النظام السوري يراوغ في جنيف ويرفع وتيرة القتل ميدانياً

02 فبراير 2016
سالم المسلط وفرح الأتاسي ومنذر ماخوس بجنيف(فابريك كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعد رغبة النظام السوري ومن خلفه روسيا بإنهاء محادثات جنيف، مجرد تحليل، بل هي وقائع تؤكدها مراوغة وفد بشار الجعفري في سويسرا، وسلوك قوات النظام وروسيا في الأراضي السورية. وبين المراوغة والتصعيد الميداني لوتيرة القتل والحصار التجويعي، ينتظر أن يعلن عن انتهاء الجولة الأولى من المحادثات الفاشلة في جنيف يوم الجمعة، من دون أي تقدم سوى قضم قوات النظام المزيد من الأراضي المحروقة في الداخل السوري وارتفاع أعداد قياسية من الضحايا في حلب خصوصاً وعلى الحدود التركية، تحت إشراف الأمم المتحدة والتصريحات الأميركية التي لا تؤثر شيئاً على صعيد تجاهل تنفيذ أي من بنود القرار 2254 لخارطة الانتقال السياسي في سورية.

وضع اختصرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بالقول إن الإدارة الأميركية تتصرف بشكل "أخرق إزاء مفاوضات جنيف". وقالت المجلة إن واشنطن "بتذللها لروسيا وقبولها بقدرة (الرئيس السوري) بشار الأسد على الاستمرار في الحكم"، تكون قد حكمت تقريباً على الحرب في سورية بالاستمرار. واستبعدت المجلة إمكانية تحقيق نجاح في جنيف "ليس بسبب تعنت المعارضة (على حد تعبيرها)، بل لأن إدارة الرئيس باراك أوباما نفسها زادت من احتمالات فشل المفاوضات حتى قبل أن تبدأ، من خلال ميلها نحو الموقف الروسي فيما يتعلق بمصير الأسد، وقبولها بأنه قد يضطلع بدور في المرحلة الانتقالية، وهو ما أدى إلى تقويض إمكانية تحقيق نجاح، وأضر بمصداقية الولايات المتحدة، كما قلَّص من نفوذ أميركا في الشرق الأوسط".

وفي ظل تماسك وفد المعارضة، وإصراره على منع التفاوض حول وقف القتل وإخراج المعتقلين النساء من السجون وفك الحصار التجويعي عن المدن والبلدات، رفض المفاوضون المعارضون لقاء المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أمس الثلاثاء، ليصبح موعد الاجتماع المفترض، اليوم الأربعاء. وبعد لقاء دي ميستورا بوفد نظام بشار الأسد، خرجت مجموعة جديدة من المراوغات الفاضحة، بطلب رئيس الوفد، بشار الجعفري، لائحة بأسماء وفد المعارضة، وكأنه لا علم له فعلاً بالأسماء العلنية.

على ضوء ذلك، فإن المرحلة الأولى لن تشهد على ما يبدو أي انفراج، بينما لا يزال النظام يماطل بالحديث عن الإرهاب وقائمة المنظمات الإرهابية، فيما ينحصر الدور الأميركي في مناشدة النظام السوري لفك الحصار وإدخال المساعدات، وتتبع روسيا سياسة العصى والجزرة مع المعارضة، فتقصف وتدمر وترتكب المجازر، ثم تحاول الإيحاء بمظهر من يدفع إلى الحل السياسي، عبر تيسير مشاركة كل من "جيش الإسلام" وحركة "أحرار الشام" الإسلامية، رغم أن كبير المفاوضين في الهيئة، محمد علوش، لم يستشر الروس حين قدم، أول أمس، إلى جنيف، كاسراً الفيتو الروسي.

في غضون ذلك، أعلنت العضوة في وفد المعارضة السورية المفاوض، فرح الأتاسي، أن المعارضة ألغت اجتماعها مع الموفد الأممي، ستيفان دي ميستورا، أمس. وردا على سؤال قالت الأتاسي في تصريح صحافي "لا يوجد اجتماع مع دي ميستورا. قدمنا المطالب التي نريد أن نقدمها. لا نريد إعادة الكلام نفسه" مع موفد الأمم المتحدة.

على وقع هذه التصريحات، تابعت قوات النظام السوري تقدمها في محافظة حلب، وباتت على بعد كيلومترات من بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين من الفصائل المقاتلة المعارضة. ويترافق هذا التقدم مع تعرض منطقة ريف حلب الشمالي لقصف جوي روسي هو الأعنف، منذ بدء موسكو حملتها الجوية في سورية، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي. وتمكنت قوات النظام ومقاتلو حزب الله من السيطرة على بلدة حردتنين والتقدم باتجاه نبل والزهراء، غداة سيطرتهم على قريتي تل جبين الاستراتيجية ودوير الزيتون.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تكسر الفيتو الروسي وتنتظر رد النظام اليوم 

وعلقت عضوة الوفد المعارض، بسمة قضماني، على هذا التصعيد بالقول إن قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي "تشن هجمات في محافظة حلب غير مسبوقة منذ بدء الثورة"، قبل أن تتساءل: "هل هذا الأمر مقبول من المجتمع الدولي؟". وأضافت "نعتقد أن الوقت كان قصيرا لتمكين دي ميستورا من الحصول على شيء من الشركاء الدوليين ومن روسيا والنظام، لذلك سنعطيه يوما إضافيا" لتحقيق المطالب. وختمت قائلة "نبحث عن أي إشارة تتيح لنا القول للمشككين إن هناك بادرة أمل. لقد تناقشنا طويلا قبل القدوم إلى جنيف، لكن إذا استمر الوضع على ما هو عليه سنعطي كامل الحق للذين يقولون: العالم يسخر منا وسنعود للقتال".

في ظل الموقف السائد، يرى مراقبون أن مرحلة الحسم قد تبدأ في المرحلة الثانية، وما يجري الآن هو محاولة الاستمرار بالمحادثات، وإن لم تكن هناك نتائج متوقعة في المنظور القريب، يأتي ذلك مع صفعة تلقتها عدد من الشخصيات المقربة من النظام السوري، بعد إعلانهم أنهم تلقوا دعوة للمشاركة، وعندما قدموا إلى جنيف فوجئوا بأنه لا مكان لهم، فاضطروا للبقاء على نفقة النظام السوري.

وقالت مصادر معارضة مطلعة في جنيف، لـ"العربي الجديد"، إن المباحثات في جنيف لن يكون فيها أي جديد قبل الـ11 من الشهر الجاري، حيث من المزمع عقد لقاء بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش المؤتمر الوزاري لـ"المجموعة الدولية لدعم سورية"، في ميونيخ، في 11 الشهر المقبل، الذي يرمي إلى تقويم نتائج الجولة الأولى من المفاوضات ووضع أسس الجولة الثانية، والتي من المتوقع أن يتم خلالها التوافق على القضايا العالقة حول مسار المباحثات والمفاوضات التي انطلقت رسميا الجمعة الماضية، وعلى رأسها مشاركة الأكراد في هذا المسار، وبالتالي مشاركة مجلس سورية الديمقراطية.

في موازاة ذلك، لا يبدو إلى الآن أن المعارضة حصلت على أي تطمينات للبقاء في جنيف، خصوصاً أن الشروط الإنسانية التي تعتبرها المعارضة فوق مستوى التفاوض، يصرّ الجانب الأميركي والنظام السوري على أن تكون موضع نقاش، ما يشير إلى أن البندين الثاني عشر والثالث عشر من القرار الدولي لن يكون تنفيذهما بسهولة، خصوصاً أن دي مستورا حمل أفكار المعارضة التي أكدت على هذين البندين بالذات إلى وفد النظام في الأمس للتأكيد على تطبيقهما، وإلا فإن المعارضة لن تبقى أكثر من يوم الجمعة، موعد انتهاء الجولة الأولى.
 وعن هذا الوضع، أكد كبير المفاوضين عن الوفد المعارض محمد علوش، أمس الثلاثاء، أنه ليس متفائلا تجاه آفاق محادثات السلام المنعقدة في جنيف، مؤكداً أن الوضع على الأرض لم يتغير وأنه لا يشعر بالتفاؤل ما دام الوضع على هذا الحال، إذ إن النظام لا يبدي نوايا طيبة للتوصل إلى حل.

اقرأ أيضاً: ترجيحات بانتهاء الجولة الأولى من مفاوضات جنيف السورية الجمعة
المساهمون