اليمن بين نفقين
مع ولوج العالم بداية الألفية الثالثة، كان اليمن في نفقٍ مظلمٍ، وفقاً لوصف عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب سابقاً، والزعيم القبلي الأكثر نفوذاً قبل وفاته، في تعليقه على السياسة التي كان ينتهجها الرئيس، علي عبدالله صالح. وجاء هذا الوصف تعبيراً عن المرحلة الأكثر حرجاً التي تمر بها البلاد في تلك السنوات، وهي مرحلة أوصلت اليمن إلى الانفجار الناعم، إن جاز التعبير، في عام 2011، عندما خرج ملايين اليمنيين إلى الميادين، رفضاً لسياسات صالح، في ثورة شعبية عارمة كللت بمبادرة خليجية، أسقطت صالح شكليّاً ورمزيّاً من الحكم، وأبقت على منظومته، أو بمعنى آخر، أبقت على النفق الذي يحاول صالح جاهداً إعادة اليمنيين إليه مجدداً.
إعلان المؤتمر الشعبي العام، الذي يتمسك صالح برئاسته حتى اللحظة، عن اكتشاف نفقٍ بالقرب من منزل الأخير، بغرض استخدامه للتخلص منه، إعلان يفهمه كثيرون ممن يدركون طبيعة صالح، وطريقة تفكيره، على أنها بداية لإنتاج صراع جديد. كيف لا، وصالح أحد أبرز زعماء البلاد العربية الذين تمكنوا من إدارة بلدانهم في الأزمات بضرب المتناقضات ببعضها بعضاً. كما أن إعلان اللجنة الأمنية العليا عن النفق، يكتنفه غموض كثير، حيث اكتفى بإيراد معلومات عن طول النفق، وهو 88 متراً، من دون إيراد مزيد من المعلومات التي كان ممكناً أن تدل على هوية المنفذ.
لماذا النفق بالذات؟ أو ما الذي يختبئ لنا وراء النفق؟
أما لماذا فإجابته سهلة، كون الجميع يعرف عن صالح ولعه بالأنفاق، أو لنقل حذره الشديد وخوفه من جميع المحيطين، أمر تفسره عشرات الأنفاق التي يذكرها مقربون من الرجل، ربط بها دار الرئاسة، وبعض مواقع دائمةٍ يقيم فيها، مثل قصره المشيد في مسقط رأسه سنحان، ومعسكر ريمة حميد، وأخيراً في الجامع الذي أطلق اسمه عليه.
أما من يقف وراءه؛ فالأمر ما يزال يكتنفه الغموض، على الرغم من أن ما يرشح إلى السطح يشير إلى نظريتين أو احتمالين، الأول: إن صالح هو من أمر بحفر النفق، قديماً أو حديثاً، عندما كانت مئات من الأمتار تفصل هتافات الثائرين عن منزله، ووضعها كنفق نجاة في حال طوق الثوار الغاضبون المكان سلميّاً، أو عبر أنصار الثورة المسلحين، في ردة فعل على الدماء التي تورط فيها النظام في الساحات.
يشير الاحتمال الثاني إلى طرفٍ ثالث، يريد زعزعة أمن البلاد، والإيقاع بين الفرقاء اليمنيين، وتوريط البلاد أكثر في أتون الاحتراب، وإغراقها في مشروع هدم الجمهورية.