النظام يروّج لـ"معركة إدلب الكبرى"... وكارثة إنسانية في معرة النعمان

20 ديسمبر 2019
نزوح بأعداد كبيرة من منطقة معرة النعمان (إكرم مصري/الأناضول)
+ الخط -

لم تشهد مدينة معرة النعمان وريفها في جنوب إدلب، منذ بداية الثورة السورية عام 2011، تصعيداً كالذي مرّ عليها خلال الساعات والأيام الماضية، جراء القصف المكثّف بكافة أنواع الأسلحة من الطيران الحربي والمروحي، فضلاً عن الصواريخ والقذائف التي تطلقها الراجمات والمدفعيات الثقيلة وصواريخ "أرض – أرض"، التي قال ناشطون إنّ مصدر بعضها البوارج الروسية في البحر المتوسط. وقد أدى ذلك لسقوط مزيد من الضحايا بين المدنيين، وتدمير الكثير من أحياء المدينة التي يقطن فيها اليوم أكثر من 70 ألف نسمة، جزءٌ كبيرٌ منهم من النازحين إليها. ولم يستطع معظم هؤلاء النزوح والفرار إلى خارج المدينة مع شدة القصف وتركّزه على مداخلها والطرق الرئيسية المؤدية إليها، ولا سيما الأوتوستراد الدولي حلب – دمشق المار بها، الذي يشار إليه بطريق الـ"أم 5".

وقال "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس الجمعة، إنّ "طائرات النظام الحربية والمروحية استهدفت، أول من أمس الخميس، بأكثر من مائة ضربة جوية، مناطق في محافظة إدلب، في الوقت الذي استهدفت قواته المنطقة بما لا يقل عن 360 ضربة برية". وأشار "المرصد" كذلك إلى "استمرار عملية النزوح من منطقة معرة النعمان بأعداد كبيرة، حيث تتفاقم الكارثة الإنسانية من دون أي تدخل لإيقافها من جميع الأطراف المعنية". وقد تسبب القصف بمقتل 13 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، جراء غارات جوية روسية على قرية مرديخ، شرق إدلب، وقصف صاروخي استهدف مدينة معرة النعمان، وآخر من طائرات النظام الحربية على دير سنبل، جنوب إدلب، فيما لا يزال عدد القتلى مرشحاً للارتفاع لوجود ما لا يقل عن 40 جريحاً في مناطق متفرقة، بعضهم في حالات خطرة، وفق "المرصد".

ويرسل ناشطون من معرة النعمان وريفها نداءات استغاثة، للمساعدة في إجلاء أهالي المدينة، وسط صعوبة القيام بهذه المهمة مع استمرار القصف. فلم تعد المركبات كافية لإجلاء الأعداد الكبيرة من الأهالي، الذين حزموا أمتعتهم تمهيداً لاغتنام فرصة توقّف القصف لدقائق، ليبتعدوا عن المدينة التي تتصاعد منها، منذ صباح أول من أمس الخميس، سحب الدخان، ولا تفارق الطائرات الحربية والمروحية سماءها. ولم يتجاوز عدد الخارجين منها إلى الآن 2000 عائلة.

وبحسب المؤشرات الميدانية والعسكرية، فإنّ هذا القصف الجنوني وغير المسبوق، يأتي بهدف إفراغ معرة النعمان وريفها من السكان، تمهيداً لعملية واسعة من قبل النظام للسيطرة عليها في مرحلة أولى، ومن ثمّ السيطرة على مدينة سراقب، حيث تقع المدينتان على الطريق الدولي "أم 5"، الذي يلوّح النظام بأهمية السيطرة عليه، منذ بدء حملته الجديدة على إدلب قبل شهر تقريباً.

وبعد توقفها لأيام، عادت قوات النظام أخيراً لاستئناف هجومها على جنوبي شرق معرة النعمان، الواقع جنوبي شرق إدلب، عبر محورين؛ إذ سيطرت في الأول على قريتي أم جلال وتل الشيح في الجنوب الشرقي، وقرى أم توينة والخريبة والربيعة وشعرة العجائز عند محور آخر في الشرق تماماً. ولا يزال تقدّم هذه القوات مستمراً، وسط مقاومة من قوات المعارضة التي يشكل عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير" جزءاً كبيراً منها، إلى جانب عناصر من "هيئة تحرير الشام"، الذين كبدوا القوات المهاجمة خسائر كبيرة بالأرواح والعتاد عند بدء الهجوم، إلا أنّ الحشود والتعزيزات العسكرية التي استقدمتها قوات النظام ومليشيات محسوبة على روسيا وإيران تبدو كبيرة جداً، والتي تنوي من خلالها تنفيذ عملية واسعة، بحسب ما أشارت إليه صحيفة "الوطن" الموالية للنظام.

وفي هذا الإطار، ذكر "المرصد السوري" أنّ أكثر من 60 مسلحاً قتلوا منذ الخميس إثر الاشتباكات بين قوات النظام والفصائل بمحافظة إدلب. وأوضح أنّ "38 من هؤلاء هم من الفصائل، فيما 23 آخرون هم من القوات الموالية للنظام".

إلى ذلك، تحدثت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، عما سمتها "معركة إدلب الكبرى"، وقالت وفق معلومات حصلت عليها، "إنّ الجيش يمهِّد نارياً لمعركة إدلب الكبرى، التي اقتربت ساعتها كما يبدو بعدما حشد لها ما حشد من عدد وعتاد قبل أيام لتكون معركته حاسمة لتحرير إدلب وأريافها من تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي وحلفائه إذا ما أزفت ساعتها".

ونقلت الصحيفة عمّن وصفته بمصدر ميداني، قوله إنّ "الجيش بدأ تمهيده الناري باستهداف الطيران الحربي السوري والروسي بغارات مكثفة سراقب ومعرة النعمان، فيما أصلى الإرهابيين بمدفعيته الثقيلة والصواريخ ناراً حامية، وخصوصاً المتمركزين بمحاذاة الطريق الدولي بين حلب وحماة ومدن سراقب ومعرة النعمان وأريافها".

وأوضح المصدر للصحيفة ذاتها أنّ "الجيش مستعد لتحرير إدلب وأريافها"، لافتاً إلى أنّ "الطيران المروحي استهدف مواقع المجموعات الإرهابية المسلحة في تلمنس والتح والرفة وقطرة والغدقة ومعرشمشة ومعرشورين ودير الغربي ومعرة النعمان وأطرافها، ما كبدها خسائر فادحة بالأفراد والعتاد". ولفت المصدر نفسه في حديثه لـ"الوطن"، إلى أنّ "الطيران الحربي الروسي شنّ غارات مكثّفة على مختلف محاور الريف الإدلبي، وخصوصاً في الحراكي والدير شرقي وأطراف معرة النعمان والهلبة وبابولين وتل مرديخ".

ويبدو أنّ المعركة بدأت فعلاً منذ استئناف الهجوم على جنوب شرق إدلب، ليل الخميس الماضي، والذي يُخشى من أن يمتدّ بشكل قوسي نحو الأوتوستراد الدولي ومن ثمّ نحو معرة النعمان وقرىً محيطة بها، قبل أن يتمكن الأهالي من النزوح منها وإخلائها، خوفاً من ارتكاب مجازر بحق المدنيين من قبل قوات النظام، التي لم توقف قصفها على المدينة منذ عام 2011 وإلى اليوم. وتعدّ معرة النعمان من أوائل المدن الخارجة عن سيطرة النظام، وكبد مقاتلوها قواته خسائر كبيرة طيلة الأعوام التسعة الماضية، ولا سيما ضمن معارك معسكري وادي الضيف والحامدية، اللذين كانا يقعان على أطراف المدينة.

في السياق، قال ناشطون إنّ قوات النظام قصفت نقطة المراقبة التركية في قرية الصرمان الواقعة بالريف الشرقي لمعرة النعمان، صباح أمس الجمعة، مع عدم ورود معلومات بشأن ما إذا كان القصف قد أوقع مصابين أو خسائر داخل النقطة. ولم تردّ النقطة على مصادر النيران القريبة منها، المتوقع أن تكون قد خرجت من مرابض مدفعيات قوات النظام المتمركزة في مدينة خان شيخون. مع العلم أنّ هذا الاستفزاز الذي أقدمت عليه قوات النظام بقصف النقطة التركية، كانت قد استخدمته مرات عدة خلال المعارك التي بدأت في إبريل/ نيسان من العام الحالي، إذ قصفت في أوقات متفرقة نقاطاً تركية عدة، ما أوقع إصابات في بعض الأحيان ضمن صفوف القوات التركية.

وكان ناشطون في إدلب قد دعوا للخروج بتظاهرات عند معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، للضغط على أنقرة للوقوف عند مسؤولياتها، وإيقاف الهجمة التي تشنها روسيا وقوات النظام على جنوب إدلب، تفادياً لوقوع كارثة إنسانية كبيرة. وقد تجمّع مئات المتظاهرين أمام المعبر، أمس الجمعة، للمطالبة بأحد أمرين، إما ممارسة تركيا ضغوطها لإيقاف الهجمة، أو فتح البوابات الحدودية أمامهم للدخول إلى تركيا.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد لوّح بفتح طريق الهجرة أمام اللاجئين السوريين نحو أوروبا، بهدف الضغط على الأوروبيين، ليضغطوا بدورهم على روسيا في محاولةٍ لإيقاف هجومها. وقال أردوغان أخيراً خلال كلمته في القمة الإسلامية المصغرة التي استضافتها ماليزيا: "أنظروا، 50 ألف شخص يتدفقون مجدداً إلى أراضينا قادمين من إدلب، بينما يوجد لدينا 4 ملايين لاجئ". وكرر انتقاده لرفض خطته إقامة "منطقة آمنة" في سورية، وقال: "عند الحديث عن تأسيس منطقة آمنة في شمالي سورية، لا تقدّم البلدان الغربية أي دعم، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأسلحة، فإنهم يرسلونها إلى المنظمات الإرهابية. وحينما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب يقولون: ينبغي لنا محاربته".

وتعمد قوات النظام بدعم روسي منذ بداية إبريل الماضي، إلى قضم منطقة "خفض التصعيد" على مراحل. وتلك المنطقة تضم كامل إدلب مع أرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي، واللاذقية الشرقي. وكانت قوات الأسد قد بدأت هجوماً واسعاً انتهى في آب/ أغسطس الماضي، وسيطرت خلاله على أكثر من 25 مدينة وقرية، أهمها قلعة المضيق وكفرنبودة بريف حماة الشمالي، وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ناسفةً بذلك كل الاتفاقيات التي تخصّ تلك المنطقة ولا سيما مباحثات أستانة بين الضامنين (روسيا، وتركيا، وإيران)، أو اتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والذي يفترض إنشاء منطقةٍ منزوعة السلاح في محيط إدلب وما حولها.

وتقول المعلومات الواردة من الجولة الأخيرة من محادثات أستانة التي عقدت في 10 و11 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، إنّ وجود خلافٍ بين تركيا وروسيا حول إدلب، بالإضافة إلى رفض المعارضة السورية عرضاً روسياً يقضي بسيطرة قوات النظام على مناطق غرب جبل الزاوية وصولاً إلى ما قبل مدينة أريحا، حمل الروس على التصعيد لقضم المزيد من المناطق ومحاولة تغيير خرائط السيطرة على الأرض.

ويقطن في إدلب أو "منطقة خفض التصعيد الرابعة" حوالي أربعة ملايين نسمة، من بينهم أولئك المهجرون إليها قسراً من محافظات مختلفة. ويخشى أهالي إدلب ومحيطها، ولا سيما في الريف الغربي لحلب، من أن تمتد الهجمة إليهم في حال أطبق النظام سيطرته على الريف الجنوبي من إدلب.

المساهمون