الهجرة تبقى حلم نسبة كبيرة من الشباب في ليبيا، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة المستمرة بفعل الأزمة في البلاد. لكنّ أوروبا لا تحقق أحلام الشباب بالضرورة
كثيرة هي انعكاسات الأزمة التي تُعانيها ليبيا منذ ثماني سنوات. وبطبيعة الحال، كان لها تأثير على مختلف شرائح المجتمع، خصوصاً الشباب. نسبة كبيرة منهم تفكّر في الهجرة بحثاً عن حياة أفضل. منذ بدء الثورة في عام 2011، لجأ الكثير من الشباب الليبي إلى دول عديدة، لا سيما الأوروبية، على خلفية سياسية أو إنسانية. لكن الطلب على الهجرة تزايد بشكل كبير عام 2013. إلا أن دولاً عدة رفضت طلبات لجوء العديد من الشباب الليبي المنخرط في القتال.
وفي مطلع عام 2015، سجلت منظّمات دولية إنسانية معنية بالمهاجرين غير الشرعيين وجود ليبيين على متن قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط، على أمل الوصول إلى أراضي الأحلام الأوروبية.
منذ ذلك الوقت، رصدت وسائل الإعلام عشرات الحالات، ونشرت صوراً عن شباب ليبيين مهاجرين عبر البحر بطرق غير شرعية، بعدما أقفلت السفارات أبوابها امام طالبي التأشيرات واللجوء الإنساني. من خلال صبراته والقربولي وصرمان وزوارة، أبحر مئات الشباب الليبي، ونشر كثيرون صوراً على صفحاتهم الشخصية بعد النجاح في الوصول إلى دول أوروبية.
اقــرأ أيضاً
يلفت رئيس جمعيّة مستقبل الوطن الأهلية عصام منينه، إلى أن أسباب هجرة الشباب الليبي اقتصادية بالدرجة الأولى. ويقول لـ"العربي الجديد": "العنف الذي اجتاح ليبيا جعل شباباً كثيرين متورطين في القتال. وفي حال انتصار الطرف المقابل، سيكون مقاتلو الطرف الآخر مطلوبين، ما يدفعهم للهرب بأي طريقة، ولا سيما أن الغطاء الاجتماعي لم يعد يحميهم"، معتبراً أن الأسباب متشابكة وعديدة.
ويرى أنّ العامل الاقتصادي أحد أكثر العوامل التي تدفع الشباب نحو الهجرة. يقول: "سوق العمل في ليبيا لم يعد يلبّي أعداد المتخرجين من الجامعات. من جهة أخرى، فإنّ مهناً أخرى، مثل الحدادة أو التجارة أو الصيد وغيرها الكثير، لم تعد تشجع مداخليها الشباب الليبي على العمل فيها". ويشير إلى ركود كبير عانته البلاد من جرّاء أزماتها. ويضيف: "إحدى دراساتنا شملت 6000 شاب"، موضحاً أن غالبيتهم "لا يتقاضون ديناراً واحداً من الدولة". كما يعرب البعض عن سخطه على أوضاعه كونه يعيش عالة على والديه، مؤكداً أن كثيرين انجروا إلى أعمال منافية للقانون، مثل التهريب وتجارة الممنوعات.
ويكشف عن تقارير أعدّتها جمعيّته تؤكّد هجرة 1073 ليبياً عبر سواحل صبراته وصرمان وزوارة والقربولي ومدن أخرى غرب ليبيا منذ عام 2015 وحتى نهاية عام 2017، لافتاً إلى أن الإحصائيات الناتجة عن هذه الدراسات غير مؤكدة. ويبيّن أن دراسته أكدت أن 79 في المائة من الذين شملتهم الدراسة يختارون الهجرة، في وقت يفضل آخرون البقاء في البلاد لأسباب مختلفة. ويقول: "الشيء الملفت أن من بين هؤلاء إناث بعضهن شاركن أزواجهن الرغبة في الهجرة، وبعضهن أعربن عن رغبتهن في الهجرة، إلا أن البيئة المحافظة لا تساعد". ويشير إلى أن نسبة العينات من الإناث اللواتي شملتهن الدراسة بلغت 30 في المائة.
يقول: "في كل الأحوال، نحن جهة أهلية غير رسمية. بالتالي، الإمكانيات المتوفرة ضئيلة".
الشاب ناصر مؤمن، هو أحد الذين شملتهم الدراسة. يقول: "الهجرة حلمي. أنا شاب موهوب أكتب الشعر، وقد شاركت في مناسبات أدبية خارج البلاد. أرغب في العثور على بيئة توفّر لي بعض الأمان ودخلاً مناسباً، وأكون قادراً على تحقيق طموحاتي".
ويكشف عن استمرار اتصاله برفاقه الذين تمكنوا من الوصول إلى شواطئ إيطاليا عبر قارب هجرة غير شرعي مطلع العام الماضي، وهم الآن في ألمانيا، ولا تتجاوز أعمارهم 25 عاماً. يقول: "أعرف أن كثيراً من الشباب طلب العودة إلى بلاده، وعاد لأنه لم يعثر على ما كان يحلم به، فقد حجز في مقرّات للاجئين، ومنع من التنقل والانصهار في تلك المجتمعات. لكنّني أوافق على العيش في تلك الملاجئ، كونها أفضل".
ويبيّن ناصر أن رفاقه الأربعة موجودون في ملاجئ في ألمانيا، من بينهم شاب تخرّج من كلية الطب وبقي سنوات من دون الحصول على فرصة عمل، وآخر تخصص في التجارة. ويسأل: "ماذا ننتظر والبلاد تهوي كل يوم في أزمة جديدة، وليس لدى القادة سوى أكل ونهب ثرواتنا؟". يضيف: "لا أعتقد أن لنا سبيلاً باستثناء عدم التوقف عن طرق الأبواب حتى نتمكن من اللجوء، ولو عن طريق البحر".
اقــرأ أيضاً
ويؤكّد الرائد مراد المليان المنصوري، أحد مسؤولي الإدارة العامة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، أن "عدم منح السفارات الأجنبية تأشيرات للشباب الليبي سبب أزمة كبيرة، ودفعهم نحو الهجرة عبر البحر"، كاشفاً عن وقوع 17 قتيلاً من جراء الهجرة على متن قوارب الموت. ويقول لـ"العربي الجديد": "لدى الجهاز أقسام معنيّة بدراسة أسباب الهجرة، وقد رفع توصياته للجهات الحكومية المعنية"، لافتاً إلى أن العامل الاقتصادي هو السبب الأبرز الذي يدفع الشباب نحو الهجرة، يليه العامل الأمني. يضيف: "هاجر البعض للحصول على فرص للعلاج غير متوفرة في المستشفيات الليبيّة"، مبيّناً أن "هذه الرغبة لدى الشباب تزيد يوماً بعد يوم بسبب استمرار العوامل نفسها".
وفي ظلّ الصمت الحكومي، اهتمّت عدد من مؤسّسات المجتمع المدني بهذه الظاهرة. وفي يونيو/ حزيران من العام الماضي، دعت مؤسسة "رواحل لبناء الإنسان" الناشطين والحقوقيين ومسؤولين في الدولة للمشاركة في مؤتمر تحت عنوان "هجرة الشباب الليبي إلى الغرب أمل أم ألم"، لمناقشة تعريف الهجرة ودوافعها وإحصائياتها. لكن المؤتمر لم يعلن عن نتائجه حتى الآن، باستثناء ما قاله المشاركون في تصريحات للإعلام المحلي عن حالة الإحباط وعدم الثقة بالوعود الحكومية.
وفي مطلع عام 2015، سجلت منظّمات دولية إنسانية معنية بالمهاجرين غير الشرعيين وجود ليبيين على متن قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط، على أمل الوصول إلى أراضي الأحلام الأوروبية.
منذ ذلك الوقت، رصدت وسائل الإعلام عشرات الحالات، ونشرت صوراً عن شباب ليبيين مهاجرين عبر البحر بطرق غير شرعية، بعدما أقفلت السفارات أبوابها امام طالبي التأشيرات واللجوء الإنساني. من خلال صبراته والقربولي وصرمان وزوارة، أبحر مئات الشباب الليبي، ونشر كثيرون صوراً على صفحاتهم الشخصية بعد النجاح في الوصول إلى دول أوروبية.
يلفت رئيس جمعيّة مستقبل الوطن الأهلية عصام منينه، إلى أن أسباب هجرة الشباب الليبي اقتصادية بالدرجة الأولى. ويقول لـ"العربي الجديد": "العنف الذي اجتاح ليبيا جعل شباباً كثيرين متورطين في القتال. وفي حال انتصار الطرف المقابل، سيكون مقاتلو الطرف الآخر مطلوبين، ما يدفعهم للهرب بأي طريقة، ولا سيما أن الغطاء الاجتماعي لم يعد يحميهم"، معتبراً أن الأسباب متشابكة وعديدة.
ويرى أنّ العامل الاقتصادي أحد أكثر العوامل التي تدفع الشباب نحو الهجرة. يقول: "سوق العمل في ليبيا لم يعد يلبّي أعداد المتخرجين من الجامعات. من جهة أخرى، فإنّ مهناً أخرى، مثل الحدادة أو التجارة أو الصيد وغيرها الكثير، لم تعد تشجع مداخليها الشباب الليبي على العمل فيها". ويشير إلى ركود كبير عانته البلاد من جرّاء أزماتها. ويضيف: "إحدى دراساتنا شملت 6000 شاب"، موضحاً أن غالبيتهم "لا يتقاضون ديناراً واحداً من الدولة". كما يعرب البعض عن سخطه على أوضاعه كونه يعيش عالة على والديه، مؤكداً أن كثيرين انجروا إلى أعمال منافية للقانون، مثل التهريب وتجارة الممنوعات.
ويكشف عن تقارير أعدّتها جمعيّته تؤكّد هجرة 1073 ليبياً عبر سواحل صبراته وصرمان وزوارة والقربولي ومدن أخرى غرب ليبيا منذ عام 2015 وحتى نهاية عام 2017، لافتاً إلى أن الإحصائيات الناتجة عن هذه الدراسات غير مؤكدة. ويبيّن أن دراسته أكدت أن 79 في المائة من الذين شملتهم الدراسة يختارون الهجرة، في وقت يفضل آخرون البقاء في البلاد لأسباب مختلفة. ويقول: "الشيء الملفت أن من بين هؤلاء إناث بعضهن شاركن أزواجهن الرغبة في الهجرة، وبعضهن أعربن عن رغبتهن في الهجرة، إلا أن البيئة المحافظة لا تساعد". ويشير إلى أن نسبة العينات من الإناث اللواتي شملتهن الدراسة بلغت 30 في المائة.
يقول: "في كل الأحوال، نحن جهة أهلية غير رسمية. بالتالي، الإمكانيات المتوفرة ضئيلة".
الشاب ناصر مؤمن، هو أحد الذين شملتهم الدراسة. يقول: "الهجرة حلمي. أنا شاب موهوب أكتب الشعر، وقد شاركت في مناسبات أدبية خارج البلاد. أرغب في العثور على بيئة توفّر لي بعض الأمان ودخلاً مناسباً، وأكون قادراً على تحقيق طموحاتي".
ويكشف عن استمرار اتصاله برفاقه الذين تمكنوا من الوصول إلى شواطئ إيطاليا عبر قارب هجرة غير شرعي مطلع العام الماضي، وهم الآن في ألمانيا، ولا تتجاوز أعمارهم 25 عاماً. يقول: "أعرف أن كثيراً من الشباب طلب العودة إلى بلاده، وعاد لأنه لم يعثر على ما كان يحلم به، فقد حجز في مقرّات للاجئين، ومنع من التنقل والانصهار في تلك المجتمعات. لكنّني أوافق على العيش في تلك الملاجئ، كونها أفضل".
ويبيّن ناصر أن رفاقه الأربعة موجودون في ملاجئ في ألمانيا، من بينهم شاب تخرّج من كلية الطب وبقي سنوات من دون الحصول على فرصة عمل، وآخر تخصص في التجارة. ويسأل: "ماذا ننتظر والبلاد تهوي كل يوم في أزمة جديدة، وليس لدى القادة سوى أكل ونهب ثرواتنا؟". يضيف: "لا أعتقد أن لنا سبيلاً باستثناء عدم التوقف عن طرق الأبواب حتى نتمكن من اللجوء، ولو عن طريق البحر".
ويؤكّد الرائد مراد المليان المنصوري، أحد مسؤولي الإدارة العامة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، أن "عدم منح السفارات الأجنبية تأشيرات للشباب الليبي سبب أزمة كبيرة، ودفعهم نحو الهجرة عبر البحر"، كاشفاً عن وقوع 17 قتيلاً من جراء الهجرة على متن قوارب الموت. ويقول لـ"العربي الجديد": "لدى الجهاز أقسام معنيّة بدراسة أسباب الهجرة، وقد رفع توصياته للجهات الحكومية المعنية"، لافتاً إلى أن العامل الاقتصادي هو السبب الأبرز الذي يدفع الشباب نحو الهجرة، يليه العامل الأمني. يضيف: "هاجر البعض للحصول على فرص للعلاج غير متوفرة في المستشفيات الليبيّة"، مبيّناً أن "هذه الرغبة لدى الشباب تزيد يوماً بعد يوم بسبب استمرار العوامل نفسها".
وفي ظلّ الصمت الحكومي، اهتمّت عدد من مؤسّسات المجتمع المدني بهذه الظاهرة. وفي يونيو/ حزيران من العام الماضي، دعت مؤسسة "رواحل لبناء الإنسان" الناشطين والحقوقيين ومسؤولين في الدولة للمشاركة في مؤتمر تحت عنوان "هجرة الشباب الليبي إلى الغرب أمل أم ألم"، لمناقشة تعريف الهجرة ودوافعها وإحصائياتها. لكن المؤتمر لم يعلن عن نتائجه حتى الآن، باستثناء ما قاله المشاركون في تصريحات للإعلام المحلي عن حالة الإحباط وعدم الثقة بالوعود الحكومية.