الوجه الآخر لحصار قطر... آلاف العائلات الخليجية تعاني من محنة إنسانية متفاقمة

16 يونيو 2017
العائلات الخليجية تعيش محنة إنسانية بعد حصار قطر(الأناضول)
+ الخط -
اعتادت الثلاثينية القطرية مريم، زيارة عائلتها المقيمة في الدوحة مع بداية شهر رمضان، غير أنها لم تتمكن من العودة إلى زوجها السعودي وأبنائها، بعد انتهاء زيارتها، إذ حرمها قرار المملكة العربية السعودية ودولتي الإمارات والبحرين قطع علاقاتها مع الدوحة، الصادر في 5 يونيو/حزيران الجاري، من العودة إلى عائلتها بعد أن منحت الرياض وأبوظبي والمنامة القطريين مهلة أسبوعين لمغادرة أراضيها، وطلبت بدورها من رعاياها مغادرة قطر.

وتخشى مريم، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها خوفا من تداعيات الأمر على زوجها وأبنائها السعوديين، من حلول عيد الفطر دون أن تتمكن من قضائه في بيتها، إذ اتصلت بالخط الساخن الذي أعلنت عنه السلطات السعودية من أجل عرض شكواها، غير أن أحدا في الطرف الآخر لم يرد، وهو ما تكرر مع متضررين آخرين من قرار الدول الثلاث بحصار قطر، والتي أعلنت عن خطوط ساخنة من أجل تلقي شكاوى الحالات الإنسانية من الأسر الخليجية التي تحوي أفراداً قطريين، غير أن محاولات المتضررين لم تلق تجاوبا وفق ما جاء في الشكاوى الموثقة من قبل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر.

764 انتهاكاً حقوقياً موثقاً

تعد حالة مريم واحدة من بين 764 شكوى وثقها فريق مختص من اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان (مستقلة عن مؤسسات الدولة من الناحية المالية والإدارية) منذ 5 يونيو/حزيران الجاري تاريخ بداية الحصار والحظر والمقاطعة قرابة وحتى فجر الاثنين الماضي، بحسب ما أعلنه الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تصريحات صحافية.

واضطرت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، إلى تشكيل فريق من الباحثين الاجتماعيين، وتخصيص خط ساخن على مدار الساعة، لاستقبال شكاوى المتضررين، التي باتت تنهال على اللجنة والتي تعتمد منهجية عمل تقوم على زيارة من أصابهم الضرر إلى مقرّها وتعبئة استمارات خاصة تحتوي معلومات تفصيلية أعدتها اللجنة أُرفقت معها صور هويات شخصية للمتضررين بينما أرفق بعضهم تقارير جامعية أو مدرسية أو عقود عمل أو بيانات أُسرية وغير ذلك من الوثائق المتوفرة في أرشيف اللجنة، بحسب ما أكده مصدر مطلع بالجهة الحقوقية.

وتواصل اللجنة استقبال شكاوى القطريين وغير القطريين من مواطني الدول التي قطعت علاقاتها مع دولة قطر، ويصل عدد الشكاوى يومياً إلى 50 شكوى وشددت اللجنة على ضرورة تضمين الشكوى بالمستندات والوثائق التي تعززها، حتى تسير في مسارها القانوني، وبالتالي توثيق البيانات إلكترونياً، لإعداد ملف بالقضية، بحسب ما أكده مصدر مطلع باللجنة في تصريحات صحافية.

وتكشف إحصائية موثقة حصل عليها "العربي الجديد" من اللجنة أن شكاوى المواطنين القطريين المقيمين في السعودية، تنوعت بين 9 حالات تتعلق بالحق في استكمال تعليمهم و179 حالة لها علاقة بالممتلكات و74 حالة لم شمل الأسر و212 انتهاكا في الحق في التنقل و4 حالات في قطاع الصحة، و25 حالة تتعلق بممارسة الشعائر الدينية و23 حالة متعلقة بالعمل و7 حالات لها علاقة بالمنع من الإقامة.

أما الشكاوى الخاصة بالقطريين المقيمين في الإمارات فكانت على النحو التالي، 16 حالة تتعلق بالحق في استكمال التعليم و35 حالة لها علاقة بالممتلكات و21 حالة لمّ شمل الأسرة و46 حالة في مجال انتهاك الحق في التنقل، و3 حالات لها علاقة بالعمل، في حين كانت الحالات الواردة من قبل قطريين مقيمين في البحرين، هي 5 حالات تتعلق بالحق في استكمال التعليم، وحالتان لهما علاقة بالملكية، و60 حالة لمّ شمل أسرة، و19 حالة تنقل، و5 حالات لها علاقة بانتهاكات تمس الجانب الصحي، و12 حالة تتعلق بالعمل، وحالتان في ما يخص الإقامة في البحرين.



العفو الدولية: تدابير تعسفية

وصفت منظمة العفو الدولية، التدابير التي اتخذتها كل من السعودية والإمارات والبحرين في أعقاب إعلان قطعها العلاقات مع قطر، بـ"التلاعب بحياة الآلاف" ما فرّق العائلات ودمر سبل عيش الناس ومستقبلهم الدراسي، داعية إلى الوقف الفوري لهذه التدابير، وفق ما جاء في تقريرها الصادر يوم الإثنين الماضي عن أزمة قطع الدول الخليجية الثلاث لعلاقاتها مع قطر.

وقابل باحثو المنظمة عشرات الأشخاص ممن تضررت حقوقهم بفعل سلسلة من الإجراءات التي فرضتها دول الخليج الثلاث على نحو "تعسفي" في نزاعها مع قطر.

وأمرت الدول الخليجية الثلاث في الخامس من يونيو /حزيران الجاري الرعايا القطريين بمغادرة أراضيها خلال 14 يوماً، وأعلنت أن على جميع مواطنيها العودة من قطر، مهدّدة بفرض عقوبات على أي شخص لا يعود خلال هذه المهلة الزمن، ويعيش ما يربو على 11387 من مواطني البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة في قطر بينما يُقيم 1927 مواطناً قطرياً في تلك الدول وجميع هؤلاء تضرروا في نواح وقطاعات مختلفة وبشكل متفاوت وصلَ في بعض الحالات أن تقوم بعض دول الحصار بالفصل بين الأم وأولادها بحسب ما أكدته اللجنة القطرية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تجري مشاورات للتعاقد مع مكتب محاماة دولي لمقاضاة تلك الدول، أمام محاكم دولية ومطالبتها بتعويضات للمتضررين الذين انتهكت حقوقهم، وفقا للقوانين الدولية ومبدأ جبر الضرر المعترف به عالميا.


الحصار يتعارض مع القوانين المحلية والدولية

يتعارض الحصار السعودي الإماراتي البحريني المفروض على قطر مع أنظمة ومبادئ مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ويصطدم بقواعد ميثاق الأمم المتحدة إذ يعد إخلالاً بالأمن والسلم الدوليين ويخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما المواد 2، 3، 1/11، 2/13 ، 28، 29، 30 بحسب ما أفاد "العربي الجديد" أمين سر جمعية المحامين القطرية المحامي محمد أحمد الأنصاري.

ولفت إلى أن عدم تمكين القطريين من ممتلكاتهم في الدول الثلاث، يخالف القوانين المعمول بها في دول الخليج العربية، والتي تؤكد احترام وصون الملكية الفردية إذ تعتبر قواعد الملكية الفردية من النظام العام في دولة الإمارات العربية المتحدة وفقاً للمادة الثالثة من القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 1985 بإصدار قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وينوي المستثمر القطري في المجال العقاري أبو سعود، الاستناد إلى المادة السابقة وغيرها من التشريعات المحلية والدولية لمقاضاة المتسببين في خسارته الكبيرة التي لا يستطيع تقديرها بعد، إذ حرم من دخول الإمارات التي تتركز فيها استثماراته وفقا لما جاء في شكواه المقدمة إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ويحق لأبو سعود المطالبة بالتعويض، وفقاً للمحامي الإنصاري، والذي أكد أن ملكية القطريين للمنقولات أو العقارات بداخل إحدى دول الحصار تبقى مصونة ولا يجوز التعدي عليها، وإن أية أضرار أو خسائر قد تترتب على حرمانهم من الانتفاع بها أو استغلالها أو التصرف فيها يعطي للمضرور الحق في المطالبة بتعويض عادل عن كافة الأضرار التي لحقته من جراء ذلك ، وأن المسؤول عن التعويض في هذه الحالة، حكومة الدولة المتسببة في هذه الأضرار، لأن القرار الصادر منها بالحظر والحصار يعد غير مشروع وفقاً للقوانين الدولية والتشريعات المحلية المعمول بها في الدول الثلاث.


الحرمان من أداء العمرة

في الوقت الذي تنفي فيه السلطات السعودية، منعها للمواطنين القطريين، من أداء العمرة، بعد إغلاقها الحدود البرية، والمجال الجوي السعودي في وجهة رحلات الطيران القطرية، تؤكد حملات الحج والعمرة القطرية، حرمان المئات من المواطنين والمقيمين من أداء العمرة، وبحسب تصريحات صحافية لجاسم الحردان مدير حملة التوبة للحج والعمرة، فإن الحملة ألغت رحلات العمرة ما تسبب في خسارتها قيمة حجوزات السكن في فنادق مكة المكرمة والتي كلفت الحملة نحو 500 ألف ريال تم دفعها مقدما للسكن في فنادق مكة المكرمة ولا تستطيع الحملة ردها ما دعاه إلى التقدم بشكوى الى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.




الحرمان من إكمال الدراسة

قابل "العربي الجديد" طالبتين تدرسان في الإمارات العربية المتحدة، واحدة في إمارة عجمان، والأخرى في إمارة دبي، كانتا في الدوحة، لحظة الإعلان عن الإجراءات الأخيرة ما حرمهما من العودة إلى الإمارات لاستكمال دراستهما، وأجرت الطالبة عائشة والتي تبقى لها فصل دراسي واحد حتى تتخرج في الجامعة، اتصالا مع المسؤولين في الجامعة من أجل معرفة مصيرها، لكن ردهم تمثل في "أنه لا توجد معلومات لدى الجامعة عن كيفية التصرف مع مثل حالتها، وأنهم لا يستطيعون تزويدها بأية وثائق رسمية، تثبت أنها كانت تدرس في الجامعة".

وبالإضافة إلى ثلاث سنوات ونصف السنة قضتها في الجامعة الإماراتية خسرت عائشة سيارتها والشقة التي كانت تقيم فيها، وأغراضهما وهو ما تكرر مع زميلتها التي رفضت الكشف عن هويتها.

وكانت منظمة العفو الدولية قد قابلت عدة طلاب وطالبات قطريين يشعرون بالقلق من أنهم لن يتمكنوا من إكمال تعليمهم في الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وقالت إحداهن إن جميع فصولها الدراسية في الإمارات قد ألغيت لباقي السنة بأثر فوري.

على الجانب الآخر يعاني مواطنون من الدول الثلاث من المقيمين في قطر من حرمانهم من إكمال دراستهم في قطر بسبب استدعاء الدول الثلاث لمواطنيها وتهديدهم بعقوبات في حال عدم الامتثال للقرار ويدرس في جامعة قطر 706 مواطنين سعوديين وإماراتيين وبحرينيين كما تم تسجيل 4600 طالب من الدول الثلاث في المدارس الحكومية في قطر، بحسب ما جاء في إحصاءات صادرة عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والتي استقبلت شكاوى لمواطنين من هذه الدول.


تقطيع أواصر العائلات


على الرغم من صعوبة الحالات السابقة، إلا أن معاناة العائلات التي تم تقطيع أواصرها بفعل حصار قطر، تعد الأخطر والأكثر إيلاما كما يقول باحثون من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والذين وثقوا حالة مواطن قطري رفضت السلطات الإماراتية السماح له بدخول البلاد، بعدما ظل يعيش في الإمارات العربية المتحدة 10 سنوات وأعيد إلى قطر عندما حاول العودة إلى زوجته التي تحمل الجنسية الإماراتية وأطفاله الذين طلب منهم مغادرة الإمارات.

وأبلغ سعودي يعيش في الدوحة مع زوجته القطرية منظمة العفو أنه لا يستطيع زيارة والدته التي ترقد على سرير المرض بحالة حرجة في السعودية، لأنه لن يتمكن في حال ذهابه إلى بلده من العودة إلى قطر ليكون مع زوجته وأبنائه، بفعل قرارٍ تضرر منه مواطنو الدول المحاصرة، مثلما هو حال القطريين.