الهرميتاج... عملاق المتاحف العالمية يروي قصته في الدوحة

الدوحة

محمد هديب

محمد هديب
محمد هديب
كاتب وصحافي أردني
02 ديسمبر 2019
6D3F3653-2C4A-4519-BA5A-E797B3C6B2EB
+ الخط -
منذ أواسط القرن الثامن عشر، بدأ متحف الهرميتاج في سانت بطرسبرغ الروسية رسم تاريخه، الذي سيتفرد به بين متاحف العالم. إنه المتحف الأضخم لجهة عدد المقتنيات.

ويخبرنا مديره العام المستشرق ميخائيل بيوتروفسكي بلغة عربية فصيحة، أن المقتنيات بالضبط ثلاثة ملايين و278 قطعة فنية، ويعمل فيه بدوام كامل 2500 موظف.

في الدوحة، وفي لقاء مفتوح بمتحف الفن الإسلامي ضمن سلسلة محاضرات وورش عمل "أيام الهرميتاج"، جال المتحدث بالكلمة والصورة والفيديو في تاريخ وتحولات هذا المتحف، الذي يقف على 233 ألف متر مربع، ممتدة طولياً في خمسة مبان على ضفة نهر نيفا. حمل اللقاء عنوان "المتحف في القرن الحادي والعشرين".

في هذا اللقاء وفي غيره، يؤكد بيوتروفسكي فلسفة المتحف ضمن النقاش العالمي الدائر حول المتاحف. إن المتحف ليس مكاناً لحفظ المقتنيات، وإنما ينبغي أن يتجاوز ذلك إلى دور ثقافي حيوي متفاعل داخل المجتمع، وإلى دور حضاري غير مذعن لإكراهات السياسة.

يوضح بيوتروفسكي ما يقول إنها فرادة الهرميتاج الذي ينشط في إقامة فعاليات على مدار العام، ومنها "أيام الهرميتاج"، وفتْح فروع في عدة مدن في العالم.

يصف بيوتروفسكي المتحف بأنه موسوعي، حيث يحتاج المرء إلى زمن طويل للتعرف إلى الفنون الأوروبية، والآسيوية، والأفريقية.

فكرة انفتاح المتحف على الناس، يقدمها الهرميتاج ليس فقط في عرض المقتنيات ضمن فعاليات مستمرة، ومتنقلة، بل إن العدد الكبير من الأعمال الفنية التي لا يمكن عرضها دفعة واحدة، يتوافر في المخازن، وهذه ليست مقفلة، بل مفتوحة للجمهور.

بيوتروفسكي وخلفه لوحة مادونا ديلا لوجيا (مادونا والطفل) 1467 للفنان ساندرو بوتيتشيلي (Getty)

يوضح أيضاً أن معامل الصيانة والترميم، كذلك مفتوحة وتسمح للزوار والجامعات بمعاينة هذه العمليات الواسعة، حيث تجري صيانة 4500 قطعة فنية سنوياً.

ومما يقوله بيوتروفسكي، أن هناك مدرسة فنون للأطفال ونادياً للشباب، ومن الأنشطة منافسات عبر الحواسيب خاصة بتاريخ بعض اللوحات والمعالم الأثرية.

أربعة ملايين زاروا الهرميتاج العام الماضي، ويشهد هذا العام زيادة في الإقبال. ويلاحظ مدير عام المتحف أن ذائقة عامة تسيطر على الزوار بين مرحلة وأخرى. إن لوحة "عودة الابن الضال" للفنان الهولندي رامبرانت في مقدمة اهتماماتهم، وكذلك الطاووس المعدني الذي يحرك رأسه وذيله، وهو عمل فني إنكليزي من القرن الثامن عشر قدّم للصين، بينما سيطرت لفترة طويلة أعمال دافنشي.

غير أن موسوعية المتحف تستقطب أطيافاً واسعة من الزوار، إذ لا يكاد يوجد تراث ثقافي أو تجربة فنية إلا ويمثل في قسم من أقسام الهرميتاج.

معامل صيانة الأعمال الفنية في الهرميتاج (العربي الجديد)

ويلفت بيوتروفسكي إلى أن المتحف بقي محتفظاً برؤيته الفنية على نحو كبير، حتى مع اختلاف الأنظمة السياسية، من الحالية، رجوعاً إلى الحقبة السوفييتية، حتى الملكية.

يترك العرض الذي قدمه مدير عام الهرميتاج أثره مع كل لوحة وتمثال وأثر، بيد أن للوحة زيتية بعينها أثراً خاصاً، إذ يصفها بأنها "مهمة جداً"، لكن "لا نعرف من الذي رسمها".

وشاركت في اللقاء كذلك الباحثة إيرينا غوروليفا، المتخصصة في إدارة الترميم العلمي التابعة للمتحف.

إيرينا غوروليفا: 4500 قطعة فنية تصان سنوياً (العربي الجديد)

وفي محاضرتها بعنوان "صيانة الآثار في الهرميتاج"، استعرضت أفضل الطرق والممارسات الفنية في العناية بالمقتنيات الأثرية.

وقالت غوروليفا إن المتحف منذ القرن الثامن عشر، وهو يراكم خبراته في كيفية الحفاظ على سلامة المقتنيات.

ومضت تقول إنه في بداية عقد الثلاثينيات توسع القسم الخاص بالصيانة، ووصل عدد المعامل إلى 14. مشيرة إلى أن طرق الصيانة شهدت تطوراً في القرن التاسع عشر، وفي بداية القرن العشرين، تحديداً في العام 1916 عقد اجتماع خبراء للنظر في السبل المثلى ووضعها حيز التنفيذ.

ووصولاً إلى القرن الواحد والعشرين، أصبح المتحف بمعامله وخبراته المنسجمة مع التطورات التقنية، وجهة عالمية، تتوافد لاكتساب الخبرات أو عقد شراكات صيانة وترميم.

ذهبت غوروليفا في محاضرتها إلى تفاصيل دقيقة في المعامل التي يشتغل فيها 108 موظفين، وهؤلاء يحصلون على الدعم البحثي الدائم.

ومن ذلك، تحدثت عن اللوحات الزيتية التي قالت إنها تحتاج إلى صيانة معمقة.

استعرضت جملة من اللوحات قبل الصيانة وبعدها، حيث يبدو بعضها قبلاً باهتاً، وبعدها تعود الألوان إلى حيويتها.

4 ملايين زاروا المتحف العام الماضي (Getty)

وفي بعض الأحيان، تحتاج اللوحة إلى إعادة رسم في بعض أجزائها، نظراً لتعرضها لتهتك، لظروف مختلفة، ومنها ما وقع للوحات أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما حوصرت مدينة ليننغراد، التي تغير اسمها ليصبح كما هو الآن سانت بطرسبيرغ.

عرضت المتحدثة كذلك طرق صيانة الأعمال الفنية الصينية واليابانية، والغرافيكس والمخطوطات، والخزف، والأثاث، والحديد والجلود والأقمشة.

ومما ذكرته أن الأعمال الحديدية تتعرض للصدأ، مستعرضة تحفة فنية على شكل عربة، قائلة إن الخبراء لجأوا إلى استعمال الفضة والنحاس في ترميم الأجزاء التالفة.

وتفيد غوروليفا بأن من الصعوبات المطروحة على خبراء الصيانة دائماً العمل على قطع فنية مرممة سابقاً. كما لفتت إلى أن صيانة السجاد والملابس صعبة، بسبب حساسية الأقمشة.

وإلى الساعات التي يشتهر بها المتحف، ثمة مختبر تأسس في عام 1944، ويعمل فيه الآن 12 خبيراً.

وأخيراً تصل المتحدثة إلى عام 2004، مع إنشاء أول مختبر عالمي لصيانة القطع الثمينة بواسطة الليزر. وعام 2007، العام الذي أنشئ فيه مختبر صيانة الأثاث، انسجاماً مع توافر مجموعة فريدة من قطع الأثاث، تتأثر عادة بالرطوبة والحشرات، مقدمة نموذجاً خزانة من سورية، أعيدت صيانتها.

يذكر أن هذا اللقاء في الدوحة امتداد لأصداء برنامج العام الثقافي قطر- روسيا 2018 والذي احتفى بالعلاقات بين البلدين. وشملت فعالياته على مدار العام الماضي العديد من المبادرات، برعاية أبرز المنظمات الثقافية وعدد من المؤسسات والأفراد المؤثرين من البلدين.

المساهمون