يعقد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، اليوم وغداً، قمة ستركز هذه المرة على مواضيع تتعلق بالهجرة والتضليل الإعلامي، بالإضافة إلى ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والقمة الأوروبية ــ العربية. وينتظر أن تكون سياسة الهجرة من المواضيع ذات الأولوية على جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الخميس والجمعة، فالخلافات بين الدول الأعضاء مرشحة للظهور مرة أخرى، خصوصاً حيال ميثاق الأمم المتحدة من أجل الهجرة، والذي أدى إلى أزمات داخل مجموعة من الدول الأوروبية، على رأسها بلجيكا، التي اضطرت إلى تعديل حكومي عاجل لاعتماد الميثاق.
"بعدما كانوا متحدين خلال إعداده، انقسم الأوروبيون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما انسحبت ثماني دول من ميثاق الأمم المتحدة من أجل الهجرة"، تفسر الخبيرة في الشؤون الأوروبية، كيارا دي فيليشي، لـ"العربي الجديد". وقالت "لقد أصبحت الأزمة موضوعاً رئيسياً لليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية للانتخابات الأوروبية التي ستجرى في مايو/أيار" المقبل، مذكرة بأن "سياسة الهجرة الأوروبية تعاني من شلل منذ يونيو/حزيران الماضي. ولطمأنة وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، وعد القادة الأوروبيون بإنشاء نظام يعتمد على مركز تحكم في الاتحاد الأوروبي ومنصة لاستقبال المهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي. لكن لم يتحقق أي شيء من هذه الوعود، على الرغم من مرور ستة أشهر". كما أن إجراء آخر تم الإعلان عنه يتعلق بنشر 10 آلاف جندي على الحدود لم ينفذ بعد، لأن النمسا، الرئيسة الدورية للاتحاد الأوروبي، والتي تقود الدول المعارضة للمشروع المقدم من قبل المفوضية الأوروبية، تعتبر أن التدبير غير مجدٍ. وقد أرسلت النمسا، حيث يوجد حزب أسسه نازيون في السلطة، إشارة واضحة بخصوص ملف الهجرة، بإعلانها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي رفضها توقيع ميثاق الأمم المتحدة. كما انخرطت حكومات أخرى في هذا الخرق الجديد لسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي. ففي إيطاليا، حيث توجد "رابطة الشمال" اليمينية المتشددة في الحكومة، لم توقع روما على الميثاق. وكذلك بالنسبة إلى بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا وبلغاريا. وكما كان الحال في بلجيكا، فقد شكل الميثاق أزمة تطلبت نقاشات حادة في كل من سلوفينيا وكرواتيا، قبل أن تقررا التوقيع.
ويواصل البرلمان الأوروبي عمله بشأن ملف الهجرة، على الرغم من شلل المجلس الأوروبي. وتوضح كيارا دي فيليشي "حث أعضاء البرلمان يوم الثلاثاء المفوضية الأوروبية على تقديم، اقتراح تشريعي بحلول 31 مارس/آذار 2019، لإنشاء تأشيرة إنسانية أوروبية تسمح للمرشحين إلى اللجوء بالوصول إلى أراضي الدولة الأوروبية التي أصدرت التأشيرة، لغرض وحيد هو تقديم طلب الحماية الدولية. ويتم تقديم طلب التأشيرة في السفارة أو القنصلية التابعة لذلك البلد". وقد صوتت أغلبية ساحقة لصالح الاقتراح، إذ حصل على 429 صوتاً مقابل 194 ضد وامتناع 41 عن التصويت، وذلك بهدف وضع حد لعمليات الإتجار بالبشر التي يتعرض لها المهاجرون وتقليل عدد الوفيات على طرق الهجرة.
التضليل الإعلامي
وينتظر أن يشيد القادة الأوروبيون بخطة العمل الأخيرة التي اقترحتها المفوضية الأوروبية بخصوص مواجهة التضليل الإعلامي. وتشكل "المعلومات المضللة على نطاق واسع تحديا خطيرا لأنظمتنا الديمقراطية وتتطلب إجراء عاجلا" كما جاء في خطة المفوضية، التي تضيف أن "القمة الأوروبية ستدعو أولاً إلى العمل بحزم وبسرعة على كل المستويات الأوروبية والوطنية لضمان ألا تواجه الانتخابات الوطنية والأوروبية المقبلة تضليلاً إعلامياً، وثانياً التذكير بالحاجة إلى استجابة حازمة منسقة تنسيقاً جيداً تهدف إلى مواجهة التحديات الداخلية، كما الخارجية". وتركز خطة عمل المفوضية الأوروبية على تعزيز الكشف عن التضليل من خلال فرق عمل، تضم العديد من الموظفين المتخصصين وأدوات جديدة لتحليل البيانات، والرد بطريقة منسقة عن طريق آلية إنذار مبكر لتسهيل تبادل البيانات وتحليل حملات التضليل، والإبلاغ عن التهديدات التضليلية في الوقت الحقيقي. وتستهدف الخطة أيضاً المنصات الإلكترونية وشركات قطاع الخدمات عبر الإنترنت، التي وقعت على مدونة للممارسات الجيدة، إذ عليها تنفيذ التدابير المتفق عليها بسرعة وفاعلية مع إعطاء الأولوية للإجراءات العاجلة في أفق إجراء الانتخابات الأوروبية في العام 2019. ويتعلق الأمر بشفافية الإعلانات ذات الطبيعة السياسية، وتكثيف الجهود لإغلاق الحسابات الزائفة التي لا تزال نشطة، والإبلاغ عن التفاعلات غير البشرية الخاصة ببث الرسائل تلقائياً بواسطة روبوتات الكمبيوتر، والتعاون مع الباحثين والجامعات للكشف عن حملات التضليل ونشر المحتوى المتحقق منه. كما ستعمل الخطة الأوروبية كذلك على توعية المواطنين.
بريكست
ورغم أن موضوع بريكست ليس على أجندة القمة، فإن عدم حصول رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، على موافقة البرلمان البريطاني قد يعيده إلى طاولة المناقشات، من أجل تحديد الموقف الأوروبي. ويسعى القادة الأوروبيون إلى عدم إضعاف موقف رئيسة الوزراء البريطانية. وقال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في تغريدة الثلاثاء الماضي بعد محادثة مطولة مع ماي، "من الواضح أن الدول الـ27 تريد المساعدة. والسؤال هو كيف؟". ومع ذلك، فلا شيء تغير، حتى الآن، في الموقف الأوروبي الذي يشدد على ضرورة توضيح وتفسير الاتفاق الموقع، مع رفض أي مفاوضات جديدة. وتقول كيارا دي فيليشي "يرغب القادة الأوروبيون الالتزام، من خلال إعلان سياسي ينشر في نهاية القمة، بدعم تيريزا ماي، لكن دون قناعة حقيقة". وكان رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر قال، أمام البرلمانيين الأوروبيين في ستراسبورغ الثلاثاء، إن "الاتفاق الذي توصلنا إليه هو أفضل ما يمكن. وليس هناك مجال لإعادة التفاوض". وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الثلاثاء أيضاً، إنه "لا توجد فرصة لتغيير الاتفاق" الذي تم إقراره أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأكدت ميركل، أمس الأربعاء، أنها لا تزال "تأمل" بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق.
وسيخصص القادة الأوروبيون جزءاً من قمتهم للشؤون الخارجية، مع موضوعين رئيسيين، هما الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مع إمكانية تمديد العقوبات ضد موسكو، والتحضير لأول قمة أوروبية مع جامعة الدول العربية في 24 و25 فبراير/شباط 2019 في العاصمة المصرية القاهرة. وقد برزت فكرة عقد اجتماع بين قادة البلدان الدول الأعضاء في هاتين المنظمتين الإقليميتين في القمة غير الرسمية للقادة الأوروبيين في سالزبورغ في سبتمبر/أيلول الماضي. وينتظر أن تكون قضية الهجرة على الأرجح بارزة في هذا الاجتماع، إذ يسعى الأوروبيون إلى تعزيز التعاون مع دول جنوب حوض المتوسط لمواجهة الهجرة غير النظامية.