الناجون يروون مآسي الهجرة

07 سبتمبر 2016
شاهدت بعينيّ جثثاً ترمى في البحر (غابرييل بويس/فرانس برس)
+ الخط -

تعتمد منظمة الهجرة الدولية على القصص المأساوية للمهاجرين الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا، بهدف تحذير أولئك الذين يخططون لخوض رحلة البحر المرعبة.

وفقاً لأرقام منظمة الهجرة الدولية، فإنّ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى القارة الأوروبية عن طريق البحر هو 284 ألفاً و473 شخصاً منذ بداية العام حتى نهاية أغسطس/ آب الماضي. من بين هؤلاء 117 ألفاً و590 شخصأ وصلوا إلى إيطاليا.

في تقريرها، تفيد المنظمة الدولية بأنّ بلاد المنشأ الرئيسية، بالنسبة لمن وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط، هي نيجيريا وإريتريا وغامبيا. كذلك، سجلت وفيات الغرق 3169 حالة في ارتفاع كبير عن الفترة ما بين مطلع 2015 ويوليو/ تموز 2015 حيث سجلت 1894 حالة وفاة غرقاً في الطريق إلى إيطاليا.

في هذا الإطار، تعتبر المنظمة الدولية أنّ "تهديداً يحدق بحياة هؤلاء البشر عبر رحلة محفوفة بالمخاطر، في قوارب غير مجهزة، ما يجعلهم معرضين للسفر الشاق واستغلال شبكات إجرامية منظمة على طول الطريق".

الحالة المزرية التي يعيشها هؤلاء البشر أثناء محاولة العبور من البلد الأصلي في اتجاه أوروبا، خصوصاً مع "تعرض الآلاف منهم لمخاطر عدة في ليبيا"، تدفع منظمة الهجرة الدولية إلى ابتكار طريقة جديدة لتحذير المهاجرين. الغرق والعطش والتعذيب والعنف هي عناوين للحملة التي أطلقتها أخيراً المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع إيطاليا، لإقناع عشرات الآلاف بالعدول عن مخططات الهروب عبر الصحراء وليبيا والإبحار إلى مسافات تصل إلى 300 كيلومتر. تفترض الحملة الموجهة إلى هؤلاء، في بلادهم الأصلية، أنّهم "لا يدركون المخاطر التي ستواجههم". ومن أجل إيصال الرسالة، تشرك إيطاليا ومنظمة الهجرة المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا سابقاً إلى البر الأوروبي برواية قصصهم ومعاناتهم أثناء رحلة الهروب الطويلة.

من جهته، يقول مدير منطقة البحر الأبيض المتوسط في المنظمة، فريدريكو سودا، إنّ "كثيرين لا يعرفون بالفعل أيّ مخاطر سيواجهون في رحلتهم من خلال مهربين، سواء عبر الصحراء أو في بلد الترانزيت (العبور) ليبيا والرحلة البحرية الطويلة". يعتقد سودا أنّ إعادة سرد "الظروف المهددة للحياة على طول طريق رحلة الهجرة، كانت دائماً من المحرمات التي لا يخوض فيها من عاشها. فهؤلاء يريدون نسيان ما مروا به والاستمرار في حياتهم الجديدة، فلا يتقاسمون مع أهاليهم ومعارفهم في الوطن الأم خبراتهم وتجاربهم القاسية".




بناءً على ذلك، اختار القائمون على حملة التوعية بمخاطر الهجرة من شمال أفريقيا عبر المتوسط، أن يشركوا هؤلاء الذين وصلوا إلى إيطاليا وغيرها عبر قصصهم الشخصية التي تروى بلغاتهم من خلال مقاطع فيديو. ويتحدث أصحاب التجارب المؤلمة، الذين بقوا على قيد الحياة، في تلك المقاطع عن كثير من الأهوال التي عاشوها طوال طريق الرحلة بحراً أو في الصحراء.

إحدى الشهادات المصورة تروي قصة ديجونا (28 عاماً)، التي فقدت صديقتها غرقاً أثناء رحلة البحر. تقول: "في عرض البحر لا ملاذ آمناً. ليس هناك سطح سفينة ولا طوق نجاة تحتمي به، لا مكان تذهب إليه، ولا أشجار تعتليها". تذكر المنظمة أنّ هذه الشابة تعرضت إلى أهوال الاعتداء عليها وتعذيبها في ليبيا أيضاً.

في اتصال لـ"العربي الجديد"، بأحد موظفي المنظمة الدولية في مكتب البحر الأبيض المتوسط، حول الهدف من هذه الحملة، يذكر الموظف، الذي نتحفظ عن ذكر اسمه بناءً على رغبته، أنّ "معاناة الذين يحاولون الهجرة تستحق أن تروى، لأنها بالفعل أهوال حقيقية تلك التي يتعرض لها هؤلاء، أقلها الاختفاء والموت والاعتداء". وما يأمل به القائمون على هذه الحملة التوعوية "إثارة انتباه هؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم من أفريقيا تجاه حقيقة ما ينتظرهم، قبل أن يكتشفوا، من خلال الثمن الباهظ الذي سيدفعونه، كيف أنّ الحلم يمكن أن يتحول إلى كابوس وصدمات"، بحسب الموظف.

الأمر عينه يؤكده وزير الداخلية الإيطالي أنجيلينو ألفانو بعد إطلاق الحملة بالقول: "العنف الجنسي، وإساءة معاملة الأطفال، ومخاطر الموت غرقاً، كلّها أمور تستحق أن يتنبّه لها المهاجرون المحتملون". ووفقاً لأرقام المركز العالمي لتحليل بيانات الهجرة (GMDAC)، عن النصف الأول من عام 2016، فإنّ عدد الذين اختفوا أو غرقوا "زادوا بنسبة 23 في المائة عن أعداد العام 2015".

وفي شهادة موثقة خاصة بـ"العربي الجديد"، يذكر "سعيد" حقيقة ما يتعرض له اللاجئون من "فظائع لا يمكن لعقل أن يتخيلها، فمنذ اللحظة التي تضع نفسك فيها في يد المهرب تصبح في ليبيا ملكاً لعصابات تبيعك وتشتريك. عملياً، نحن بالنسبة لهؤلاء عبارة عن بضائع ولسنا بشراً. نكون عرضة لرعب حقيقي ريثما يجري تحميلنا في قارب يبدو أنّه جيد، لكن بعد الإبحار مسافة ليست طويلة تبدأ المعاناة، إذ عليك أن تقفز في الماء ليجري نقلك إلى قارب آخر متهالك ومكتظ بالبشر، صغاراً وكباراً ومن كلّ الجنسيات". يتابع: "يحمل مهربون أسواطاً يجلدون بها من لا ينفذون الأوامر أو من يحتجون. الأفارقة يتعرضون إلى أقسى أنواع المعاملة، كأنّك أمام فيلم سينمائي عن زمن العبودية. شاهدت بعينيّ جثثاً ترمى في البحر لمن قتلوا أو ماتوا خنقاً".

المساهمون