لا يأتي الحديث عن الموهوبين في مدارس مصر دون التطرق لحصول مصر على المركز قبل الأخير فيما يتعلق بجودة التعليم من إجمالي 140 دولة على مستوى العالم، طبقًا لتقرير التنافسية العالمية لعام 2015 والذي يصدر سنويًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وهنا يصبح المشهد عبثياً وبلا منطق ككل شئ في مصر الآن.
اقرأ أيضا:"دعبس" للبحث عن المواهب في مصر
فالمتابع لجدول أعمال وزارة التربية والتعليم المصرية وأنشطة المجتمع المدني وفعاليات المنظمات الدولية سيجد عشرات البرامج والمبادرات التي يخصص لها ميزانيات كبيرة وتحمل جميعها عنوان عريض وهو الاهتمام بالمواهب والابداع في المدارس ولكن المدقق في جدوى هذه الأنشطة سيجد أن حجم الاستفادة والمخرجات المتوقعة ليست بالمستوى المطلوب من أكبر البلدان من حيث عدد السكان في المنطقة العربية.
المدرسة أولا
اتفق خبراء التربية أن المدرسة هي المحضن الأساسي لاكتشاف المواهب في المراحل العمرية الأولى ثم يأتى بعد ذلك دور مؤسسات التنشئة الأخرى فى المجتمع، لهذا فمن الضروري أن تكون المدرسة ليس مكاناً للتلقين فقط ولكن أيضا مركزا لاكتشاف وتنمية المواهب.
تقول د. إيمان سليم خبيرة تكنولوجيا التعليم بجامعة حلوان بمصر: أن تنمية ذكاء الطفل وتطوير موهبته لا قيمة له دون التدريب المستمر على النظم الحديثة في التعليم، لهذا فإن المدارس الحكومية في مصر تعاني مشاكل جسيمة في اطار تنمية واكتشاف المواهب مقارنة بأربعة أضعاف المدارس الخاصة التي توفر لطلابها حد ادنى من الأنشطة والبرامج التي تطور مواهبهم.
وتشير "سليم" إلى أن ميزانية التعليم في المدارس الحكومية لا تسمح بشراء عدد محدود من الأجهزة غير الموائمة لطموحات وتطلعات الطفل المصري الذي يعيش ثورة معلومات حقيقية، مضيفة إلى أن ميزانية التعليم لا تتجاوز الـ 4% من ميزانية الدولة، في الوقت الذي تخصص دولة مثل سنغافورة 25% من ميزانيتها للتعليم فقط.
وتؤكد "سليم" على أن المواهب في مصر تقتل بسبب تكدس الفصول في المدارس الحكومية وقلة خبرة المدرسين وعدم تدريبهم بشكل مستمر، وبهذا تقل الفرص بل تنعدم في اكتشاف ثم تنمية المواهب لأن المدارس والمدرسين المحضن الأساسي للمواهب يعاني من مشاكل وتحديات جمة تعيق من تنمية المبدعين الصغار في ظل منظومة تعليمية تعاني من تردي حقيقي.
اقرأ أيضا:الفائز بنجوم العلوم: إياكم والاستهانة بأفكار أبنائكم
متابعة دقيقة
وفي هذا الإطار يرى الخبير التربوي محمد عبد الغني عبد الحميد بوزارة التربية والتعليم بمصر: أن مدير المدرسة هو المسئول الأول عن رعاية الطلاب الموهوبين داخل المدرسة بحكم عمله كقائد تربوي وصاحب دور متعاظم في العملية التعليمية والتربوية بصورة عامة، مضيفا بأنه لابد من الإسهام بشكل فعال في رعاية الطلاب الموهوبين وتنمية هذه المواهب وتوجيهها التوجيه السليم.
ويشير "عبد الحميد" إلى أن المدرسة عليها عدد من الأدوار في هذا المجال أبرزها؛ وضع خطة لرعاية الطلاب الموهوبين ووضعها موضع التنفيذ خلال العام الدراسي ومتابعتها بدقة وعناية وتتضمن حصر المواهب وما سُيقدم للموهوبين، والاطلاع على كل جديد في هذا المجال لإفادة طلابه الموهوبين وتشجيعهم وحفز الهمم لديهم لاستمرار وتنمية تلك المواهب، وتوفير الجو التربوي الملائم لنمو الموهبة وإشعار الطلاب الموهوبين بمكانتهم وأهميتهم وأنهم أمل الأمة في مستقبل مشرق وذلك من خلال عقد لقاءات دورية منتظمة بهؤلاء الطلاب لمعرفة احتياجاتهم وأفكارهم والإسهام في حل مشاكلهم الاجتماعية بالتعاون مع المرشد الطلابي بالمدرسة.
ويضيف: وتوفير الأدوات والتجهيزات وأماكن ممارسة الأنشطة لمعرفة المواهب وتنميتها وتطويرها، والاطلاع على خطط مشرفي الأنشطة ومعلمي المواد ومعرفة مدى عنايتهم بهذه الفئة وأن يُعطى الطلاب الموهوبون أهمية خاصة في الزيارات الميدانية في الفصول وأماكن ممارسة الأنشطة والاطلاع على أعمالهم وتوجيه النصح والإرشاد إليهم وتقديم الحوافز المادية والمعنوية لهم.
وكذلك وضع خطة تتضمن تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع الطلاب الموهوبين وفتح قنوات للاتصال مع المشرف التربوي والمسئولين في إدارة التعليم عن رعاية الموهوبين وتزويدهم بالتقارير اللازمة والاحتياجات لتوفير ما يمكن توفيره من إمكانات بشرية ومادية من أجل النهوض بالطلاب الموهوبين والحفاظ على مواهبهم، والاتصال بأولياء الأمور وتعريفهم بمواهب ابنهم ليتحقق التكامل بين دور الأسرة ودور المدرسة في رعايتهم، وتفعيل دور الإعلام التربوي بالمدرسة وأن يكون في كل مدرسة نشرة دوريّة تربوية تتضمن إنتاج الموهوبين وأخبارهم ومنجزاتهم على مستوى المدرسة والإدارة التعليمية.
اقرأ أيضا:لماذا تكثر أسئلة الطفل المحرجة قبل المدرسة؟
تكامل الأسرة والمدرسة
فيما يرى استشاري الطب النفسي د. محمد المهدي الأستاذ بكلية الطب- بجامعة الأزهر: أنه لابد من تكامل الجهود والأدوار في اكتشاف وتنمية المواهب، موضحا أن توعية الموهبة تحتاج بالضروة توعية من يقوم بإكتشاف تلك الموهبة، حيث يتعين توعية الآباء والأمهات بأهمية الموهبة فى تنشئة جيل مبدع ومثقف وواعى ورياضى وصاحب فكر متميز، وأن يكون لدى الأسرة والمدرسة الثقافة اللازمة لمعرفة أهمية الموهبة والتعامل مع الموهبة بالشكل الصحيح لحظة اكتشافها وتحويلها إلى نوع من الممارسة الدورية تحت الإشراف الصحيح.
ويضيف: فعلى سبيل المثال لو اكتشف الأب والأم موهبة إلقاء الشعر وحفظه لدى أحد الأبناء فى المراحل التعليمية الإعدادية والثانوية وقام المدرسون بالرعاية اللازمة لتلك الموهبة فنكون أمام مشروع شاعر يصل بالدراسة السليمة المتخصصة إلى احتراف الشعر هذا إذا كان القائمين على الموهبة لديهم الوعى الكافى بذلك سواء فى الأسرة أو المدرسة.
وفى المقابل إذا لم يتمتع أفراد الأسرة والمدرسة بذلك الوعى الخاص بالموهبة وتنميتها فنكون أمام عديد من الإشكاليات أهمها أن يغفل الآباء والأمهات فى محيط الأسرة والمدرسين والمدربين فى محيط المدرسة والنادى عن اكتشاف الموهبة التى يتمتع بها الطفل، أو يقوما بأكتشافها لكن يفشلوا ويهملوا فى تنميتها بما ينعكس بالسلب على صاحب الموهبة فيتجه إلى مجال لا يحبه ولا يتوافق مع ميوله وملكاته التى يتمتع بها وهي فطرتة التى خلقه الله عليها، بل قد تصل عدم التوعية المناسبة فى الأسرة إلى منع الأبناء من ممارسة هواياتهم الفنية والأدبية فى أوقات الفراغ ويرجع ذلك دائما إلى المستوى الثقافى الذى يتسم به المجتمع.
اقرأ أيضا:اكتشف موهبة ابنك في خطوات