في وقتٍ تنشغل فيه السلطات الشرعية في اليمن بحربها ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في معركة استعادة الشرعية ومؤسسات الدولة، تُصعّد أطراف سياسية في محافظة المهرة، شرقي البلاد، المعروفة بهدوئها، تحرّكاتها المطالبة برفض تقسيم الأقاليم، الذي أقرّه مؤتمر الحوار في يناير/كانون الثاني 2014، ووضع محافظة المهرة إلى جانب سقطرى وحضرموت وشبوة في إقليم موحّد يُدعى "حضرموت".
يقود هذه التحركات السلطان عبدالله بن عيسى بن عفرار، نجل آخر سلاطين السلطنة "العفرارية"، التي كانت تضم محافظة المهرة وسقطرى، قبل أن تلغيها السلطات الحاكمة في جنوب اليمن بعد الاستقلال في عام 1967، إلى جانب العديد من السلطنات آنذاك. ولهذه الغاية نظّم "المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى"، بقيادة بن عفرار، قبل أيام مهرجاناً احتجاجياً لرفض وضع المحافظتين ضمن إقليم حضرموت، مطالباً بإقليم مستقلّ يضمّ المهرة وسقطرى.
وأعلن المجلس تمسكه بخيار إقليم المهرة وسقطرى المستقلّ ورفض الإلحاق بـ"إقليم حضرموت"، معبّراً عن استيائه من السياسة الإعلامية التي تسوّق لهذا المشروع في القنوات الرسمية، وفقاً لبيان صادر عنه في هذا الصدد. واعتبر المجلس أن "دعاة مشروع الإقصاء والتهميش والإلحاق تحت مسمى إقليم حضرموت، يستغلون المناخ الحالي في البلاد، بغية تمرير الإقليم وإقناع المهتمين بالشأن اليمني في الداخل والخارج بهذا المشروع". وطالب المجلس الرئيس عبدربه منصور هادي بتصويب الخارطة الحالية في الكتاب المدرسي في مادة التربية الوطنية، التي تطمس حدود محافظة المهرة والتماس مع السعودية. وأيّد المجلس الدعوات التي تنادي بتشكيل حامل سياسي جنوبي يلبي تطلعات الشعب في جنوب اليمن.
كما أعلن بن عفرار، المقيم في الإمارات منذ فترة طويلة، عن تبرّعه بمبلغ 100 ألف دولار لصالح إنشاء قناة فضائية للمهرة وسقطرى، لمواجهة ما سماه "التحديات التي تستهدف الهوية والخصوصية ومطلب الإقليم". وكشف لـ"العربي الجديد"، أن "التحركات الأخيرة في المهرة تأتي في سياق التأكيد للداخل على قوة المجلس والثبات على المطلب، لأن هناك لغطا يدور بخلاف ذلك". وأضاف بن عفرار أن "تحرّكهم رسالة أيضاً لكل من يتوهم بفرض إقليم حضرموت بأننا سنتصدى لذلك، علاوة على تأييد دعوة محافظ عدن لتشكيل حامل سياسي جنوبي، يسعى لتحقيق تطلعات أبناء الجنوب". وهدد بن عفرار بـ"اتخاذ خيارات أخرى من طرف واحد في حالة فرضت السلطات العليا إقليم حضرموت، الذي أقره مؤتمر الحوار الوطني"، نافياً أن "يكون هناك توافق داخلي وخارجي بهذا الشأن".
وعن الاتهامات التي توجه له وللمجلس بوجود أطراف سياسية تستخدم ورقة المهرة وسقطرى، قال إن "التهم والإساءة والادعاءات الباطلة والتهميش قد اعتدنا عليها وهذا ضمن أسباب خلقت الاحتقان الموجود، على الرغم من صدور مواقف وبيانات واضحة عنا في تأييد الشرعية وعاصفة الحزم".
وعلى غير العادة، حظيت التحركات الأخيرة في محافظة المهرة، بنصيبها من التغطية الإعلامية بعد سنوات من الغياب عن وسائل الإعلام، كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدالا وسجالات حول أحقية أبناء المهرة وسقطرى بأن يكون لهم إقليم مستقل.
في هذا السياق، اعتبر الناشط علي سالم أنه "لا يوجد في المهرة ثروات كبيرة قياساً بما في شبوة، كما أن سكوت أبناء محافظة شبوة والتحامهم بأبناء حضرموت، لا يدلّ على انصياعهم لأوامر أشخاص، بل لحضرموت المستقبل". وأضاف في منشور له على صفحته على موقع "فيسبوك"، أن "بن عفرار في أحسن صوره، لا يرقى مشروعه لأكثر من طعنة في الظهر، لإنهاء وتعطيل مخرجات الحوار الوطني والمدعوم محلياً وإقليمياً ودولياً". أما بالنسبة إلى الناشط السياسي أشرف العوبثاني، فرأى أن "أبناء المهرة لهم الحق في تحديد مستقبلهم وفق رؤيتهم المستقبلية وبما يكفل لهم حقوقهم ومكانتهم في مستقبل اليمن العتيد".
بدوره، نوّه الناشط صالح باسويد المقيم في السعودية، إلى أن "تحركات بن عفرار الذي ظلّ 45 عاماً خارج الوطن لم تأت إلا بعد أن جاء به الحوثيون والحراك لإفشال موضوع الأقاليم". من جهته، دعا مستشار محافظ حضرموت محسن نصير، أبناء المحافظة، لـ"عدم الانجرار إلى تبادل التهم أو الشتم أو التخوين لأبناء المهرة أو سقطرى".
وذكر في منشور على صفحته في "فيسبوك"، إنه "يكفي أن نرد بكلام يفهمه العاقل منهم بأننا كحضارم طالبنا بحقنا المشروع بتسمية حضرموت إقليماً، سواء في اليمن أو الجنوب. ولم نفرض أو نطالب بضم المهرة أو سقطرى أو شبوة، إلى اقليمنا لأن ذلك ليس مهماً بالنسبة لنا، ولسنا في حاجة إلى ضرورة ضمّ أحدهم إلينا، ونحن ولسنا خاسرين بعدم تواجدهم معنا بل على العكس من ذلك، فإن بعضهم قد يكون عبئاً علينا".
أما عويس القلنسي، فطالب بـ"إجراء حوار لأجل إعادة الروابط الأخوية والوفاق والتعاون المثمر بين المهرة وحضرموت وسقطرى، على أساس من العدل والمساواة والالتزام بثوابت التاريخ، بعيداً عن التعصب والتشدد أو تبادل الإساءات غير المفيدة للجانبين".
من جهته، رأى الكاتب السياسي، منصور باوادي، أن "الأقاليم الستة أصبحت إجماعاً وخياراً لا تراجع عنه وتحظى بموافقة وتأييد دولي وإقليمي. وعلى هذا فكل التحركات التي لا تتماشى مع هذا الخيار، محكوم عليها بالفشل، عدا أنها تصدر من شخص لا يحظى بأي تأييد سياسي أو شعبي"، في إشارة لبن عفرار. وأضاف باوادي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ما نراه في هذا السياق هو من باب المناورات السياسية الممكن تشبيهها بفقاعات الصابون، التي تقف في وجه الرياح العاتية". ولفت إلى أن "المطالب السياسية حق مكفول للجميع، ولكن ذلك لا يعني القفز على التاريخ، لنلغيه أو نزوّره من أجل مكسب سياسي آني".