الهجرة والشعبوية

13 يوليو 2018
+ الخط -
وصف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتظاهرين الديمقراطيين الذين تظاهروا ضد سياسة فصل أبناء المهاجرين، بأنهم متطرّفون، ويريدون بث الفوضى السياسية في البلاد، على حد تعبيره. وفي هذا الوصف إهانة لمتظاهرين كثيرين خرجوا ليندّدوا بسياسة ترامب ضد المهاجرين، إذ ليس صحيحاً أن جميع من تظاهروا هم من الديمقراطيين، وليس صحيحاً أنهم متطرّفون، بل هم مجموعة من الناس التي تدافع عن العالم الحر، وعن المساواة التي يتمتع بها الناس، بغض النظر عن دينهم أو لونهم أو انتمائهم الحزبي.
إلغاء قرار فصل أبناء المهاجرين عن ذويهم، وإرسالهم إلى مئات الكيلومترات بعيدا عن عائلاتهم، لم يكن نتيجة إدراك الرئيس ترامب المشكلة الإنسانية التي تعانيها هذه العائلات، بفصل أبنائها عنها، كما يدّعي الرئيس ترامب ومناصروه، بل كانت نتيجة للضغط الذي مارسته منظمات حقوق الإنسان، والتظاهرات الشعبية التي اشترك فيها جميع أطياف الشعب الأميركي الحر. والدليل هو التفسير الأيديولوجي الخاطئ الذي استخدمته إدارات الأمن والهجرة وحرس الحدود من قرار الإلغاء، حيث تم تفسيره على أن يتم جمع الأطفال مع ذويهم، قبيل ترحيلهم جميعاً، إلى البلد الذي قدموا منه، وليس خلال فترة اعتقالهم، بحسب ما قالت المحامية، سيرين شبيعة.
على جانب آخر، استمرت سياسة العنصرية والشعبوية التي تنتهجها إدارة ترامب ضد المهاجرين، فهي إلى الآن وحتى بعد إلغاء قرار الفصل تُبعد الأطفال عن ذويهم لممارسة ضغط ضد المهاجرين، لإجبارهم على العودة من حيث أتوا، حيث يتم التفاوض معهم، بالعودة إلى بلدانهم في مقابل لم شملهم مع أطفالهم، والحالات عديدة بهذا الشأن.
يعيش المجتمع الأميركي اليوم مرحلة تعبئةٍ شعبويةٍ عنصرية مقيتة، يمارسها الرئيس دونالد ترامب. وإن كان الرئيس يتخفّى خلف شعاره "أميركا أولاً"، إلا أنه يمارس دعاية انتخابية بشعة، تمهيدا للإنتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث يسعى إلى تعويض فقدان شعبيته، من خلال التعبئة الشعبوية لفئات معينة داخل المجتمع الأميركي المناهضة للهجرة، وكسب الإنجيليين بمنح القدس على طبق من ذهب للإسرائيليين، وبفرض مزيد من الرسوم الجمركية على صادرات أوروبا، وعلى شن حرب تجارية مع الصين، وتمزيق الاتفاق النووي الإيراني، والخروج من اتفاقية المناخ. هذه الوعود التي وعد بها الرئيس الأميركي، خلال حملته الانتخابية، وترويجه على أنّه الرجل الذي يوعد ويفي بوعده، حتى إن كانت هذه الوعود عنصرية، وتضر بسمعة الولايات المتحدة، بصفتها "قائد العالم الحر".
ويستمر مسلسل تجييش الشعب الأميركي نحو العنصرية وكره الآخر المختلف باللون أو العرق أو الدين بالهجوم المتكرّر ضد الصحافة والصحفيين من الرئيس ترامب، لأنها تخالف سياسته المتطرفة، وتسعى إلى فضح العنصرية المتجذرة داخل الإدارة الأميركية، حيث تساءل ترامب ما إذا كانت عمليات إغلاق الحسابات المزيفة على "تويتر" ستشمل حسابات كل من صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز، اللتين تعرّفان بأنهما من أكبر الصحف الأميركية، إذ قال: "هل سيشمل ذلك نيويورك تايمز الفاشلة وماكينة دعاية أمازون، وواشنطن بوست، التي تنقل باستمرار عن مصادر مجهولة، والتي في رأيي، غير موجودة. كلاهما ستتوقفان عن العمل في غضون سبع سنوات".
من حق أي دولةٍ أن تمارس رقابة صارمة على حدودها، لمنع تسلل الأشخاص إليها، ولحماية أمنها القومي. ولكن في الوقت نفسه، ليس من حقها أن تخالف دستورها الذي ينص على أنّ من حق أي شخص تتعرّض حياته للخطر لأسباب غير شرعية أن يلجأ إلى الولايات المتحدة، وأن يُنظر في طلبه للحماية. حماية الحدود لا تتم بفصل المهاجرين عن أطفالهم، وسجنهم في زنزانات الجيش الأميركي. ولعلنا نشهد اليوم مرحلة موت سريري للعالم الحر، والشعوب الحرة والديمقراطية.
B8509327-5E31-4709-83EC-3DA31CEFF270
B8509327-5E31-4709-83EC-3DA31CEFF270
محمود البازي (سورية)
محمود البازي (سورية)