04 مايو 2016
النزيف العربي وتغييب فلسطين
ما هو حاصل في أقطار عربية، منذ أكثر من أربع سنوات من تفاقم الحروب الأهلية والمذهبية، فضلاً عن تداخلاتها الخارجية، استنزف كثيرا من طاقات العرب وقدراتهم، بحيث إن هذه الأقطار باتت مهددة بالتفكك والانهيار الخطير. ففي العراق، تبدو الحكومة سجينة اللاحسم، ما يعزز حالة الاستباحة السائدة وما يستولده من تعاظم النزيف الكياني. كذلك الأمر في سورية، حيث بات مصير هذا البلد معلقاً، بعد أن شلت أزمته قدراته القومية التي كانت، في وقت ما، نقطة الثقل في المنطقة. وهكذا هي الحال وأسوأ، في اليمن الذي يعيش حالة من التفتت والدمار والعبثية. وليست ليبيا في وضع أفضل، حيث باتت عودة وحدتها عصية على الإنجاز.
أدى كل هذا النزيف الجاري إلى القوقعة الموزعة بين الطائفية والعرقية والمذهبية، بضغط الخوف والسعي إلى حماية الذات، بالعودة إلى الولاءات العصبية التي عززت حالة الاغتراب وفقدان كثير من الشعور بالالتزام الوطني، وكأن التشرذم الحاصل قد أفقد الناس الحد الأدنى من الانتماء الوطني والاجتماعي الأوسع، وبما عزز الشعور بأن مفهوم الدولة فقد شرعيته، وبالتالي، فعاليته والحاجة إليه.
بالإضافة إلى ذلك، كان من جملة انعكاسات هذا الوضع المستفحل، والممعن في التردي، أنه أضعف كل جوانب الالتزام القومي، وفي الطليعة الالتزام بقضية فلسطين، ودعم نضالات شعبها في وجه المخططات الإسرائيلية المتمادية في استباحتها أراضي فلسطين وحقوق شعبها. فحكومة اليمين الإسرائيلي تحاول جعل استقرارها فرصة لاستكمال مشروعها الصهيوني في فلسطين، من خلال إنشاء علاقات مع مؤسسات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي، لفك العزلة الدولية التي طالما حاصرتها. فالزيارة التي قامت بها مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، السيدة موغريني، إلى إسرائيل بعد الانتخابات وقيام الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، حاول نتنياهو توظيفها قائلاً إن "هناك مجالات لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، وغيرها تحت السيطرة الفلسطينية، وبالتالي نستطيع أن نتقدم باتجاه تفاهمات حول أي أراضٍ، نستطيع البناء فيها". فعلى الرغم من انتقادات أوروبية وأميركية لبناء المستوطنات، ما زال نتنياهو يتحدث عن بناء المزيد منها، ولا يكترث بمطالب الولايات المتحدة وأوروبا وقف البناء خارج نطاق المجمعات الاستيطانية.
قد تبدأ حكومة اقصى اليمين في إسرائيل مفاوضات فيما يتعلق بمراجعة قضايا الاستيطان، ربما لأن الاتحاد الأوروبي هدّد بفرض قيود، وربما عقوبات ضد إسرائيل، إذا توقفت عملية السلام. في هذا الشأن، أعطى نتنياهو السيدة موغريني ما يمكنها قوله إن هناك إمكانية للنقاش في موضوع المستوطنات. لكن الناطق باسمها قال إن هذا الاقتراح الذي طرحه نتنياهو ليس نقطة صالحة لاستئناف المفاوضات. وفي هذا الصدد، وصفت الدكتورة حنان عشراوي ما عرضه نتنياهو على الأوروبيين بأنه ليس سوى مناورة وتمرين مخادع سياسياً وقانونياً. وتابعت تقول إن قوننة تجمعات استيطانية هو محاولة مكشوفة لنهب مزيد من الأرض الفلسطينية.
صار لزاماً على القيادة الفلسطينية العمل على دقة المصطلحات التي تتعامل بها مع إسرائيل. في طليعة ما عليها والعرب، كما المجتمع الدولي عموماً، هو تجنب استعمال كلمة الاحتلال، عند وصف ما تمارسه إسرائيل في الضفة والقدس الشرقية. ذلك أن إمعان إسرائيل في التمدد الاستيطاني يعني أن هذه الأراضي ليست محتلة، بل هي أراض وضعت يدها عليها بالغزو والاستيلاء. فلو كانت الأراضي الفلسطينية محتلة، لكان التعامل مع إسرائيل لا بد أن يتم بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع القيام بأي تغيير في وضع هذه الأراضي. وبالتالي، فإن المستوطنات خرق لهذه الاتفاقية. وبالتالي، لا بدّ من شطب تعبير الاحتلال من الخطاب الفلسطيني والعربي. يستتبع هذا أن ما تسمى "المفاوضات" لا ينطبق مطلقاً على المباحثات العبثية التي ساهمت، ولو بدون قصد، في تمكين إسرائيل من استباحة الأراضي الفلسطينية.
أصيبت أولوية قضية العرب التي كانت الجامع بينهم بقدر من التراجع المؤسف، لأن هناك حالة من التخلي عن القضية، بل لأن الانشغال بهموم الحروب الأهلية والضياع وفلتان الضوابط والتقوقع قاد إلى استبدال حضور القضية بحضور أولوية البقاء، وبالتالي أولوية الولاءات التي تتعمق وتترسخ بشراسة، يوماً بعد يوم.
حان الوقت للخطاب العربي أن يستأنف لغته القومية الجامعة، ليساهم في الحفاظ على الروابط الأساسية الجامعة، وفي مقدمتها تجديد الالتزام بقضية فلسطين، وعودة الأمل الواقعي بالوحدة العربية. كانت فلسطين ولا تزال تمثل القاسم المشترك لمحاربة الغبن وكل النتوءات، ولا بدّ أن تبقى الدليل في هذه المسيرة.
بالإضافة إلى ذلك، كان من جملة انعكاسات هذا الوضع المستفحل، والممعن في التردي، أنه أضعف كل جوانب الالتزام القومي، وفي الطليعة الالتزام بقضية فلسطين، ودعم نضالات شعبها في وجه المخططات الإسرائيلية المتمادية في استباحتها أراضي فلسطين وحقوق شعبها. فحكومة اليمين الإسرائيلي تحاول جعل استقرارها فرصة لاستكمال مشروعها الصهيوني في فلسطين، من خلال إنشاء علاقات مع مؤسسات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي، لفك العزلة الدولية التي طالما حاصرتها. فالزيارة التي قامت بها مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، السيدة موغريني، إلى إسرائيل بعد الانتخابات وقيام الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، حاول نتنياهو توظيفها قائلاً إن "هناك مجالات لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، وغيرها تحت السيطرة الفلسطينية، وبالتالي نستطيع أن نتقدم باتجاه تفاهمات حول أي أراضٍ، نستطيع البناء فيها". فعلى الرغم من انتقادات أوروبية وأميركية لبناء المستوطنات، ما زال نتنياهو يتحدث عن بناء المزيد منها، ولا يكترث بمطالب الولايات المتحدة وأوروبا وقف البناء خارج نطاق المجمعات الاستيطانية.
قد تبدأ حكومة اقصى اليمين في إسرائيل مفاوضات فيما يتعلق بمراجعة قضايا الاستيطان، ربما لأن الاتحاد الأوروبي هدّد بفرض قيود، وربما عقوبات ضد إسرائيل، إذا توقفت عملية السلام. في هذا الشأن، أعطى نتنياهو السيدة موغريني ما يمكنها قوله إن هناك إمكانية للنقاش في موضوع المستوطنات. لكن الناطق باسمها قال إن هذا الاقتراح الذي طرحه نتنياهو ليس نقطة صالحة لاستئناف المفاوضات. وفي هذا الصدد، وصفت الدكتورة حنان عشراوي ما عرضه نتنياهو على الأوروبيين بأنه ليس سوى مناورة وتمرين مخادع سياسياً وقانونياً. وتابعت تقول إن قوننة تجمعات استيطانية هو محاولة مكشوفة لنهب مزيد من الأرض الفلسطينية.
صار لزاماً على القيادة الفلسطينية العمل على دقة المصطلحات التي تتعامل بها مع إسرائيل. في طليعة ما عليها والعرب، كما المجتمع الدولي عموماً، هو تجنب استعمال كلمة الاحتلال، عند وصف ما تمارسه إسرائيل في الضفة والقدس الشرقية. ذلك أن إمعان إسرائيل في التمدد الاستيطاني يعني أن هذه الأراضي ليست محتلة، بل هي أراض وضعت يدها عليها بالغزو والاستيلاء. فلو كانت الأراضي الفلسطينية محتلة، لكان التعامل مع إسرائيل لا بد أن يتم بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع القيام بأي تغيير في وضع هذه الأراضي. وبالتالي، فإن المستوطنات خرق لهذه الاتفاقية. وبالتالي، لا بدّ من شطب تعبير الاحتلال من الخطاب الفلسطيني والعربي. يستتبع هذا أن ما تسمى "المفاوضات" لا ينطبق مطلقاً على المباحثات العبثية التي ساهمت، ولو بدون قصد، في تمكين إسرائيل من استباحة الأراضي الفلسطينية.
أصيبت أولوية قضية العرب التي كانت الجامع بينهم بقدر من التراجع المؤسف، لأن هناك حالة من التخلي عن القضية، بل لأن الانشغال بهموم الحروب الأهلية والضياع وفلتان الضوابط والتقوقع قاد إلى استبدال حضور القضية بحضور أولوية البقاء، وبالتالي أولوية الولاءات التي تتعمق وتترسخ بشراسة، يوماً بعد يوم.
حان الوقت للخطاب العربي أن يستأنف لغته القومية الجامعة، ليساهم في الحفاظ على الروابط الأساسية الجامعة، وفي مقدمتها تجديد الالتزام بقضية فلسطين، وعودة الأمل الواقعي بالوحدة العربية. كانت فلسطين ولا تزال تمثل القاسم المشترك لمحاربة الغبن وكل النتوءات، ولا بدّ أن تبقى الدليل في هذه المسيرة.