النظرات الأخيرة

11 اغسطس 2015
بطرس المعري / سورية
+ الخط -

ينظر الرجل إلى ما يحيط به. يدخل الحمام ويغسل يديه. يفوح من الصابون عطر البنفسج. تظل قطرات المياه تتساقط من الحنفية بعدما يغلقها. ينشّف يديه. يضع الفوطة في الجانب الأيسر من حمالة المناشف، الجانب الأيمن يخص زوجته. يغلق باب الحمام كي لا يسمع تساقط قطرات الماء.

مرة أخرى في غرفة النوم. يرتدي قميصا جديداً: إنه قميص بكُمٍّ فرنسي، يجب البحث عن الأزرار. الحائط مغلف بورق حائط عليه رسومات رعاة نساء ورجال. تختبئ بعض الأزواج تحت لوحة هي نسخة من لوحة "العشاق" لبيكاسو. لكن في العمق حيث إطار الباب يفصل جانباً من ورق الحائط يظل العديد من الرعاة وحيدين، دون رفيقاتهم.

يمر إلى محترفه ويقف أمام المكتب. كل واحد من بين أدراج قطعة الأثاث الضخمة هذه التي تشبه بناية هي بمثابة شقة حيث تعيش أشياء. في واحد من تلك الأدراج شفرتي المقص التي ربما لا تزال تكرههما كما هو مألوف. يربت بيده على متون كتبه. تسقط خنفساء على ظهرها فوق المكتب وتنتفض بأطرافها يائسة. يقلبها مستعينا بقلم.

تشير الساعة إلى الرابعة مساء. يمر إلى الردهة. لون الستائر أحمر. يخف اللون الأحمر في الجانب الذي تشع فيه الشمس ليصبح شبيها باللون الوردي. يعود أدراجه على بعد خطوات من باب الخروج. ينظر صوب كرسيين متقابلين كما لو كانا يتجادلان. إلى الآن!

يخرج. يعد 15 درجاً. ألم تكن 14؟ كاد يعود ليعدها من جديد لكن لم يعد للأمر أهمية. لم يعد لشيء أهمية. يعبر إلى الرصيف المقابل، وقبل أن يتوجه صوب مديرية الأمن ينظر إلى نافذة غرفة نومه. هناك في الداخل ترك زوجته مع خنجر مغروز في قلبها.


* Enrique Anderson Imbert روائي وقاص وناقد أرجنتيني (1910-2000)

** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي

دلالات
المساهمون