الموت البطيء يحكم غزّة

04 نوفمبر 2014
المماطلة الإسرائيليّة في تطبيق اتفاق التهدئة كانت متوقعة (الأناضول)
+ الخط -

تتفاقم معاناة الفلسطينيين في غزة، يوماً بعد يوم، منذ توقيع اتّفاق التهدئة في 26 أغسطس/ آب الماضي، والذي علقوا عليه آمالاً كبيرة لحلّ أزماتهم الخانقة نتيجة الحصار الإسرائيلي على مدار سبعة أعوام، والعدوان الإسرائيلي الأخير الذي شرّد عشرات الآلاف، ورفع نسبتي البطالة والفقر، ودمر آلاف المنازل والمنشآت الصناعيّة والتجاريّة.

ويقول رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع إلى قطاع غزة، رائد فتوح، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحصار الإسرائيلي لا يزال قائماً، فالحركة التجاريّة لم تتغير بالمطلق، منذ انتهاء الحرب، باستثناء السماح بدخول دفعة واحدة فقط من مواد البناء قبل نحو شهر". ويوضح فتوح أن معبر كرم أبو سالم، جنوبي القطاع، كان يعمل منذ انتهاء الحرب كما كان قبلها، فهو يُفتح لتوريد المساعدات والبضائع الغذائيّة وكميّات محدودة من الوقود وغاز الطهي، ومواد بناء خاصة لمشاريع المؤسّسات الدوليّة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، "أونروا"، وذلك قبل قرار أصدرته السلطات الإسرائيليّة، أمس الأحد، بإغلاق هذا المعبر، إضافة إلى معبر بيت حانون. ويحتاج قطاع غزة، وفق المصدر ذاته، إلى قرابة 800 ــ 900 شاحنة يومياً من السلع، لكنّ الاحتلال الإسرائيلي لم يكن يسمح إلا بإدخال 300 شاحنة يومياً فقط، أي ما يعادل 30 في المائة من الاحتياجات الرئيسيّة. ويشير إلى أنّ نحو 70 في المائة من السلع الرئيسية، كمواد البناء والوقود والمواد الخام وغيرها، لا تُورَّد إلى القطاع.

وعلى صعيد معابر الأفراد، لا تزال إجراءات سفر الفلسطينيين في غزة معقّدة، خصوصاً بعد ابلاغ الجانب المصري الجانب الفلسطيني بإغلاق معبر رفح بشكل كامل و"حتى إشعار آخر"، بسبب الأحداث الأمنية في سيناء، ومن "دون تحديد فترة زمنية معينة لإغلاقه"، وفق ما يؤكّد مدير هيئة المعابر والحدود التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة، ماهر أبو صبحة، لـ"العربي الجديد". ويتوقّع الأخير أن "تطول فترة إغلاق معبر رفح، الأمر الذي سيزيد من معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، علماً بأنّه يُعدّ منفذهم الوحيد نحو العالم الخارجي". ويوضح أبو صبحة أنّ "الظروف ستكون صعبة خلال الأيام المقبلة"، مشيراً إلى أن "المعبر كان يعمل خلال الأيام الماضية بشكل جزئي، إذ أن السلطات المصريّة لم تكن تسمح إلا بسفر أصحاب الإقامات وحملة الجنسيّات الأجنبيّة والمرضى والطلاب فقط.

في موازاة ذلك، تتواصل معاناة الصيادين الفلسطينيين، على الرغم من سماح البحرية الإسرائيليّة لهم بالعمل في مساحة 6 أميال بحريّة، لكنّهم ما زالوا يتعرضون لإطلاق نار، واعتقالات ومصادرة معدّاتهم بشكل شبه يومي، إلى جانب عدم تنفيذ نص الاتفاق بإطالة المسافة البحريّة إلى 9 أميال ثم 12 ميلاً.
وفي هذا السياق، يقول نقيب الصيادين الفلسطينيين، نزار عايش، لـ"العربي الجديد"، إنّه منذ انتهاء الحرب، سمحت إسرائيل للصيادين بالعمل في مساحة 6 أميال بحريّة، لكنّها لا تزال تضيّق عليهم وتمنعهم من العمل بحريّة. ويضيف: "خلال الشهرين الماضيين، أحرقت قوات البحريّة الإسرائيليّة قاربين وأغرقتهما بالكامل، وأصابت اثنين من الصيادين، واعتقلت 19 آخرين، وأطلقت النار تجاه عشرات قوارب الصيد، مما أدى إلى إحداث أضرار بالغة فيها".ويوضح عايش أن "نحو 4 آلاف صياد يعيلون 50 ألف نسمة، يمرون بظروف اقتصادية صعبة للغاية، بسبب المضايقات والانتهاكات الإسرائيليّة المتواصلة، والتي ازدادت حدّتها بعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة".

على صعيد آخر، يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين، المقيمين في "الخيام" و"الكرفانات" بعد أن دمرت الحرب بيوتهم، ظروفاً إنسانيّة قاسية، خصوصاً مع حلول فصل الشتاء. ويتخوّف أصحاب 9 آلاف منزل دمرتها الحرب، من أن يتحوّل فصل الشتاء إلى "كارثة إنسانيّة"، تصيبهم في ظلّ تأخّر عمليّة إعادة الإعمار، وعدم تمكّنهم من إيجاد مأوى لعائلاتهم بسبب ظروفهم الاقتصاديّة الصعبة.
ووفق بيانات أصدرتها وكالة "الأونروا"، الشهر الماضي، يعيش 100 ألف فلسطيني في غزة، من دون مأوى، بعد تدمير منازلهم خلال الحرب الأخيرة. وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة، الذي عُقد في القاهرة، في الثاني عشر من الشهر الماضي، قد جمع مبلغ 5.4 مليار دولار، نصفه مخصص لإعمار غزة، فيما خصص الجزء المتبقي لرفد ميزانيّة السلطة الفلسطينيّة المثقلة بالديون.

ويقول الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينيّة، طلال عوكل، إنّ المماطلة الإسرائيليّة في تطبيق اتفاق التهدئة، كانت متوقعة، لأنّ إسرائيل تريد أن تبقي على حصارها لغزة، وتحاول إفراغ اتفاق التهدئة من مضمونه. ويشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الظروف الإنسانيّة والاقتصاديّة الصعبة وتأخر عمليّة الإعمار، يمكن أن تفجّر الأوضاع في غزة وتعيدها إلى مربّع المواجهة العسكريّة مع إسرائيل". ويلفت إلى أن "إسرائيل، من خلال إدخالها الدفعة الأولى من مواد البناء، كانت تريد أن تقول للعالم إنّها بدأت بتخفيف الحصار عن قطاع غزة، ولكنّها على أرض الواقع لم تغيّر شيئاً، فلم يتمّ إدخال المزيد من هذه المواد، فيما عشرات الآلاف من أصحاب البيوت المدمرة ما زالوا من دون مأوى، ولا تزال الحركة على المعابر كما كانت قبل الحرب".

المساهمون