بمواجهات الحوثيين والقوات السعودية، بل أصبحت المواجهات بدرجة رئيسية بين مسلحي الجماعة وبين القوات اليمنية الموالية للشرعية، التي تقدمت في الأعوام الأخيرة، في ميدي ومديريات مجاورة لها كحيران وحرض، أو محاور كتاف وباقم والملاحيط، وغيرها، في محافظة صعدة. وتختلف جبهات صعدة عن الحديدة، في أن الأولى لا يزال أغلبها في قبضة الحوثيين، وهي مناطق معاقلهم الحصينة ومركز قوتهم عسكرياً وتنظيمياً وقيادياً، خلافاً للحديدة، التي باتت سيطرة الجماعة فيها مهددة بكل الأحوال. وتبقى القوات الحكومية اليمنية، التي تقدمت من جهة السعودية، إلى أطراف محافظة صعدة، في موقف شديد التعقيد، ما لم تكن هناك تفاهمات واضحة المعالم بين الحوثيين والجانب السعودي. علماً أن المقترحات الأميركية للتسوية، والتي تحدث عنها وزير الدفاع جيمس ماتيس، في الشهر الماضي، تتحدث عن إيجاد "منطقة عازلة" على الحدود، تراعي المخاوف السعودية من بقاء الحوثيين فصيلاً مسلحاً متهماً بتلقي الدعم من إيران على حدود الجارة الغنية لليمن. وإلى جانب جبهتي الحديدة وصعدة، أو بالأحرى الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر، والمناطق الحدودية مع السعودية، تنتشر العديد من محاور المواجهات المفتوحة على عمليات كر وفر في محافظات تعز والضالع والبيضاء ومأرب والجوف وأطراف صنعاء الشرقية، غير أنها في الغالب، تأتي بالدرجة الثانية من الأهمية، وتغلب فيها المواجهات المتقطعة أو التصعيد المحدود، وتبقى جميعها في درجات متفاوتة من الأهمية محاور مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما فيها الاتفاق على تهدئة طويلة الأمد أو الانفجار.