وتتلاحق التطورات العسكرية في الجنوب السوري، إذ تحاول فصائل الجيش السوري الحر التصدي لهجوم واسع النطاق تشنه قوات النظام تحت غطاء جوي روسي كثيف، فيما خيّمت هذه التطورات على اجتماع طيف واسع من المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، يضغط عليه الشارع السوري المعارض من أجل اتخاذ موقف سياسي حازم، مقابل التصعيد العسكري من قبل النظام وحلفائه، في وقت من المفترض أن يناقش الروس والأردنيون تطورات الجنوب السوري خلال الأيام المقبلة.
وأكد الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، لـ"العربي الجديد"، أن الطيران الروسي نفذ، أمس الإثنين، عشرات الغارات على مدن وبلدات في محافظة درعا، مشيراً إلى أن عشرات صواريخ "الفيل" الإيرانية ومئات قذائف المدفعية وصواريخ الراجمات سقطت على هذه البلدات. وقال أحد مقاتلي المعارضة و"المرصد السوري لحقوق الإنسان" إن طوافات تابعة للنظام أسقطت براميل متفجرة على مدينة درعا، للمرة الأولى منذ عام تقريباً. وأشارا إلى أن الطوافات أسقطت منشورات تقول إن "الجيش قادم"، ومكتوب فيها "أطردوا الإرهابيين من مناطقكم كما فعل إخوانكم في الغوطة الشرقية". وأعلن المسالمة أن قوات النظام والمليشيات المساندة لها فشلت في التقدم على محور بصر الحرير ودرعا البلد، موضحاً أن الغارات الروسية شملت بلدات الحراك، وناحته، وبصر الحرير، وعلما، والصورة، والمليحة، ودرعا البلد، مؤكداً سقوط قتلى ومصابين بين المدنيين. وأشار إلى أن منطقة بصر الحرير شهدت "اشتباكات عنيفة جداً على الجهات الشرقية من البلدة" خلال تصدي الجيش الحر لمحاولة تقدم قوات النظام إلى البلدة، موضحاً أنه تم استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وأن الجيش الحر أنهى محاولة تقدم قوات النظام والمليشيات المساندة لها على جبهات البلدة وكبدها خسائر بالأرواح والعتاد.
وأكدت مصادر محلية أن فصائل المعارضة السورية تصدّت، في وقتٍ متأخّرٍ من مساء الأحد، لهجوم واسع شّنته قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها في منطقة اللجاة بريف محافظة درعا، والذي يأتي في إطار عملية عسكرية واسعة تشنّها هذه القوات، بهدف السيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة والوصول إلى معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية. وقالت المصادر إن فصائل المعارضة المسلحة شنت هجوماً معاكساً، وتمكّنت من السيطرة على منطقة جدل وإبعاد قوات النظام من تلك المنطقة، مشيرة إلى أن الفصائل استهدفت مواقع قوات النظام في نادي الضباط في درعا المحطة، كما استهدفت مطار الثعلة بقذائف الهاون. وتقاتل المعارضة السورية تحت قيادة موحّدة، باسم "غرفة عمليات الجنوب المركزية"، تأسّست السبت الماضي، وتشمل معظم القوى والتشكيلات العسكرية في محافظة درعا، جنوبي سورية. ويعتبر مطار الثعلة العسكري في ريف السويداء أحد أبرز النقاط التي تستخدمها قوات النظام والمليشيات لشن الهجوم ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة في محافظة درعا والذي بدأ في 19 يونيو/ حزيران الحالي.
من جانبها، أكدت القاعدة الروسية في منطقة حميميم على الساحل السوري، أن القوات الجوية الروسية ستشارك في دعم قوات تتبع للنظام، يقودها العميد سهيل الحسن، تحاول إخضاع المعارضة السورية جنوبي البلاد، زاعمة أن هناك "قوى متطرفة تتلقى الدعم من عدة دول إقليمية". ويعتبر الحسن، الذي يلقبه أنصاره بـ"النمر"، رجل روسيا في سورية ويتلقى دعماً لا محدوداً في عمليات الاقتحام "المتوحشة" التي يقودها، وكان آخرها اقتحام غوطة دمشق الشرقية التي جرى خلالها استخدام أسلحة محرمة دولياً قتلت وجرحت مئات المدنيين بين نساء وأطفال. وبدأت الطائرات الروسية في 22 من الشهر الحالي شن غارات مكثفة على المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة المعارضة في الجنوب السوري. وحاولت موسكو، كعادتها، تبرئة نفسها، وإلقاء اللوم على مسلحين تابعين لـ"جبهة النصرة" ببدء الهجوم. وقال "مركز المصالحة الروسي في سورية"، في بيان أمس الإثنين: "خلال الـ24 ساعة الماضية، هاجم مسلحو جبهة النصرة البلدات التي انتقلت إلى جانب الحكومة الشرعية بشكل طوعي، في منطقة خفض التصعيد الجنوبية. وتم التصدي لهجوم الإرهابيين من قبل القوات الحكومية وتشكيلات الجيش السوري الحر، بدعم من القوات الجوية الروسية".
إلى ذلك، ألقت التطورات العسكرية المتلاحقة في الجنوب السوري بظلالها على اجتماع الأمانة العامة في هيئة التفاوض، التي تضم أهم التيارات السورية المعارضة، والذي بدأ التحضير له منذ أول من أمس، ويستمر ثلاثة أيام، في العاصمة السعودية الرياض. وجاء في بيان، تلقت "العربي الجديد" نسخة منه، أن جدول أعمال الاجتماع "تناول العديد من النقاط، كان على رأسها مناقشة التطورات الميدانية على الأرض في الجنوب السوري وسبل دعم صمود أهلنا". كما بحث المجتمعون "الفرص للوصول إلى وقف التصعيد العسكري للنظام، مدعوماً من قبل روسيا وإيران والمليشيات"، وفق البيان الذي أشار إلى أن ممثلي فصائل الجيش السوري الحر في الهيئة "قدموا شرحاً للوضع الحالي، وأجابوا على تساؤلات الأعضاء". وسيتم تمديد اجتماع الأمانة يوماً إضافياً لاستكمال نقاش جدول الاجتماع حول "الآفاق المستقبلية والاستحقاقات القائمة والمقبلة، وتقييم الفترة الماضية عبر نقاش معمق مع الهيئة العامة"، إضافة إلى "مناقشة بعض الأمور الداخلية في الهيئة، والعملية السياسية ومختلف الاستحقاقات القائمة، من لجنة الدستور والأوراق المقدمة بخصوص ذلك".
وكان المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، قد أشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها عدم الانخراط في اللجنة رداً على تطورات الجنوب"، مضيفاً "هناك ألف سؤال يحيط بما يجري في الجنوب السوري". ومن المفترض أن تحسم الهيئة أمرها بخصوص المشاركة في اللجنة المنوط بها وضع دستور دائم للبلاد، تعمل الأمم المتحدة منذ أشهر على تشكيلها بين النظام والمعارضة ومستقلين. لكن التطورات العسكرية في الجنوب السوري خلطت الأوراق السياسية، إذ يدفع الشارع المعارض باتجاه تصعيد سياسي مقابل التصعيد العسكري من النظام وحلفائه، والذي يهدف أيضاً إلى تجريد المعارضة من كل أوراقها العسكرية والسياسية لتمهيد الطريق أمام حل سياسي دائم يكرس النظام ويرسخ الوجود الروسي في سورية، والذي تعتبره المعارضة احتلالاً.
وفي السياق، أعرب الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط والبلدان الأفريقية، ميخائيل بوغدانوف، عن أمل موسكو في بحث الوضع في سورية مع مستشار الرئيس الأميركي، جون بولتون، خلال زيارة من المقرر أن يقوم بها الأخير إلى موسكو غداً، الأربعاء، حيث سيلتقي وزير الخارجية سيرغي لافروف. وأكد بوغدانوف أنه لن تعقد مباحثات ثلاثية بين روسيا والولايات المتحدة والأردن حول الوضع في جنوب سورية، غير أنه أشار إلى أنه سيتم بحث الوضع على المستوى الثنائي في الوقت الراهن بين موسكو وعمان، كاشفاً أن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، سيزور موسكو لهذا الغرض، وأن التنسيق مستمر بين الجانبين الآن لتحديد موعد الزيارة. وكان الصفدي قد قال أخيراً إن "الأردن يجري اتصالات مكثفة مع شريكيه في اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري، الولايات المتحدة وروسيا، بهدف الحفاظ على الاتفاق ووقف إطلاق النار". وأضاف أن "الأردن يتابع التطورات الميدانية، ونؤكد ضرورة احترام الاتفاق ونعمل للحؤول دون تفجر العنف"، مشيراً إلى أن "حدود الأردن ومصالحه محمية". وأعلن الأردن أنه لن يستقبل أي سوريين فارين من الهجوم الذي تشنه قوات النظام. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الأردنية جمانة غنيمات، إن المملكة تعمل مع الولايات المتحدة وروسيا لحماية مصالحها الوطنية. ونقلت صحيفة "جوردان تايمز"، أمس الإثنين، عن غنيمات قولها إن الأردن استوعب بالفعل أعداداً هائلة من اللاجئين السوريين وأنه "لا يمكننا استقبال المزيد". ويعد الأردن من أكثر أطراف الصراع على سورية اهتماماً بالجنوب السوري، إذ يتاخم حدوده، فيما تسبب الوضع غير المستقر في خسارة اقتصادية كبرى للأردنيين نتيجة إغلاق معبر نصيب، فضلاً عن وجود أكثر من مليون سوري في المملكة، وهو ما تقول إنه يرهقها اقتصادياً واجتماعياً. وكان قد عُقد، منتصف العام الماضي، اتفاق أميركي روسي أردني بشأن وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، الذي يضم محافظات درعا والقنيطرة، بعدما أُدرجت هذه المنطقة في اتفاق أستانة، برعاية روسيا وإيران وتركيا، كإحدى مناطق "خفض التصعيد" الأربع في سورية. ولكن يبدو أن هذا الاتفاق فقد أهميته، خصوصاً بعد الإعلان الأميركي بأن واشنطن لن تضع ثقلاً عسكرياً في جنوب سورية، في حال نشوب المعارك بين المعارضة والنظام، وهو بمثابة تخلٍ أميركي وروسي عن اتفاق خفض التصعيد في هذه المنطقة.