أن تستعرض مؤلفات جون لاكوتور هو أن ترى عصراً منعكساً في مرآة إنسان. ستمسح معه جغرافيات شاسعة، من نقطة الانطلاق الفرنسية إلى مصر إلى فيتنام إلى المغرب الأقصى، ويقودك إلى كواليس حياة صنّاع القرار في عصره من عبد الناصر إلى كيندي، دون أن ينسى نصيب بلاده فيكتب عن منداس فرانس وديغول وميتران، وثلاثتهم يختزلون نصف قرن من التاريخ السياسي لفرنسا.
لا يكتفي لاكوتور بذلك بل إنه يزوّدك بأعمال عن مونتسكيو أو ستندال وحتى عن رياضة الركبي. إنه ببساطة مثال لكاتب يعكس كل ما يدور أمامه. ولم يكن التأليف، رغم ضخامته، سوى جزء من منجزه الذي يضرب بجذوره عميقاً في تراب المهنة التي احترفها: الصحافة.
لعل لاكوتور نموذج يؤكد مقولة "إن الصحافة هي المهنة الأم"، مهنة يمكنك أن تعيش من خلالها حياة الفنان والسياسي ورجل الأعمال والموظف والمومس والإرهابي كذلك.
كان واضحاً أنه اختار طريقه مبكّراً؛ سياسياً بميولاته اليسارية، وصحافياً باختيار العمل الميداني. قبل ذلك أتى من دراسات في الأدب والعلوم السياسية، وهي الخلفيات الضرورية لمسيرته التي سيضع فيها كل مجال معرفي في دائرة اهتمامه.
ذات حوار، وبعد سؤال عن دور موسوعيّته في مسيرته، قال "إن الصحافي ميدانيّ بالضرورة، حتى لو كان موسوعة تسير على قدمين، دون ذلك لا يمكنه جمع التفاصيل التي هي نكهة كل عملية كتابة".