الوجه القبيح لكرة القدم

25 يونيو 2014
من أقصى الحبّ إلى أقصى الكراهية(ياسوهوشي شيبا/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لا يُعرف بوجه دقيق لماذا يمكن للعبة، أيّاً كانت، ومهما كانت جائزتها، أن توقظ في نفوس جمهورها كلّ هذه المشاعر المتطرّفة من حقد وكراهية واحتقار المنافس والإمعان في إذلاله، وتأليه مَن يناصره والتعصّب له.

اليوم، يبدو تجدّد سعار منافسات المونديال مدعاة للتأمّل، وطرح أسئلة أبعد من لعبة حول كرة تسمّى بالساحرة المستديرة، ليس لأنّها تتحرّك بخفّة وتحوّل مساراتها وتطير، بل لأنّها والأقدام التي تتنازع عليها، تسحر عشّاقها، وتجعلهم يُخرجون أعمق مشاعرهم وأكثرها تطرّفاً. فهؤلاء يرون كلّ ما يتعلّق بفريقهم مذهلاً ومبهراً، والعكس صحيح بالنسبة لمنافسيهم أو بالأحرى خصومهم.

نعرف جيداً الهتافات المحقّرة والمذلّة التي يردّدها الجمهور للخصم، تحديداً الخاسر، والدور الكبير لهتافات الجمهور على اللاعبين، واعتدنا الشتائم المقذعة التي يتبادلها الجمهور على المدرجات، عوضاً عن العنف اللفظي والجسدي الذي يشهده المستطيل الأخضر بين اللاعبين أنفسهم. ونعرف الفِرق المشاغبة بين الجماهير التي تنشط غالباً في المباريات المحلية والدوريات الكروية، ولكنها لا تغيب تماماً عن دورات المونديال الذي شهد الكثير من حوادث تحطيم الملاعب وأعمال عنف أخرى، ما يدفع إعلام "الفيفا" الرسمي والمتعاقدين معه إلى التركيز على الجانب المشرق من الفعاليات وتصدير صور المشجّعين المبتهجين والمرحين أصحاب القبعات والأزياء المضحكة والأوشام والأصباغ.

ومع المونديال الثاني، في زمن الـ"فيسبوك" وإخوته، بتنا نقرأ في صفحات المتحمّسين والمشجّعين الافتراضية الهتافات التي كانت على المدرّجات. ولم تعد الظاهرة سماعية شفوية فقط، بل دخلت مرحلة التسطير والأرشفة. والحقّ أن قراءتها مكتوبة تضخّم من فداحتها، حتى لتشفق على مَن وجد في فريق يشجعه سبيلاً لإخراج نرجسيته وعنصريته وغرائزه العصبية الأخرى. وطبعاً لا يقصد هنا ما يرد مزاحاً بين الأصدقاء.

اشتكى اللاعب الفرنسي من أصل جزائري، بنزيمة، من أنّه حين يسجّل هدفاً لفريقه يُفاخَر به كفرنسي رائع، وحين يرتكب خطأ أو يضيّع فرصة يُعَيّر بأصوله العربية. هذا مثل صغير لاشتعال العصبيات العرقية في هذه اللعبة التي لا يتحقّق من روحها الرياضية إلا الشعارات. اللعبة نفسها لا تخلق هذه الغرائز، لكنّها بالتأكيد تخرجها في صورة فجّة، لأنّها تتناقض مع مضمون اللعبة نفسها.

نفهم أن يتعصّب جمهورٌ لمنتخب بلاده، فيشتم خصمه ويعيّره وربما يتشاجر ويحطّم الاستاد. نفهم التعصّب للدم والانحياز للعرق، ولكن، حين لا يجمع الجمهورَ بفريقه، "سابع جدّ"، ماذا يكون خلف ذاك التطرّف؟ ما الذي يحرّك الغرائز ويفجّر الغضب؟   

وهنا يبدو السؤال هو الاجابة. غياب ذلك الرابط المباشر، هو الذي يؤدّي بالجمهور المتعطّش للانتماء إلى أن يبني وهمه الخاص، وينسب لنفسه جنسية أخرى، فيصبح العربي إيطالياً والبنغالي برازيلياً والافريقي انكليزياً... التوق إلى مجدٍ تصنعه كرة وكأس مطليّة بالذهب وبضع بالونات هو أمر أعمق من بهجة الاحتفال المؤقّتة. هؤلاء المشجّعون المُثارون طوال شهر هم في الحقيقة يخوضون إحدى جولات صراعات الهوية والانتماء.

في المدرّجات الافتراضية تحديداً، حيث المرآة أنصع ممّا نتصوّر، تكاد الفضيحة البشرية تؤرّخ. تلك الجدران "الفيسبوكية" والأغصان "التويترية" حيث التغريدات لا تُمحى، ستبقى شاهداً على قسوة الغريزة الحيوانية، التي لا تزيدها اللغة البشرية إلا فضائحية وجلبة.

فضيحة التعصّب الكروي باتت تدوّي في كلّ مكان، حتى الافتراضي، لا يخفّف من هولها سوى أنّها تأخذ استراحةً لأربع سنوات.

المساهمون