الموصل وبغداد وداعش

18 يونيو 2015
+ الخط -
استذكر العالم والعراقيون اكتمال عام لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، في العاشر من يونيو/حزيران 2014، الحدث الذي جعل العالم يفيق على واقع جديد، وموازين قوى فرضت أجندتها عسكرياً على الأرض، وعلى الواقع السياسي العراقي، بالشكل الذي جعل من إسقاط حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، أمراً حتميا من جهة، وهزّت أركان العملية السياسية التي تتمسك بها جهات عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة، من جهة ثانية. 
منذ الأيام الأولى، وفي غمرة المفاجأة، والنشوة أيضا لمقاتلي التنظيم، أعلن قادة بارزون فيه أن هدفهم الأهم ليس الموصل أو سواها، لكن الهدف النهائي، وثمرة كل مساعيهم بغداد، وكانوا كلما مرّوا بمدينة، وتمكّنوا من بسط نفوذهم عليها، كانوا يقولون لأعيانها "هدفنا بغداد".
وعلى الرغم من الحشد الدولي الذي تتزعمه واشنطن، و(الحشد الشعبي) الذي تقوده طهران، فإن تنظيم الدولة الإسلامية مضى بشكل حثيث نحو تحقيق أهدافه، ولم يواجَه بقوى حقيقية قادرة على إيقاف زحفه جنوباً، حيث العاصمة العراقية، فكانت المدن، في محافظة صلاح الدين وبعدها، أو معها، مدن محافظة الأنبار، تتهاوى أو تستقبل قواته، بالشكل الذي باتت مناطق نفوذه تمتد إلى مساحة تعادل ثلث مساحة العراق، وفي بيئة وحاضنة شعبية، عانت الأمرّين، من سوء إدارة الحكومات المتعاقبة، بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وخصوصاً خلال حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي.
 
ونتيجة حتمية لتقدم قوات تنظيم الدولة نحو العاصمة بغداد، ولأن الأخيرة تمثل عقدة تاريخية وسياسية كبيرة لجميع الأطراف، كان القرار الإيراني بنقل المعارك بعيداً عنها، هناك في تكريت، وظنّ الجميع أن هذا التدخل، وتلك المعارك ستكون بداية أفول تنظيم الدولة في العراق. لكن، ما جرى على الأرض لم يكن كذلك بشكل جازم، فبينما تباهت مليشيات (الحشد الشعبي) بتحقيق انتصارات في تكريت وبيجي، عاد التنظيم ليمسك أهم مرفق في بيجي، وعصبها الاستراتيجي اقتصاديا، ذاك هو مصفى بيجي، وعادت المعارك تدور في أطراف تكريت، وفي مناطق يفترض أن تكون (محررة) منذ فترة طويلة، مثل منطقة (المكيشفية قرب سامراء)، وبدأ ذوو مقاتلي (الحشد الشعبي) يستلمون جثامين مئات من أبنائهم، فيما يرقب الآخرون المصير المجهول لهم في معارك تدور رحاها، بقوة وعنف وإصرار، مع تنظيم يبحث رجاله عن شيء واحد فقط هو الموت.
وقبل أن يستذكر العالم الذكرى الأولى لسيطرة تنظيم الدولة على الموصل وصلاح الدين، عاد التنظيم ليحدث مفاجأته الثانية، تلك هي السيطرة على مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار المنيعة، والتي تبعد 100 كلم عن العاصمة بغداد. وكما كانت ردود الأفعال عند سقوط الموصل بيد التنظيم، كانت كذلك مع سقوط الرمادي، وعقدت الاجتماعات، وتدخلت إيران ثم الولايات المتحدة، وتعالت الأصوات، مطالبة بتمكين (الحشد الشعبي) من إدارة المعارك، بشكل مباشر، وسط مخاوف دولية ومحلية من هذا الأمر، ثم عقد مؤتمر باريس واجتماع الدول الصناعية في برلين، الكل مشغول بإيجاد مخرج للمشكلة، وبحث وسيلة استعادة الرمادي. لكن، ما يشغل تنظيم الدولة شيء آخر، لا علاقة له بكيفية الحفاظ على الرمادي وسواها من مدن الأنبار، ذاك هو القفزة الجديدة، وربما الأخيرة، نحو الهدف المرجو من كل هذه الجهود والعمليات العسكرية، ذاك هو بغداد.
تشير كل تقييمات الخبراء العسكريين والاستراتيجيين إلى اعتماد تنظيم الدولة أسلوب فتح جبهات قتال عديدة حول محيط بغداد، بالإضافة إلى المدن التي هي، في الأصل، تحت سيطرته مثل، الفلوجة والكرمة وحصيبة ومحيط الحبانية والخالدية وغيرها. كل هذه المدن تبعد بحدود 15 – 30 كلم عن العاصمة العراقية، وهي، من الناحية العسكرية والتعبوية، تعتبر مطارق تفضي، في نهاية الأمر، إلى إرخاء القبضة العسكرية المدافعة عنها. لكن، من يعرف طبيعة الفكر السوقي لتنظيم الدولة، ومن درس أسلوب عملهم التعبوي والعملياتي، يظن بشكل مدّعم بتجارب سابقة له، أن قوات هذا التنظيم باتت قريبة جداً من بلوغ هدفها النهائي المعلن، وأن هذا البلوغ لن يأتي من خرق عسكري من مناطق حزام العاصمة، بل ستكون المفاجأة الأكبر لتنظيم الدولة (بحسب المراقبين لأسلوبه) هي تمكّنه من العاصمة (بغداد) من داخلها، وليس عبر أي طريق آخر.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن