غيب الموت الفنان الفلسطيني سمير سلامة، أمس الخميس، في العاصمة الفرنسية باريس حيث يقيم، بعد سنوات من مشواره مع الرسم. وأكد الخبر "متحف جامعة بيرزيت".
وأصدر المتحف بياناً استعرض فيه مسيرة سلامة الفنية وحياته الشخصية بين عواصم عدة. سلامة ولد في مدينة صفد عام 1944، واضطر إثر النكبة الفلسطينية إلى الانتقال برفقة أسرته نحو بلدة مجد الكروم في الجليل في الداخل الفلسطيني، حيث كانت تسكن عمته، ومنها إلى بنت جبيل اللبنانية.
وبحث والد الفنان سلامة في البلدة اللبنانية عن معارفه الذين كان يعمل معهم في نقش الحجر. ومكث معهم فترة قصيرة، لكنه تابع مشواره إلى بيروت ثم دمشق التي غادرها جنوباً نحو درعا. وبعد أشهر على الترحيل القسري، أقام سلامة في دير للطائفة المسيحية في درعا قبل أن تستأجر العائلة بيتاً إلى جواره.
بدأ سمير سلامة بالرسم مبكراً، وأخذ يرسم وجوه زملائه في المدرسة حتى انتشر نبأ موهبته وقدرته على تطويع خطوط قلم الرصاص. وقد أغرم سلامة بالرسم الذي خطفه أحياناً من الانتباه لدروسه، ولم يفلت من الضرب عندما كان يضبط وهو يخربش على دفاتره، إلا أن ذلك شكل بالنسبة له تحدياً ودفعه إلى الإصرار على مواصلة الرسم. فباتت خطوط الطالب الصغير وسيلة إيضاحية لبعض الدروس على اللوح المدرسي، فيما نالت لوحاته جوائز المسابقات المدرسية.
نال سلامة التشجيع فيما بعد من مدرس الفن حتى بدأ ينسخ اللوحات ويحضر الألوان ويمزج بودرة مواد الطراشة ليستخدمها في الرسم. وقد كان للفنان السوري، أدهم إسماعيل، دوراً في وضع سلامة على السكة الصحيحة في مجال فنون الرسم، كما أسهم في اختياره كلية الفنون الجميلة في "جامعة دمشق".
أنهى دراسته الجامعية عام 1972، وانتقل إلى بيروت حيث التحق بـ "دائرة الإعلام الموحد" التابعة لـ "منظمة التحرير الفلسطيني". وأسهم طوال ثلاث سنوات في صياغة البوستر السياسي استجابة لمتطلبات المرحلة، كما شارك في معارض جماعية في بيروت، وكذلك في معارض عالمية عديدة باسم فلسطين المحتلة.
وأسس قسم الفنون التشكيلية في "دائرة الإعلام الموحد"، وأسهم في نشاطات الإطار النقابي للفنانين التشكيليين الفلسطينيين برئاسة إسماعيل شموط الذي أصبح الأمين العام الأول لـ "اتحاد الفنانين التشكيليين العرب".
في ربيع عام 1975 وصل سلامة إلى باريس لمتابعة دراسته العليا في كلية الفنون الجميلة "بوزار". حين تسلم بطاقة إقامته اكتشف على أوراقها أن مكان ولادته صفد بات مدينة في إسرائيل، فاعترض على ذلك حتى تسلم بطاقة جديدة سقطت منها إسرائيل، لكنها عرفت جنسيته كـ"غير محدد". إلا أن سلامة لم يتنازل وخاض بعد ذلك بسنوات حرباً لاعتماد صفد فلسطين كمكان ولادته في جواز سفره الفرنسي، وكان له ذلك في سابقة مهمة نجح في تحقيقها.
بعد أن أنهى سلامة تعليمه واستقر في فرنسا، تسلم وظيفة لمدة ثلاث سنوات في مجال التصميم والغرافيك في قسم المطبوعات العربية في مقر "اليونيسكو"، ثم عمل مدرساً لمدة ثلاث سنوات في برنامج الرسم المفتوح في جامعة "جوسيو" الباريسية، كما ساهم في تشكيل مجموعة "فنانون من أجل فلسطين".
شارك في عدد من المعارض الفنية أبرزها أصيلة في المغرب والقاهرة وعمان وغيرها من العواصم العربية والأجنبية وأيضاً في المعارض الداخلية في المدن الفرنسية.
تعاون مع سفير فلسطين في فرنسا، عزالدين قلق، وأنتج بتشجيعه مجموعة جيدة من الملصقات السياسية، وبعضها كانت من ضمن الستين ملصقاً فلسطينياً التي عرضت عام 2015 على جدران المركز الثقافي Jour et Nuit وسط العاصمة الفرنسية، بتنظيم من "المنتدى الفلسطيني للثقافة والإعلام في باريس"، إلى جانب ملصقات سليمان منصور وفتحي الغبن وناجي العلي وغيرهم من الفنانين الفلسطينيين والعالميين.
وسلامة تعاون مع السفير في بلورة فكرة إقامة متحف للفنون ومعرض دولي من أجل فلسطين الذي أقيم في بيروت بإشراف التشكيلية منى السعودي، ثم انتقل إلى طوكيو في اليابان قبل أن يعود إلى بيروت وتتعرض لوحاته للتدمير بفعل قصف الطيران الحربي أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو/حزيران 1982.
وصل سمير سلامة إلى فلسطين المحتلة مطلع عام 1996، وعاد إلى مسقط رأسه صفد للمرة الأولى، لكنه فشل في العثور على بيته واستعادة تاريخ طفولته على وقع المكان وحكايات والده ووالدته.
في رام الله تسلم قراراً رئاسياً بتعيينه مستشاراً في وزارة الثقافة، فعمل لمدة عامين في التصميمات الفنية لـ "مستشفى خانيونس" التابع لـ "جمعية الهلال الأحمر"، قبل أن يعود إلى رام الله للإشراف على "دائرة الفنون" و"صالة الحلاج" وبعض المعارض.
عام 2005، بعد أربعة عقود من الممارسة التشكيلية وعشرات المعارض في المنفى، أقام سلامة معرضه الأول في فلسطين.
وقد أخذت لوحات الفنان سمير سلامة في البدايات منحًى واقعياً سرعان ما تحول عنه إلى التجريدي، وقد ألهمته مدينة معلولا في سورية إلى ذلك، كما يعيد ويذكر دائماً، حيث باتت لوحة "حديقة معلولا" التي أنجزها في التسعينيات التي تتأرجح ما بين التصويرية وما بين التجريد نقطة تحول في مسيرته الفنية. أما تجاربه الباريسية فقد حثته على الاستمرار بالمنحى التجريدي وألقت على ذائقته اتساعات لرؤيا أكبر لمعاني الفن والتشكيل.