النظام الضريبي الخليجي المرتقب

31 اغسطس 2015
دول الخليج تلجأ للضريبة كمورد مالي (Getty)
+ الخط -
شهدت أسواق الخليج المالية خلال الأسبوع الماضي تراجعات حادة جراء تراجع أسعار النفط عالمياً بشكل قياسي أثار مخاوف المستثمرين في أسواق رأس المال، مما انتقلت معه تلك المخاوف لأسواق عالمية أخرى. وظهرت الكثير من التساؤلات تثار وبزوايا مختلفة تتعلق بموازنات الدول النفطية وكيفية التعامل مع الملف حيث كانت توقعات بعض وزراء النفط في بداية العام الحالي تشير إلى تحسن أسعار النفط في النصف الثاني.

ومع تلك التراجعات العنيفة اختلفت التحليلات والتوقعات حول ردود فعل الدول الخليجية التي تعاني من عجز، حيث سجل العجز بوقت كان أسرع مما كان يتوقع وفق مستشارين لوزراء وحكومات، ولم تصدق معهم عدة توقعات كان من شأنها أن تقي شر هذا التراجع والذي أصاب من جانبه القرارات التي تعتمد على العامل النفسي.

وكان لأزمة المارد الصيني تواجد في أسواق العالم المالية، لتعود إلى ذاكرة المستثمرين الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالأسواق في العام 2008 مع أثر أبلغ من جانب القوة الاقتصادية التي باتت تمتلكها الصين بحيث كانت قد تصدرت الاقتصاديات العالمية بل وأصبحت دول كبرى كالولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الأوروبية تدين لها بتريليونات الدولارات، ليشكل بعض إجراءاتها التحفيزية عاملاً إيجابياً في عملية ارتدادات فنية لكثير من أسواق العالم المالية.

وتقوم الحكومات الخليجية في الوقت الحاضر بالبحث عن بدائل تعزيز الميزانيات التي أنهكتها الرواتب في الغالب. مع وجود الحاجة الضرورية لتعزيز موارد الصرف اتجاه مشاريع البنى التحتية التي تأخرت لبعض الدول عما كان مأمولا، كون الفوائض المالية السابقة لم توجّه بمسارها المفروض إلى مشاريع منتجة وغير نفطية أو مشاريع تهتم بالحالة العامة للدولة من طرق ومباني ومطارات وغيرها، لتخفيف الضغط على الدولة من عدة زوايا والتي كان من المفترض أن تكون بديلاً استراتيجياً لعدد من البدائل الصعبة في الخليج.

برزت عدة أصوات تطالب بمشاركة الشعوب في ذلك العجز عن طريق ترشيد الإنفاق وعدم الصرف في الكماليات التي يعتبرها البعض من الضروريات، في حين تراها عدة جهات خارجية مثل صندوق النقد أو البنك الدولي بأنها مكلفة جداً ولا توجد حاجة ماسة لوجودها في المجتمعات الخليجية. وهي تحث الجهات المسؤولة عن التقنين في الصرف وتوجيه تلك الموارد نحو القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة وغيرها.

ويرى بعض المتخصصين ضرورة تطبيق نظام الضريبة الذي يوفر موارد للحكومة، وهذا ما يجب أن تبدأ به الدول حديثة العهد في فرض الضرائب، كي لا تشكل تلك الإجراءات صدمة اقتصادية على النظام الاقتصادي الحالي.

وقد بدأ بعض الدول الخليجية بالفعل بإقرار بنود من النظام الضريبي الذي يعتمد على بعض الخدمات والأنشطة المقدمة من قبل الدولة أو تلك المرخص بها وفق النظم والقوانين المحلية الحالية، والتي لا بد من القول بأنها ستعمل على خلق قنوات تمويلية جديدة للموازنة العامة للدولة ومورد قد يصبح أساسياً إلى جانب النفط الذي أصبح الاعتماد عليه بمثابة الانتحار الاقتصادي، لكونه يخضع لتقلبات وضغوطات آلية السوق في جانب الطلب والعرض والذي أنهك السوق النفطية التي تمر بحالة من التناقض.

ويواجه كثير من الدول الخليجية معوقات أساسية وثانوية في تطبيق النظام الضريبي، بحيث من الصعب أن تتحول فكرة دولة الرفاه الحالية للمجتمع إلى دولة تنظر بالاعتبار لمشاركة الشعب في بناء البنية التحتية، وقد تتجاوز ذلك لتصل إلى المشاركة في إدارة شؤون الدولة، وهذا هو العامل الأول والأساسي التي قد ترفضه الدول الخليجية كون نظامها في الإدارة يعتمد على السلطات الحاكمة وهو الأمر الذي قد تتناقض معه أفكار تنموية اقتصادية كثيرة، منها الضريبة والمشاركة في الأرباح.

ولا تزال عدة أفكار مطروحة للنقاش قد تلقى موافقات وتطبيقات خليجية، منها التطبيق الضريبي على العمالة الأجنبية أو المستثمرين الأجانب، والذي هو مطبق فعلياً من عدة سنوات مع وجود تحايل قانوني من قبل هؤلاء المستثمرين الذين يرغبون بتعظيم أرباحهم بشتى الطرق. إلا أن التوجه بتطبيق الضريبة بفاعلية سيجعل للدولة السطوة على شرائح استثمارية عدة ويساعد على استفادة الدولة من موارد أخرى.

كما يحتاج النظام الضريبي إلى تفعيل رفع إنتاجية القطاع العام وجودة تعاملاته، حيث إن الأمر سيختلف من جانب فرض الرسوم الرمزية بنظامه القديم والحالي وجانب النظام الضريبي، الذي ترتفع معه المطالبات بتحسين تقديم الخدمات والقضاء على الروتين في تلك التعاملات. إلى جانب الاعتقاد النظري الذي يعطي مساحة للقضاء على الفساد الإداري الموجود في كثير من وزارات الدول، ولذلك فإن النظام المقبل سيكون بمثابة تحد تشريعي وقانوني وإداري على مستوى الدول.
(خبير مالي كويتي)
دلالات
المساهمون