النفايات الصلبة تهدد الليبيين

25 فبراير 2019
نفايات تُحرق في مكبّ فرعيّ (جويل ساجيه/ فرانس برس)
+ الخط -


النفايات الصلبة في ليبيا باتت تتطلب خططاً عالية التقنية، وكذلك مساعدات دولية للتمكّن من حلّ الأزمة القائمة. فتلك النفايات تهدّد بكارثة بيئية.

ما زالت مدن ليبية عديدة، بما فيها العاصمة طرابلس وبنغازي أكبر مدينتَين في البلاد، تعاني أزمة من جرّاء تكدّس النفايات فيها. ولعلّ أكثرها خطورة هي النفايات الصلبة بمختلف أشكالها، الزراعية والصناعية والطبّية التي تهدد صحّة الناس. وفي الإمكان ملاحظة أكوام النفايات التي تعجز السلطات عن وضع حدّ لها، بمعالجتها أو نقلها إلى مكبات بعيدة عن مناطق السكن والحركة اليومية.

في مناطق قصر بن غشير والنشيع ووادي الربيع بطرابلس، تكثر مخلّفات البناء التي يتخلّص منها المقاولون بطريقة عشوائية، لكنّ الأكثر خطورة هي نفايات المستشفيات وتلك الزراعية. ويقول مدير "إدارة الحركة والنقل في الشركة العامة لخدمات النظافة" سليمان الذويبي، بأنّ هذه القضية "تأتي في المرتبة الثانية بعد قضية تهالك البنى التحتية، التي تهدد بتسرّب مياه الصرف الصحّي إلى الأحياء السكنية". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "المكبات الرئيسية البعيدة عن المدن أغلقت بسبب الحروب وبسبب عجز الدولة عن حلّ المشكلة، الأمر الذي دفع جهات كثيرة إلى إلقاء تلك النفايات عشوائياً في أماكن مختلفة، ما يمثّل تهديداً مباشراً لحياة الناس".

ويقرّ الذويبي بأنّ إدارته تعاني "نقصاً حادّاً في الآليات والمعدّات اللازمة لجمع النفايات، ونقلها إلى مكبات رئيسية قبل عملية التخلص النهائي منها"، مؤكداً أنّ تلك الإدارة "توقفت عن العمل شبه النهائي منذ عام 2012، ليقتصر عملها على تجميع النفايات المنزلية فقط". ويوضح الذويبي أنّ إدارة الحركة والنقل "تعاني نقصاً في الكوادر المدرّبة التي آثرت أخذ عطل مفتوحة بسبب غياب الرواتب لمدّة عام كامل في بعض الفترات. وقد حاولنا إيجاد حلول عديدة، منها الاستعانة بالعمالة الأجنبية في ما يتعلق بالنفايات لمنزلية، لكننا نعجز عن إيجاد حلول لمخلفات المستشفيات والمصانع والمزارع". ويتابع أنّه "في حال وفّرنا المطلوب، تبقى لدينا مشكلة عدم توفّر أماكن لطمر تلك النفايات. فالموجود اليوم يستخدم للنفايات المنزلية ولا يتسع لأخرى". ويتحدّث الذويبي عن "قصور التشريعات اللازمة في مجال حماية الكوادر العاملة في هذا المجال، المهددة بخطر التعامل مع الموادّ المشعّة والمخلفات الناتجة عن بعض المصانع، التي تتعامل مع البتروكيماويات. فلا قانون في البلاد يحمي صحّتهم ويمنحهم حقّ تلقي الخدمات الطبّية".




من جهته، يتحدّث نصر الدين سعد من مكتب شؤون الإصحاح البيئي بطرابلس، لـ"العربي الجديد"، عن "كميات كبيرة من النفايات الصلبة التي تمثّل خطراً متزايداً أمام عجز الجهات المختصة". يضيف أنّ "طرابلس لوحدها كانت تنتج حتى عام 2011 أكثر من 800 طن يومياً، ما بين نفايات منزلية وأخرى من المصانع والمستشفيات. وشركات الخدمات العامة والأشغال وغيرها، لم تكن قادرة على تجميع ونقل إلا نصف هذه الكمية، بينما تتولى الشركات الخاصة المتعاقدة مع الدولة نقل ربع الباقي. أما في بنغازي، فالكمية كانت أكبر نظراً إلى كثرة المصانع فيها، وكانت تصل بالتالي إلى ألف طنّ يومياً، بينما كانت الجهات ذاتها تنقل ثلاثة أرباع تلك الكمية". ويوضح سعد: "نحن نتحدث عمّا قبل ثمانية أعوام، لذا فإنّ الكميات اليوم لا بدّ من أن تكون قد ازدادت بسبب تزايد عدد السكان. لكنّ السؤال الأكثر أهمية هو حول حجم تلك النفايات التي ما زالت ملقاة بطريقة عشوائية في داخل المدن وداخل الأحياء أو في المكبات الفرعية. لا شكّ في أنّ حجمها مهول".

ويشير سعد إلى "مخاطر عديدة من جرّاء استمرار انتشار النفايات الصلبة في بعض الأماكن"، شارحاً أنّ "كميات كبيرة من مخلفات المصانع الكبيرة كالحديد الصلب والمراكز الصحّية التخصصية والمستشفيات، وُجِدت على شاطئ البحر في أكثر من منطقة. كذلك فإنّ مكبات فرعية عدّة في داخل المدن تحوّلت إلى مكبات للتخلص النهائي من النفايات بسبب إغلاق المكبات في خارج المدن، فصارت النفايات تُحرَق فيها ومن بينها الورق والمعادن والمخلفات السائلة، وهذا ما يمثّل خطراً كبيراً على حياة الإنسان".

في السياق نفسه، يلفت الأستاذ المحاضر في كلية الموارد الطبيعية والبيئة في جامعة طرابلس، بشير عجاج، لـ"العربي الجديد" إلى "مخاطر حقيقية. فالنفايات الطبّية الملقاة في مكبات في داخل المستشفيات تمثّل خطراً حقيقياً، نظراً إلى إمكانية نقلها عدوى أو أخرى. كذلك فإنّ تحلّل مخلفات بعض الأدوية والمستحضرات ذات الصلة بسبب بقائها في تلك المكبات، يمثّل عاملاً أساسياً للتلوّث البيئي". يضيف عجاج: "نحن نتحدث عن مستشفيات قد تنقل مخلفاتها بين الفينة والأخرى، لكنّ أحداً لا يتحدّث عن نفايات المصحّات الخاصة. كيف يتخلّصون منها؟ وإلى أين تُنقل؟ بالتأكيد هي تُنقل إلى مكبات فرعية في داخل المدن، الأمر الذي يضاعف مشكلات انتشار البكتيريا ومختلف مسببات المرض".




يتابع عجاج أنّ "خطراً آخر يتمثل في مخلفات المصانع الكبرى. فالنفايات الصناعية في ليبيا تصنّف في الوقت الحالي نفايات خطرة جداً. ومخلفات الموانئ النفطية ومحطات تكرير المياه كالزيوت، تُلقى في البحر نظراً إلى قربه. كذلك فإنّ ثمة مصانع حديد صلب قد عمدت إلى حفر كبيرة ما زالت مفتوحة لإلقاء مخلفاتها فيها، ومعظمها يحتوي على موادّ كيميائية من شأن مخاطرها أن تكون طويلة الأمد، من بينها انتشار أمراض سرطانية".
دلالات
المساهمون