تواصل قوات النظام السوري تحركها ضد تنظيم "داعش" في جنوب دمشق، بهدف استكمال تأمين العاصمة، وفي محافظة دير الزور في سباق مع مليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، لكسب مزيد من الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم شرق البلاد، فيما تعقد في عاصمة كازاخستان يومي الاثنين والثلاثاء الجولة التاسعة من محادثات أستانة، بحضور الأطراف الثلاثة الراعية، روسيا وتركيا وإيران، وممثلين عن النظام السوري والمعارضة وأطراف دولية أخرى. وتواصلت المعارك العنيفة جنوبي دمشق، بين مسلحي "داعش" وقوات النظام التي تحاول بسط كامل سيطرتها على مخيم اليرموك والحجر الأسود. وقصفت قوات النظام، طوال يوم أمس السبت، مواقع سيطرة التنظيم في مخيم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود، لكنها اصطدمت بشراسة مسلحي "داعش" عند محاولتها التقدم برياً. وذكر التنظيم أمس أنه كبد القوات المهاجمة مئات القتلى خلال ثلاثة أسابيع من المعارك جنوبي دمشق.
وتحاول قوات النظام التقدم نحو الحجر الأسود ومخيم اليرموك من جهة بلدة يلدا، وكذلك عبر محاور قتالٍ أخرى في شارع دعبول وسليخة، لكنها فشلت منذ أيام في عبور هذين المحورين نحو الكتل الخاضعة لـ"داعش". وكانت قوات النظام اعتمدت في بداية المعارك ضد "داعش" جنوب دمشق، على سلاح الطيران الحربي، والذي كانت تهدف من خلاله إلى تدمير كل المنطقة بهدف إعادة تنظيمها ومنع سكانها من العودة إليها، إلا أن ذلك لم يعد ممكناً منذ أيام، لكون المعارك تحولت إلى حرب شوارع، إذ باتت المسافات بين طرفي القتال قريبة، ولا تتعدى عشرات الأمتار، وهو ما يحول دون استخدام القصف الجوي. وفي شرق سورية، بدأ النظام معركة ضد "داعش" في منافسة مع "قوات سورية الديمقراطية" التي تحاول التقدم على حساب التنظيم في ريف دير الزور الغربي والجنوبي الغربي في محاولة لانتزاع أكبر مساحة ممكنة في تلك المنطقة. هذا فيما قُتل وجرح مدنيون سوريون أمس السبت، بانفجار سيارة مفخخة وسط مدينة الرقة، الخاضعة لسيطرة "قسد". وانفجرت السيارة عند ساحة الدلة، ما أدى بحسب حصيلة أولية إلى مقتل مدنيين اثنين، وإصابة عدد من المارة.
وبالتزامن مع التطورات الميدانية التي استطاع النظام من خلالها السيطرة على منطقتين من مناطق خفض التصعيد الأربع التي أقرتها اجتماعات أستانة، تستعد الدول الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، غداً لبدء جولة جديدة من اجتماعات أستانة، والتي يبدو من العبث الحديث في الجولة الجديدة منها عن محاولة ترميم اتفاق "خفض التصعيد" الذي يعتبر "الإنجاز" الوحيد لهذه الاجتماعات بعد أن أكلت الآلة الحربية للنظام وروسيا وإيران نصف المناطق المشمولة بهذا الاتفاق، أي الغوطة الشرقية، وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، ولم يبق إلا منطقتي إدلب وجنوب سورية، وهما منطقتان مرشحتان لاكتساح مماثل بالرغم من كونهما حدوديتين ومحميتين نوعاً ما بتفاهمات إقليمية ودولية. ويجري منذ بعض الوقت تداول معلومات وتكهنات بأن الاجتماعات بين روسيا وتركيا وإيران، سواء في أستانة أم خارجها، إنما الهدف منها التنسيق بين هذه الأطراف على توزيع مناطق النفوذ فيما بينها، بالتوازي مع التنسيق مع أطراف أخرى، خصوصاً أميركا وإسرائيل والأردن للغرض نفسه، وذلك بغية اقتسام المناطق السورية بين هذه الأطراف، فيذهب ما بيد المعارضة إلى النظام وروسيا وإيران، وما بيد الأكراد من مناطق حدودية إلى تركيا، بينما تهيمن الولايات المتحدة ومن تدعم على ما تبقى من مساحات بيد تنظيم "داعش" شرق البلاد، وسط حالة من التنافس مع قوات النظام، التي بدأت أمس السبت عملية عسكرية في ريف دير الزور للسيطرة على أوسع ما يمكنها من أراضٍ بيد التنظيم بعد أن سبقتها "قسد"، المدعومة أميركياً، في إطلاق معركة مماثلة في الشرق السوري.
وفي هذا الإطار، ذكرت معلومات أن قوات النظام السوري بدأت الانسحاب من نقاط تمركزها في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية بموجب تفاهمات بين تركيا وروسيا، وذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده بدأت استعداداتها من أجل "تطهير مناطق عين العرب، وتل أبيض ورأس العين والحسكة من الإرهاب". ويسيطر "حزب الاتحاد الديمقراطي" على معظم أجزاء الحسكة، إضافة إلى الريف الشمالي لمدينة الرقة وصولاً إلى منطقة منبج بريف حلب، بينما سيطرت القوات التركية، بالتعاون مع الجيش السوري الحر، على مساحات واسعة غربي نهر الفرات من تنظيمي "داعش" والمسلحين الأكراد في إطار عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". وحسب هذه المعلومات، التي أكدها ناشطون محليون، فإن النظام السوري سحب الجزء الأكبر من قواته، إلى جانب العتاد الثقيل، من نقاط عسكرية في مدينة الحسكة وريفها، بينما غادر غالبية ضباط النظام الحسكة عبر مطار القامشلي، فيما عزاه مراقبون إلى تفاهمات ما بين الدول اللاعبة في سورية، تقضي بانسحاب النظام كلياً من محافظة الحسكة على أن تنتشر قوات تركية أو مدعومة منها، على طول الشريط الحدودي السوري التركي بعمق 30 كيلومتراً، وذلك في إطار توافق على جعل إدلب والشريط الحدودي التركي السوري تحت رعاية تركيا، بينما تخضع الرقة وريف دير الزور الشرقي وصولاً إلى الحدود السورية الأردنية للنفوذ الأميركي، مقابل بقاء روسيا وايران في مناطق سيطرة النظام.
غير أن قاعدة حميميم الروسية عادت أمس لتوجيه رسائل عن احتمال شن عملية عسكرية في إدلب ما لم تقم "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام) بحل نفسها سلمياً. وذكرت القاعدة، على موقعها على الإنترنت، إن البيانات "أظهرت قيام مقاتلين من تنظيم جبهة النصرة الإرهابية في محافظة إدلب برفع تحصينات دفاعية في مناطق سيطرتهم تحسباً للهجوم العسكري المحتمل للقضاء على التنظيم المتشدد"، مضيفة أنها "تأمل بأن يقوم تنظيم جبهة النصرة بحل نفسه في المنطقة بطريقة سلمية بدلاً من اختيار المواجهة العسكرية، والتي ستكون كارثية على المنطقة المذكورة، وفقاً للتعهدات التي قطعتها موسكو بالقضاء على التنظيم المتطرف خلال هذا العام".
وفي كل الأحوال، فإنه من الواضح أن البلدان الثلاثة تسعى إلى زيادة التنسيق في ما بينها منعاً لأي خلافات قد تنشب، ودفاعاً عن مصالحها المشتركة، بينما تسعى المعارضة السورية إلى تحقيق أي مكسب عقب الخسائر الكبيرة التي منيت بها في الشهرين الأخيرين. ومع إدراكه بعدم جدوى الحديث عن التطورات على الأرض، التي باتت بيد الدول الكبرى ضمن تقاسم النفوذ، فقد يحاول وفد المعارضة السورية التركيز على قضية المعتقلين، على أمل أن يتمكن من تحريك هذا الملف بعد وعود روسية عديدة بهذا الشأن. كما تكتسب "الجبهة الجنوبية" أهمية في هذا الاجتماع في ضوء التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران على الأراضي السورية، وسط زيادة تحرشات النظام بالمنطقة وتحذيرات من عملية عسكرية محتملة هناك قد تكون بتوافق إقليمي أيضاً. وحسب بعض المصادر فإن روسيا قد تعمل بالتنسيق مع إسرائيل على إعادة ترتيب أوضاع المنطقة الجنوبية، متجاوزة اتفاق "خفض التصعيد" الذي سبق أن تفاهمت عليه مع واشنطن والأردن، بحيث يتم ضمان أمن إسرائيل وعدم انتشار المليشيات الإيرانية والحرس الثوري في تلك المنطقة، مقابل السماح للنظام ببدء حملة في ريفي درعا والقنيطرة لإنهاء المعارضة المسلحة وفتح الطريق الدولي إلى الأردن، مع ملاحظة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان في موسكو خلال "الرد الإسرائيلي" الواسع على عملية القصف التي قامت بها قوات إيرانية في سورية على الجولان السوري المحتل.