لا يزال النفط يهدد أسواق المال العالمية بالانهيار، ولا تزال شركات الوساطة وصناديق الاستثمار شديدة الحساسية لأسعار النفط وأسهم شركات النفط، خاصة شركات النفط الصخري والخدمات النفطية التي تواصل سقوطها العمودي مع انهيار أسعار النفط تحت عتبة 58 دولارا للبرميل.
وأنهى مؤشر "داو جونز" أهم مؤشرات سوق المال الأميركي والعالمية، تعاملاته أمس مسجلاً أسوأ أداء أسبوعي له منذ عام 2011. ورغم أرقام النمو والإحصائيات المبشرة بحدوث تحسن كبير في الاقتصاد الأميركي، يسيطر القلق على المستثمرين الذين يواصلون الهروب من أسهم شركات البترول، خاصة النفط الصخري.
وخسرت أسواق المال العالمية في تعاملات الأسبوع الماضي وحده، أي تعاملات الخمسة أيام التي انتهت مساء أول من أمس الجمعة، حوالى 1.2 تريليون دولار، وذلك حسب إحصائيات أميركية.
وبدأ كبار المستثمرين في شركات النفط الصخري والمضاربين على عقود النفط المستقبلية، كمن يمتطي صهوة أسد، لا يدري ماذا يفعل، فإذا واصل الركوب لا يدري أين سينتهي به المطاف، وإذا ترجّل ربما يأكله الأسد.
وكان المنتجون والمضاربون يتوقعون انخفاض النفط، بعد قرار منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، ولكن حدوث انهيار الأسعار بهذا المستوى في أسابيع كان مفاجأة للجميع، حيث يفقد النفط دولارين أو ثلاثة كل يوم. وخسر خام غرب تكساس في السوق الآجلة في نيويورك أمس أكثر من دولارين لتغلق عقود 15 يناير/كانون الثاني المقبل تحت عتبة 58 دولاراً عند مستوى 57.81 دولاراً للبرميل، فيما خسر خام برنت لذات العقود 1.83 دولار ليغلق عند 61.85 دولارا.
وقال خبراء نفط في لندن، إن هذا الهبوط العمودي فاجأ المستثمرين والشركات النفطية على السواء.
وقال البروفسور بول ستيفن من المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس" في تحليل على موقع المعهد، إن ما يحدث شبيه بانهيار النفط في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حينما انخفض سعر برميل النفط إلى أقل من عشرة دولارات.
ويبدو أن امتصاص الفائض في السوق النفطي سيأخذ فترة 4 أو 5 شهور على الأقل، مع استمرار "أوبك" في قيادة السعودية في تطبيق قرار عدم خفض الإنتاج وتوقعات انخفاض الطلب الاستهلاكي على النفط في العام المقبل 2015.
وما يزيد وضع الأسواق سوءاً، أن انخفاض إنتاج النفط الصخري الأميركي سيأخذ وقتاً.
وحسب تقديرات جيمس وليامز رئيس شركة "دبليو تي آر جي" لأبحاث الطاقة في لندن، فإن "إنتاج النفط الصخري الأميركي لن ينخفض قبل النصف الأول من العام المقبل، لأن معظم الآبار التي تنتج حالياً، هي آبار تم حفرها قبل موجة الهبوط الأخيرة".
ولكن بدا من الواضح، أن شركات النفط الصخري الأميركي، وحتى شركات النفط التقليدي، توقفت عن حفر آبار جديدة، كما أن بعض الآبار أغلقت بسبب انعدام جدوى الإنتاج، مع هبوط خام غرب تكساس إلى دون 58 دولاراً للبرميل، وهو مؤشر إيجابي على أن إنتاج النفط الأميركي سيبدأ في الانخفاض مع حلول النصف الأول من العام المقبل.
ورغم أن تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية التي ذكرت قبل يومين أن إنتاج النفط الأميركي بلغ 9.12 ملايين برميل يومياً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو أعلى معدل إنتاج، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن إنتاج النفط الصخري الأميركي سينخفض في النصف الثاني من العام.
وحسب توقعات توماس ووترز خبير النفط بشركة "ستاندرد آند بورز"، فإن الاختبار الحقيقي لشركات النفط الصخري سيبدأ في النصف الثاني من العام الجديد. وحسب توقعات أدلى بها أخيراً، فإن 80 شركة من الشركات النفط الأميركية البالغ عددها 170 شركة ستواجه متاعب مالية إذا واصلت أسعار النفط انخفاضها تحت عتبة الـ60 دولاراً لخام غرب تكساس خلال النصف الأول من عام 2015.
ويقول ووترز، إن هذه الشركات لديها ديون مرتفعة، وربما تعجز عن خدمة هذه الديون، وسط جفاف مصادر السيولة والانخفاض المتواصل في أسعار أسهمها، كما أن البنوك لن تمنحها تمويلات جديدة بسبب المخاطر المرتفعة.
ويقدر ووترز الفائض في الأسواق بحوالى مليون برميل حالياً. لكن مصرف "سيتي بنك" يقدر الفائض بحوالى 700 ألف يومياً. ولكن هذه التقديرات لا تأخذ في الحسبان تجاوزات حصص الإنتاج في "أوبك".
وفي أول مؤشر على تأثير تدهور الأسعار على شركات إنتاج النفط الصخري الأميركي، قالت شركة "بيكر هيوز" كبرى شركات حفر الآبار والهندسة النفطية إن معدلات حفر الآبار النفطية انخفضت الأسبوع الماضي بحوالى 29 حقلاً إلى 1546 حقلا.
وهذا المعدل هو الأقل منذ يونيو/حزيران الماضي. كما بدأت شركات النفط الأميركية خفض إنفاقها الرأسمالي للعام الجديد 2015، حيث أعلنت شركة "كونكوفيليبس بتروليوم" عن خفض إنفاقها بحوالى 20%، كما خفضت شركة "أويسس بتروليوم" إنفاقها هي الأخرى.
ورغم أن شركات النفط الأميركية الكبرى تحقق بعض الفوائد من انخفاض أسعار النفط على صعيد تجارة المشتقات، حيث إنها تملك معظم محطات البنزين والديزل، وبالتالي فهي تحقق هوامش ربحية مرتفعة مع انخفاض أسعار الخامات، إلا أنها تتكبد خسائر على صعيد مبيعات النفط الخام من الحقول التي تملكها، كما أنها تتكبد خسائر في أسواق المال من الانخفاض المتواصل في أسعار أسهمها.
ومن بين شركات النفط الكبرى التي علقت نفقاتها، شركة شيفرون التي أجلت إنفاقها الرأسمالي للعام المقبل 2015، تحسباً لما يحدث في السوق النفطية.
ولا يزال خبراء الأسواق ينتظرون الصراع المكشوف بين منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بقيادة السعودية، وبين شركات النفط الصخري الأميركية والشركات التي تنتج النفط من المياه العميقة.
وترجح التوقعات أن السعودية ودول التعاون التي تقود "أوبك" مصممة على الدفاع عن حصتها في السوق العالمية، وإجبار المنتجين خارجها، وعلى رأسهم شركات النفط الصخري على خفض الإنتاج وعودة الأسعار إلى الارتفاع، ربما في نهاية النصف الأول من العام الجديد.
وحتى الآن تبدو شركات النفط الصخري الأميركية هي الحلقة الضعيفة، مع استعداد دول التعاون للتعامل مع الانخفاض الطارئ للأسعار.