النفط... ما بعد أيام الرخص

08 فبراير 2016
السوق النفطية تترقب التغييرات (Getty)
+ الخط -
من روسيا إلى محطة البنزين التي نقوم بتزويد سياراتنا بالوقود منها، تبدو النتائج المترتبة على تراجع أسعار الوقود واضحة، ولكن العواقب المترتبة عن هذا الانخفاض قد تبدو أقل وضوحاً. تلك العواقب كانت واضحة للعيان في عام 1974، إذ على مدى بضعة أشهر فقط خلال عامي 1973 و1974، قفز سعر النفط من 4 دولارات إلى 13 دولاراً للبرميل، حيث تسبب السعر الجديد في خلق قوى اقتصادية عالمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحديداً الغنية بالنفط، ما وجه ضربة قاصمة لاقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها من الدول المستوردة للنفط.

في الواقع، غيرت "الصدمة النفطية"، كما يحلو للغرب تسميتها، في عام 1974، علاقات القوة بين اللاعبين السياسيين الرئيسيين في العالم، وخلقت أخرى جديدة. وقد كان لارتفاع أسعار النفط العديد من العواقب غير المتوقعة منها تأجيج انتشار الأصولية الإسلامية. واليوم، فإن القوة التدميرية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط الخام، والتي بدأت منذ صيف عام 2014، لا تقل بأي حال من الأحوال عن تلك التي أحدثتها صدمة النفط لعام 1974.
بعض آثار هذا الانخفاض في أسعار النفط كانت واضحة وفورية. في روسيا، على سبيل المثال، عانى "الروبل" من انحدار شديد في قيمته، وانخفضت أسعار الأسهم في السوق، وتراجع عائدات التصدير. صاحب ذلك فرار رؤوس الأموال الأجنبية من البلاد وتقلص احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية، ما أدى إلى تخفيض تصنيف السندات السيادية الروسية من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية إلى سندات "غير مرغوب فيها".
كل ذلك كان نابعاً، إلى حد كبير، من تراجع عائدات النفط والغاز (التي تمثل نحو 70% من إجمالي عائدات التصدير في روسيا وأكثر من نصف إيرادات الموازنة الاتحادية) إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا بسبب السلوك الذي انتهجه الكرملين خلال معالجة أزمته مع أوكرانيا. ولا يخفي بعضهم خشيته من قيام فلاديمير بوتين بإثارة اضطرابات في الخارج من أجل تحويل الأنظار عن الوضع الاقتصادي المتدهور في بلاده.
في فنزويلا، كان الاقتصاد يمر في حالة من الفوضى حتى عندما كان سعر النفط يتداول فوق مستوى 100 دولار خلال الثلاث سنوات التي سبقت تراجع أسعار النفط، واليوم فإن الاقتصاد الفنزويلي بات عملياً خارج السيطرة بشكل كبير نتيجة لتفشي الفساد، وسوء الإدارة، وانخفاض أسعار النفط. كان رد الرئيس نيكولاس مادورو بإلقاء اللوم، في تفاقم الوضع الاقتصادي، على المؤامرة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، وبتكثيفه لحملات القمع على النقاد والسياسيين المعارضين.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي ألغت شركة الطاقة الأميركية العملاقة، "شيفرون"، مشروعاً للتنقيب عن الغاز الصخري في أوكرانيا بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، بعدما كانت الحكومة الأوكرانية تعول عليه لمساعدتها على تحفيز اقتصادها المضطرب، وفي خفض اعتمادها على الغاز الروسي في نهاية المطاف.
إنه مثال بسيط يؤكد الوضع الصعب الذي تمر به الصناعات النفطية حول العالم مع إلغاء أو تأجيل مشاريع كبرى للطاقة، والتي أصبحت، فجأة، غير مجدية اقتصادياً مع استمرار تدني أسعار النفط. قد يعني ذلك، على المدى الطويل، إنتاجاً أقل للنفط، وبالتالي، ارتفاع في أسعار الطاقة. ولكن على المدى القصير، ستتعرض الاستثمارات النفطية لتراجع كبير ما سيلحق الضرر على شركات الطاقة وموردي المعدات وشركات البناء والهندسة الذين كانوا يخططون لتنفيذ هذه المشاريع.
على الجانب الآخر، ليست كل العواقب الناتجة عن انخفاض أسعار النفط سلبية بالمطلق، إذ اتخذت دول، مثل إندونيسيا وماليزيا وعُمان، إجراءات إصلاحية مهمة قادت إلى تقليص أو إلغاء الدعم على الوقود. في الهند، خفضت الحكومة دعمها المكلف لوقود الديزل، وهو قرار لا يحظى بشعبية داخل البلاد ولكن قبل اتخاذه كان يتسبب بنتائج كارثية على موازنة الدولة.
في الواقع، أن دعم الطاقة، والذي تصل قيمته إلى أكثر من 5 تريليونات دولار سنوياً في جميع أنحاء العالم، يُسهم في إلحاق الضرر ليس فقط على اقتصادات الدول النامية، بل أيضا على بيئتها المتداعية، إذ إنها تعمل على تحفيز الاستهلاك وتقويض الجهود الرامية للمحافظة على مصادر الطاقة من النضوب واستخدامها بشكل أكثر كفاءة. علاوة على ذلك، إن انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى تراجع الجدوى الاقتصادية لمشاريع الطاقة المتجددة من مصادر نظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح نظراً لارتفاع تكلفة الإنتاج. ويأمل المتفائلون في أن تراجع أسعار النفط والغاز سيشجع المنتجين من مصادر الطاقة المتجددة لتحسين تقنيات وأساليب إنتاجهم، مما يجعل هذه المصادر أرخص ومجدية أكثر اقتصادياً.
(محلل اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاً: الحرب النفطية تشتعل عالمياً؟
المساهمون