باتت معركة الموصل بحكم المنتهية، فالقوات العراقية مدعومة بوحدات أميركية برية وغطاء جوي واسع من طيران التحالف الدولي، حققت تقدماً واضحاً، مع تلاشي رقعة سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المدينة. كما أكدت قيادات عسكرية أن "الموضوع بات مجرد مسألة وقت، إلا أن هناك قلقاً أكبر في بغداد، مع تتالي اجتماعات الحكومة مع قيادات الجيش والشرطة، بسبب ورود معلومات حول ردة فعل عنيفة للتنظيم على خسارته المدينة الأهم لديه في العراق، التي اعتبرها عاصمة خلافته منتصف عام 2014. وحتى مساء أمس الأحد، بلغ عدد الضحايا المدنيين في معركة الساحل الغربي، المعروف باسم الساحل الأيمن، للموصل أكثر من 500 قتيل وجريح، معظمهم نساء وأطفال. كما أن آخرين ما زالوا تحت الأنقاض، ويقدّر عددهم بالعشرات نتيجة القصف الجوي والمدفعي على أحياء مختلفة منها، بينما ارتفع عدد النازحين إلى نحو 45 ألف مواطن يعاني معظمهم من الجوع والبرد.
ميدانياً، تمكنت القوات العراقية المشتركة مدعومة بالوحدات الأميركية المنتشرة في محاور عدة وبغطاء واسع من مقاتلات التحالف الدولي، من إحراز تقدم واضح في معركة استعادة السيطرة على الشطر الثاني من المدينة. وأشارت مصادر عسكرية عراقية، بينها ضباط، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القوات المشتركة تمكنت من السيطرة على مناطق جديدة". وكانت القوات العراقية قد تقدمت من ثلاثة محاور نحو أحياء الدواسة والدندان وتل الرمان، التي تضم المجمع الحكومي ومؤسسات رسمية أخرى بدعم جوي ومدفعي من قوات التحالف الدولي. ووفقاً للمصادر ذاتها، فقد "تمكنت القوات العراقية خلال الأيام العشرة الماضية، من السيطرة على أحياء الجوسق والمأمون والطيران ووداي حجر، لتتوقف بشكل اضطراري في أغلب المحاور ليومين بسبب سوء الأحوال الجوية. وذلك قبل أن تعاود، فجر أمس، هجومها مجدداً، الذي تمكنت خلاله من إقامة خطوط الصد وتأمين المناطق التي سيطرت عليها، بالإضافة إلى إفساح المجال أمام العائلات التي كانت تخرج من مناطق سيطرة داعش باتجاه القوات العراقية".
وتعرّضت القوات العراقية خلال اليومين الماضيين لهجمات مضادة نفذها العشرات من "الانغماسيين" لدى "داعش"، ترافقهم مركبات مفخخة يقودها انتحاريون استهدفت قطعات قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية في أحياء الجوسق والطيران ووادي حجر، ما أدى لوقوع قتلى وجرحى وخسائر مادية لدى المهاجمين.
من جهته، ذكر العقيد عبد الرحمن الخزعلي، من قوات الشرطة الاتحادية، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات عراقية بدأت في وقت مبكر، أمس، بالتقدم باتجاه حي الدندان، الذي يقع في الجهة الغربية للموصل والمحاذي لنهر دجلة، في محاولة لاستعادته من سيطرة داعش، انطلاقاً من حي الجوسق". كما أعلنت قوات التدخل السريع أن "قطعاتها تقدمت من محور آخر باتجاه حي الدواسة، متقدمة من حي الطيران، وأن معارك عنيفة جرت بين القوات العراقية وعناصر داعش بين أزقة الحي".
في موازاة ذلك، أفاد العقيد مرتضى التميمي، من قوات جهاز مكافحة الإرهاب، بأن "قوات جهاز مكافحة الإرهاب تحركت هي الأخرى باتجاه منطقة تل الرمان، الواقعة وسط الجانب الغربي لمدينة الموصل، للسيطرة عليها وإحكام الطوق على منطقة الموصل القديمة، التي تضمّ أهم أحياء الموصل الغربية، ويقع فيها مبنى محافظة نينوى ومبنى قيادة الشرطة وغيرها من المؤسسات الحكومية".
وقد شهدت معارك الموصل تعاظم دور قوات التحالف الدولي للتسريع في عملية تقدم القوات العراقية نحو مركز المدينة، مع مواصلة طائرات التحالف الدولي قصفها خطوط دفاعات تنظيم "داعش" والعربات المفخخة التي كانت تتأهب لمهاجمة القوات العراقية. وقد أشارت مصادر عسكرية عراقية إلى أن "طائرات الأباتشي الأميركية رافقت تقدم قطعات قوات الشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع وقوات جهاز مكافحة الإرهاب واستمرت في إطلاق الصواريخ نحو مناطق سيطرة داعش".
وقد نجحت قوات الجيش العراقي في وقت سابق في إحكام الطوق العسكري المفروض على الجانب الغربي لمدينة الموصل بعد أن تمكنت من فرض سيطرتها على المدخل الغربي للمدينة، والسيطرة على الطريق الرابط بينها وبين مدينة تلعفر.
وحول ذلك، أكد العقيد الركن فالح الطائي، من قيادة عمليات نينوى، لـ"العربي الجديد"، أن "أكثر من 30 في المائة من ساحل الموصل الغربي، بات تحت سيطرة قوات الجيش، بينما بلغ مجموع سيطرة الجيش العراقي والقوات الأخرى على عموم مدينة الموصل بشطريها الشرقي والغربي أكثر من 65 في المائة". وكشف أن "أحياء تل الرمان والطوب والكوار وتل كيصومة ووادي حجر والطيران والمستشفى الألماني ودور السكر ومجمع عين العراق والجوسق، كلها باتت تحت السيطرة الكاملة، فضلاً عن مطار الموصل ومعسكر الغزلاني".
في غضون ذلك، ذكرت مصادر في الحكومة أن "اجتماعات مكثفة تجريها قيادات أمنية وعسكرية بحضور رئيس الوزراء (حيدر العبادي)، لمناقشة الوضع الأمني في بغداد ومدن جنوب العراق، بعد ورود معلومات تشير إلى احتمالية تنفيذ التنظيم هجمات عنيفة في تلك المناطق كردة فعل على خسارته الموصل". ووفقاً لمسؤول رفيع في الحكومة، فإنه "جرى اعتماد توصيات عدة ليلة السبت، تتعلق بزيادة الإجراءات الأمنية في بغداد"، مبيّناً أن "التنظيم سيحاول لفت الأنظار عن خسارته الوشيكة للموصل بتفجيرات دموية تستهدف المدنيين".
وحول الأوضاع الإنسانية داخل الموصل، كشفت مصادر طبية عن "تضاعف حصيلة القتلى من المدنيين بسبب العمليات العسكرية التي تشهدها المدينة". وقال طبيب في الموصل إن "14 مدنياً لقوا حتفهم بغارة جوية استهدفت مركبة مفخخة كانت مركونة قرب منازل مأهولة بالسكان في منطقة النبي شيت، وسط الموصل"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "عدد الضحايا المدنيين ارتفع إلى 504 قتلى وجرحى خلال 10 أيام".
وكشف أن "الكوادر الطبية لديها بلاغات من مصادر محلية تفيد بوجود جثث عشرات المدنيين تحت أنقاض المنازل التي دمّرتها غارات التحالف الدولي، والعمليات الانتحارية التي ينفذها عناصر تنظيم داعش وسط الأحياء السكنية باستخدام مركبات عسكرية تحمل حمولات كبيرة من المتفجرات شديدة الانفجار. وقد تعذر على الكوادر الطبية الوصول لهذه الجثث بسبب خطورة المناطق واستمرار الاشتباكات". كما أعلن مصدر محلي في مدينة الموصل أن "قصفاً استهدف مدرسة أبي هريرة بمنطقة المحطة في الجانب الأيمن من الموصل، أودى بحياة عدد من النازحين الذين لجأوا إليها بعد فرارهم من منازلهم".
في غضون ذلك، وصلت آلاف الأسر النازحة من مختلف مناطق غرب الموصل إلى أماكن سيطرة القوات الأمنية جنوبي الموصل، وسط ظروف مناخية صعبة. وقد جرى استقبالهم في مراكز التدقيق الأمنية بعد عزل النساء والأطفال عن الرجال لغرض التدقيق في هوياتهم والبحث عن عناصر تنظيم "داعش"، الذين يعتقد خروجهم على هيئة نازحين مع العائلات النازحة.
من جهته، قال العميد سليمان هاشم، من قوات الجيش، إن "أكثر من 4 آلاف عائلة وصلت خلال اليومين الماضيين إلى مناطق سيطرة القوات العراقية في جنوب مدينة الموصل، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن".
وقد وجهت جهات سياسية أصابع الاتهام بالتقصير والتلكؤ للأجهزة الحكومية في طريقة تعاملها مع أزمة النزوح الكبيرة التي تشهدها الموصل. وأشار النائب عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري، في تصريح صحافي، إلى أن "المخيمات التي أقامتها المنظمات الدولية ووزارة الهجرة والمهجرين العراقية في مدينة القيارة، تعاني من نقص كبير في الخدمات وقلة عدد الخيم المخصصة لإيواء العائلات النازحة". ودعا الحكومة إلى "تقديم يد العون وتشكيل خلية أزمة عاجلة للتعامل مع كارثة النزوح الكبيرة التي يعاني منها سكان الموصل".
كما أوضحت منظمة الهجرة الدولية، في بيان لها أمس، أن "عدد النازحين ارتفع إلى أكثر من 45 ألف شخص منذ بدء الهجوم الذي تنفذه القوات العراقية لاستعادة الجانب الغربي من مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش". وأوضحت أن "قسماً كبيراً من هؤلاء النازحين الذين توافدوا منذ انطلاق العملية في 19 شباط/ فبراير الماضي، توجهوا إلى مخيمات أقيمت في محيط الموصل".