مرت الذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير/شباط اليمنية، فيما البلاد تشهد حرباً شرسة، شغلت الأطراف التي تقف في وجه الثورة المضادة التي يقودها تحالف الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، عن استعادة خط الثورة، وتحقيق الأهداف التي لطالما طالب بها اليمنيون خلال عام 2011 وبعده. في مقابل ذلك، فإن أركان الثورة المضادة في اليمن، خلافاً لبلدان عربية أخرى شهدت ثورات، فشلوا حتى الآن في العودة إلى السلطة عبر الأدوات الناعمة أو حتى العنفية، في البزة الرسمية أو من خلال المليشيات.
وارتفعت المطالبات مع الذكرى الخامسة لثورة 2011، من قِبل الكثيرين من نشطاء وشباب الثورة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بإصدار قرار يُعلن 11 فبراير/شباط يوماً وطنياً، تمجيداً لذكرى انطلاق الثورة، وأيضاً لتوجيه رسالة واضحة للانقلابيين بأن الثورة ما تزال مستمرة وماضية في طريق تحقيق أهدافها بوجود دولة المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، وهو ما تم بالفعل أمس الخميس. كما بات هادي مُطَالباً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالاقتراب من خط ثورة فبراير/شباط، التي أوصلته إلى السلطة، كما لا يزال شبابها يقاتلون في صفوف "المقاومة الشعبية" في مختلف الجبهات من منطلق الدفاع عن الثورة وعن شرعيتها الممثلة بالشرعية السياسية لهادي.
الفرصة المهدورة
جاءت ثورة فبراير/شباط 2011 بأهداف محددة بشكل واضح، فهي قامت رفضاً للنظام الحاكم الذي أرهق البلاد بالحروب والأزمات والفساد. لكن هذه الثورة لم تحدد بالدقة نفسها البديل الذي تريده عن ذلك، وبسبب هذا النقص والذهاب إلى "تسوية سياسية" خوفاً من الحرب، حلّت التسوية بدلاً عن الفعل الثوري واقتصرت على النقطة المتمثلة بإزاحة صالح من منصبه بعد 33 عاماً في السلطة، كهدف من أهداف ثورة 11 فبرير/شباط اليمنية وإن كان عن طريق اتفاق سياسي. ويُعدّ ذلك بحسب سياسيين، بحد ذاته تحوّلاً عميقاً وهاماً، ويدل على أن التغيير، على الأقل إلى حدٍ ما، قد حدث، بينما الحرب أُجلت لثلاث سنوات فقط.
أما وجهة نظر الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة، فهي أن مواجهة طبيعة منظومة الفساد التي يقودها صالح، تُمثّل عملاً لم ينته بعد. حتى بعد الموافقة على التوقيع على المبادرة الخليجية، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، استمرت الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات ضد رموز النظام القديم، وظلّ المطلب الرئيسي للشباب التركيز على إزاحة أفراد عائلة صالح وحلفائه المقربين من مواقع السلطة داخل أجهزة الأمن والجيش، والحكومة والشركات العامة، والتخلص من منظومة الفساد للنظام القديم. وأكد اليمنيون الذين ثاروا على نظام صالح حينها، أنه لا يمكن حصول إصلاح حقيقي في اليمن أو تحقيق أهداف الثورة ما لم تتم إزاحة جميع أفراد عائلة الفساد، التي تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد، بما في ذلك قطاعات النفط، والتبغ، والإسمنت، والبناء، إضافة إلى الشركات الخدماتية. وبالنسبة لشباب الثورة فإن انسحاب عائلة صالح بشكل لا لُبس فيه من المشهد، لا يمثّل مجرد مسألة لطي صفحة سياسية، بل أحد متطلبات إعادة تشكيل النظام الاقتصادي والسياسي للبلاد.
اقرأ أيضاً: اليمنيون والخيارات المرّة: قوى الانقضاض على الثورة
التحضير للثورة المضادة
كانت الفترة الانتقالية المحددة وفقاً للمبادرة الخليجية بعامين، وفق تكتيك الثورة المضادة، كافية لخفوت الزخم الثوري وإحداث انشقاقات واستقطابات واسعة في صفوف القوى الثورية، وأيضاً وضع اليمنيين أمام مشهد صُنع بعناية يوضح لهم كيف أن الثورة قد فشلت. ساعد على ذلك بقاء الدولة العميقة لصالح، حتى بعد حدوث الانتقال السياسي، بمنأى عن الرياح الثورية، وعزز من تماسكها احتفاظ حزب المخلوع "المؤتمر الشعبي العام" بنصف المقاعد الحكومية وفقاً للمبادرة الخليجية وبكامل الجهاز الإداري للدولة. هكذا نجح صالح في قيادة الثورة المضادة من خلال تحالف طائفي مع جماعة الحوثي، والتقت نوازع ثأرية حاولت أن تُصفي حسابها مع ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 والتي أنهت الحكم الإمامي في اليمن، وثورة 11 فبراير/شباط 2011، التي أطاحت بصالح من كرسي السلطة، ووضعت حداً أمام طموحاته بتوريث السلطة لنجله.
يرى الكاتب والناشط السياسي اليمني معن دماج، أن "المنطقة دخلت في مسار ثوري طويل وعميق، وبالتالي فإن الأنظمة والثورات المضادة لا تستطيع أن تقضي على الحراك الثوري، لأنها أساساً لا تملك حلولاً للأسباب العميقة التي شكّلت دافعاً لدى الشعوب العربية للانتفاض والثورة، وحتى قدرتها على القمع تتراجع كل اليوم، والمشكلة أن القوى التي تصدّت لقيادة الثورة، لا تمتلك أي حلول للمشاكل، أو حتى قوى تعبّر عن الهويات الدينية، وبالتالي باتت تعبيراً عن المشاكل أكثر من كونها حلاً لها".
ويوضح دماج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن فهم الوضع في اليمن اليوم ولا في البلدان العربية من دون الانطلاق من المسار الثوري الذي تفجّر عام 2011، في دول عربية عدة بينها اليمن، بإرادة واضحة من أجل إسقاط الأنظمة الحاكمة والاستبداد والتخلص من الفقر والتهميش"، لكنه يشير إلى أن "هذه الثورات افتقرت للتنظيم أو البرنامج، وخصوصاً أنها كانت مليئة بالأوهام حول التغيير السلمي وحصرها لمشاكل المجتمع في شخص الرئيس وحتى في الاستبداد، مغفلة طبيعة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للأنظمة القائمة، والتي يبدو أنها حتى الآن لا تقترح بديلا لهاً".
ويعتبر دماج أن المطلوب في هذه المرحلة، "أن تنتظم قوى الثورة في اليمن على كل المستويات، خصوصاً العسكري، وأن يكون لديها القدرة على الاستقلال عن مشروع التحالف العربي، الذي وإن كان يدمر الآلية العسكرية لصالح والحوثي، فإنه يمتلك برنامجاً مغايراً للثورة ولمؤسسات دولة هادي"، مشيراً إلى أن على قوى الثورة "تقديم نموذج للدولة والسلطة المستقبلية التي لأجلها يقاوم الناس، وجعل المقاومة أكثر ديمقراطية وشعبية".
من جهته، يرى مجيب المقطري، أحد أبرز شباب الثورة في محافظة تعز، أن "لا خيار أمام الجميع اليوم، وبالتحديد جماهير الثورة، سوى المزيد من الانخراط في صفوف المقاومة الشعبية بما يعزز من قوتها وتماسكها، والالتفاف حول الشرعية الدستورية واستعادة الدولة المختطفة من قبل الثورة المضادة". ويؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "على المكوّنات السياسية المنخرطة في المقاومة وأيضاً شباب الثورة، أن يعوا جيداً كل الأخطاء التي حدثت في الماضي وأن يقدموا أنفسهم كبديل ناجح لتواصل عملية التغيير وتحقيق أهداف ثورة 11 فبراير/شباط 2011".
اقرأ أيضاً: الذكرى الخامسة للثورة اليمنية: قرب هزيمة الانقلاب الحوثي