الموت ليس واحداً

16 أكتوبر 2014
+ الخط -
ليست الحرب الأهلية في ليبيا ببساطة تتيح التقسيم النمطي بين فسطاطَي قوى الثورة من جهة، والثورة المضادة من جهة ثانية. هي أعقد بكثير من ذلك، إذ تتشابك فيها عناصر مناطقية وعشائرية وعرقية وخارجية، فضلاً عن عامل موجود بالفعل، يتمثل في واقع أن القوى المنضوية في التحالف السياسي العسكري لـ"عملية الكرامة"، التي يقودها اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، ينتمي جزء وازن منها إلى فئة رجال النظام السابق، وأنّ جزءاً كبيراً من قوات فجر ليبيا ومجلس شورى ثوار بنغازي، هم من العامود الفقري لثورة فبراير/شباط 2011.

صحيح أن محور الدول العربية المؤيد بالكامل لحفتر ولحلفائه، في السياسة والتسليح والتدريب، هو الأب الشرعي للثورة المضادة، في ليبيا وغير ليبيا، إلا أن اختزال الحرب في عامل واحد فقط، غير كفيل بفهم خريطة العنكبوت الليبية التي تدنو من صفة العبثية.

لا ينافس التزوير الذي يسببه ذلك الاختزال، إلا تقسيم المعسكرين بين جماعة الدولة من جهة، وجماعة التنظيمات الإرهابية الإسلامية من ناحية ثانية، على ما يذهب إليه خطاب حفتر وأدبيات حلفائه في الداخل، وفي مصر والإمارات...

زيف التقسيم العامودي ذاك على طريقة أسود وأبيض، اعترفت به دول معروف عنها أنها لا تحب الإسلاميين أبداً، كالجزائر، صاحبة الخبرة الطويلة مع النزاعات المسلحة ضد التنظيمات الجهادية. هكذا، عندما يدعو حفتر إلى هبّة شعبية ضد "المتطرفين والإرهابيين" بدءاً ببنغازي، المعروفة بطغيان وجود الإسلاميين فيها مقارنة مع طرابلس، فإنه يزيد في غرز مسمار الحرب الأهلية القائمة بالفعل، ويعمّق من مشاعر الحاجة إلى التقسيم، الموجودة بالفعل أيضاً، وكأن الطرف الآخر تنقصه الدوافع، خصوصاً في بنغازي، ليرتفع عدد الانتحاريين في صفوفه، هم المقتنعين أيضاً بأنهم يخوضون حرباً في سبيل الله والجهاد.

إن كانت تونس تمثل بارقة الأمل في محطة الانتفاضات العربية، فإنّ ليبيا إنما تكرّس الهزيمة بكل أشكالها. يرغب جماعة الثورات المضادة أن يسمعوا كلاماً مماثلاً ليقولوا لنا إنهم كانوا على حقّ بأن الأنظمة المخلوعة كانت أفضل الممكن. لكن ثرثرة من هذا النوع لم تعد تقنع الليبيين حتى بأن أي شيء أفضل ممّا كان، فإن تموت حرّاً، أفضل من الموت عبداً.
المساهمون