المنظّمات الدولية.. التسوّل بدماء اليمنيين

14 يونيو 2017
+ الخط -

"في اليمن يموت طفل كل عشر دقائق"، هي تصريحات أطلقتها منظّمات دولية مرارًا، في كل مناسبة أو بيان كانت تدعو فيه إلى حشد الدعم، من أجل منع ذلك. ولكن الملاحظة التي يسجّلها يمنيون على هذه المنظّمات، لو أنها ومنذ بداية الحرب، أصدرت بيانًا لمرّة واحدة تقول فيه: "نحن ننقذ طفلًا يمنيًا من الموت كل يوم"، أو حتى كل أسبوع أو شهر وليس كل عشر دقائق.

يحضر اليمنيون في قوائم المنظّمات الدولية، وفي مؤتمراتها، وبياناتها، كضحايا وفقراء ويعانون من أزمات حادّة، وأن 17 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات عاجلة، و3 ملايين يمني نازح، ومؤخرًا صدرت بخصوصهم بيانات تفيد بأنهم يعانون من وباء الكوليرا، وأن ألف يمني توفوا بسببها حتى الآن، و124 ألف أصيبوا بحسب آخر الإحصاءات، في حين لم يُسمع بيان لأي من هذه المنظّمات، يقول قدمنا كذا طن من العلاجات، أو فتحنا كذا مركز صحي للعلاج المجاني. هذا لا وجود له على الإطلاق على أرض الواقع طبقًا لحديث الشارع اليمني.

مؤخرًا، أعلنت كل من منظمة اليونيسف والصحّة العالمية أن 10 يمنيين يصابون بمرض الكوليرا في الساعة الواحدة. طريقة الحساب الدقيق لهذه المنظمات وبالساعة والدقيقة، هو ما لم يستوعبه الناس، ولكن الهدف صار واضحًا للعيان، إذ إنه بعد هذا الإعلان تطرح المنظمات أرقامًا مالية، تقول إنها بحاجة إليها، من أجل مكافحة مرض ووباء الكوليرا، إذ أعلنت بعدها اليونيسف وبعض المنظّمات الأخرى، أنها بحاجة إلى 600 مليون دولار كي تواجه وباء الكوليرا، الوباء الذي ينتشر يومًا بعد آخر، ويموت اليمنيون بسبب عدم توفّر قيمة العلاج الذي تقول المنظّمات إنها تقدّمه.

لو أن اليمنيين تلقوا ولو بنسبة 10% مما تعلنه المنظّمات من مساعدات، ما استمر الوباء في الانتشار كما يقول سكان محليّون في حديثهم إلى "جيل"، والذين أكّدوا أن من أصيب منهم بالوباء يقوم بالعلاج على نفقته الخاصة، ولا وجود لأي علاج مجاني أو مراكز تقدّم لهم ذلك.


أطبّاء يشككون في أرقام المنظّمات
في سياق وباء الكوليرا، أطباءٌ وخبراء في مجال الطب، يشكّكون في أرقام المنظّمات وما تعلنه بين الساعة والأخرى، إذ اتهم الدكتور ياسين القباطي، وهو خبير طبّي، المنظّمات الدولية بما فيها الأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي، بأنها تستثمر الكوارث التي تلحق بالشعوب من أجل استمرارية بقائها.

وأوضح قباطي أن اليونيسف تطالب بـ 17 مليون دولار، ومنظّمة الصحة العالمية تطلب أكثر من هذا المبلغ لمواجهة الكوليرا في اليمن، لهذا فهم يدلون بالتصاريح المكرّرة لتضخيم انتشار الكوليرا حسب قوله.

وعلّق الخبير، على تصريحات للمدير الإقليمي لليونيسف خيرت كابالاري، والتي تطرّق فيها إلى أرقام الإصابة بالكوليرا، والتي جاء فيها: "تم الإبلاغ عما يقرب من 70,000 حالة إصابة بالكوليرا خلال شهر واحد فقط. لاقى نحو 600 شخص حتفهم، ومن المرجّح أن يستمرّ انتشار الكوليرا مع احتمال وصول عدد الحالات المشتبه بتعرّضها للإصابة إلى 130 ألف حالة خلال الأسبوعين القادمين".

واعتبر قباطي أنه بعملية حسابية بسيطة، يتبيّن أن نسبة الوفيات من الكوليرا حسب تصريح كابلاري في اليمن هي ثماني وفيات لكل ألف مصاب، وهذا لا يتّفق طبيًا مع ما يُسمّى وباءً أو جائحة الكوليرا.

"جيل" تحدث إلى الطبيبة، هداية قائد حمود، والتي تعمل في أحد مراكز صنعاء الطبيّة، فأكدت ما طرحه القباطي، وقالت إن في صنعاء التي يسكنها قرابة سبعة ملايين يمني، لا توجد سوى 3 مراكز فقط هي التي تقدّم علاجًا مجّانيًا، وهي مراكز صغيرة ولا تتوفّر على كل الأدوية المطلوبة التي يحتاجها المريض.

وأضافت الطبيبة هداية، أن معظم الناس المصابين بالوباء يُعالجون بمقابل وفي جميع مراكز ومستشفيات صنعاء الطبية، وذهب إلى الطرح الذي يشير إلى أن المنظمات الدولية تستفيد من الوضع القائم في اليمن، لتدفع مستحقات كوادرها من معظم ما يجود به الكرماء لإنقاذ اليمن، ولا يصل إلى الهدف سوى ثلث تبرّعات العالم لليمن.

 

حقوقيون يتّهمون المنظّمات
يقول أحمد القرشي، رئيس منظمة "سياج لحماية الطفولة في اليمن" (منظمة محليّة) في حديثه إلى "جيل": "لا توجد مرجعية وطنية موحّدة وموثوقة، يمكن الرجوع إليها للتحقق من مصداقية الإحصاءات والأرقام، التي يتمّ الإعلان عنها بواسطة بعض المنظّمات الوطنية، والدولية حول تقدير حجم بعض المشكلات، والأضرار الناجمة عن الحرب. مثل أعداد القتلى والمفقودين وضحايا الكوليرا وحجم الاحتياج للغذاء والماء والمأوى مثلا".

ويضيف: "مع ثقتنا في مهنية ومصداقية الكثير من المنظّمات العاملة في الميدان؛ إلا أن الكثير من الناس وحتى وسائل الإعلام تسأل عن مدى واقعية الكثير مما يتم الإعلان عنه، خاصة حين يكون الإعلان مرتبطاً باحتياج الجهة إلى تمويلات لمواجهة المشكلة".

ومن أسباب بروز تلك التساؤلات، أو التشكيك في مصداقية تلك المصادر، حسب القرشي، هو تدهور الأوضاع الإنسانية في البلد، لدرجة جعلت جميع اليمنيين تقريبًا، في حاجة ماسة للإغاثة، إضافة إلى عدم قدرة كثير من المنظّمات على ممارسة واجباتها في كامل الأراضي اليمنية، وبالتالي يكون الكل لديه توقّع أنه سيحظى بجزء من التمويل المطلوب، ثم تمضي الأيام وتظهر إعلانات وإحصاءات جديدة، ولم يصل من الإعلان السابق أي شيء من المساعدات.


معونات فاسدة
يستطرد أحمد القرشي، أنه في كثير من الأحيان تسجّل مخالفات وسرقات للمساعدات الإنسانية، أو تدني مستوى جودتها بدرجة كبيرة، كالأغذية الفاسدة وعدم منطقية الكميات المقدّمة للمستفيدين من حيث النوعية والكمية مع القيمة المالية على حد تعبيره.

ويستشهد المتحدّث قائلًا: "ماذا حين يعلم المواطن أو الإعلامي أن كيس قمح غير مطحون، ودبة زيت، وقرطاس حليب وبقوليات جافة تقدّر من طرف المنظّمات بمبلغ 150 دولاراً أميركياً، بينما يشتريها المواطن بأقل من 50 دولارًا من السوق؟".

هنا، يعلّق القرشي، أن بعض المنظمّات الدولية لا تراعي الاحتياج الحقيقي للمواطن، وبالتالي تستنسخ تجارب لها في بلدان أخرى، ثم تأتي لليمن وتريد تطبيقها رغم أنها قد تكون مستفزّة أو غير مقبولة مجتمعيًا، يضيف المتحدّث.


إقصاء الشركاء المحليين
المنظمات الدولية تستأثر بالتمويلات المخصّصة لليمن بحسب المتحدّث، و"تقصي هذه المنظمات الوطنية أصحاب الخبرة تحت ذريعة البحث عن شركاء جدد، لتقوية العمل المدني، وهي ذرائع واهية، إذ إن المقصود هو إقامة شراكة مع منظّمات ومبادرات ناشئة، مقابل تقديم الفتات والهدف الحقيقي، هو إضفاء مشروعية على ما يعتقد البعض أنه تلاعب بأموال المساعدات الإنسانية، في ظل انعدام وجود مؤسّسات حكومية، وغير حكومية معنية بمراقبة وتقييم هذا الأداء".

كل تلك الأسباب وغيرها، تجعل عمل المنظّمات الدولية وما يصدر عنها من تقارير ومعلومات ورسائل تطلب فيها تمويلات لمواجهة مخاطر كبيرة، يجعلها في دائرة الشكّ، والريبة لدى الشارع اليمني من مستفيدين ومنظمات وغيرهم.


لا وجود للمنظّمات 
تواصل "جيل" مع بعض الناشطين والحقوقيين في بعض المحافظات الأكثر تضررًا، والتي يفترض أن تكون المنظّمات الدولية حاضرة فيها في تقديم الخدمة، كما هي حاضرة في بياناتها المعلنة، وبدورهم أكدّوا أن الناس متذمرون ويمرون بحالات صعبة جدا من ناحية الغذاء والنزوح والإصابة بالوباءات وفي المقابل لا يوجد أي دور لأي منظمة في تلك المحافظات والمناطق البعيدة والقريبة من العاصمة اليمنية صنعاء.

يقول الصحافي والناشط الحقوقي، علي الجرادي، لـ "جيل": "البحث عن الإحصاءات والركض وراء الأرقام وإعلانها لوسائل الإعلام هو ما صارت تمتهنه المنظّمات وما شابهها من مؤسسّات العون الإنساني والتنموي في اليمن، لقد سقطت عنها يافطة الإنسانية التي ترفعها في المحافل المحلية والدولية، ودونما اكتراث لما يعيشه المواطنون في مختلف مناطق البلاد من صور المعاناة القاسية".

وأضاف الجرادي، وهو أحد الناشطين في محافظة الجوف الواقعة شرق صنعاء "مؤخرًا تفشى وباء الكوليرا بشكل مخيف في اليمن، وأخذت محافظة الجوف نصيبها من الوباء الذي يحصد أرواح المواطنين دون توقف، في حين لا دور فعلي يذكر لعمل المنظمات الإنسانية التي تعرّت من إنسانيتها لتصبح عبارة عن دكاكين تجارية، عملها ليس أكثر من متاجرة رخيصة بالضحايا واستغلال حالاتهم، لجني الأموال من وراء ما تصرّح به من تحذيرات واحترازات لمواجهة وباء ما، أو مساحة فقر في بلد ما".

ويرى الجرادي أنه "من المؤسف أن تتخلّى المنظمات الإنسانية ومؤسّسات العون الإنساني عن دورها وهدفها الفعلي المتمثل في إعانة وإغاثة الناس، ليصبح دورها مجرّد مسوّق لحملات دعائية، كلما يهمّها جني المال والشهرة، دون مراعاتها للضحايا الذين تقتات على حساب أوجاعهم ومعاناتهم، بعد أن تخلّت عن دورها في تقديم يد العون ومساعدات المحتاجين والمتضرّرين بشكل فعلي".


منظمات نصب واحتيال
الجميع ربما في اليمن بات يتحدّث عن دور المنظمات الدولية، مؤكّدين على السباق الذي تقوم به المنظمات نحو كسب الأموال لا أقل ولا أكثر.

الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، كشف عن الفساد الذي تمارسه المنظّمات الدولية في اليمن وكيف تتسوّل بمعاناة اليمنيين من أجل تمويل مشاريعها.

وقال نصر في منشور على صفحته في "فيسبوك"، إن المنظمات الدولية التي عملت في المجال الإنساني منذ ما يقرب من عامين، مارست النصب والاحتيال باسم الشعب اليمني، وما زالت تتسوّل بِنَا في العالم ولم يكن همها الإنسان، بقدر جمع أكبر قدر من المساعدات التي تجاوزت ملياراً و700 مليون دولار من الدول المختلفة.

ويشير نصر إلى أن هذا الفساد تسبّب في حدوث حالات مجاعة والتي نشاهدها اليوم ولا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن المنفذ الرئيس لدخول آلاف الأطنان من المساعدات في الحديدة. فضلاً عن الغذاء الفاسد الذي يوزّعه برنامج الغذاء العالمي وما يسببه من تسمّمات غذائية ومشاكل صحيّة للأطفال.

ومن وجهة نظره، فإنه من المؤسف أن تتوّقف العديد من المنظمات الدولية أو المحليّة التي تحترم ذاتها ومهنيتها، والتي رفضت أن يتم التدخّل في عملها بينما ظلت منظمات كل همها أنها تأخذ حصتها من الكعكة لتمويل نفقاتها التشغيلية والإدارية، مع الاحترام لقلة من المنظمات والأشخاص الذين يعملون بإنسانية.