المنضدة والمرآة وخيانة الأشياء

05 مارس 2017
("كرب"، أوغست فريدريك شينك)
+ الخط -

نسيتُ
نسيتُ أنَّ لي أهلاً؛ أنَّ لي أصدقاء طيّبين؛ نسيتُ أنَّ لي حبيبة أحبّتني وجُنّت؛ نسيتُ أنَّ لي مدينة ولغة ونسيتُ أنَّ لي أصدقاء في الطفولة لا يهرمون ولا ينطقون. نسيتُ أنَّ الله واحدٌ ولكن صورُه شّتى؛ وأنَّ المرأة واحدةٌ والرجلَ واحدٌ؛ وأجهلُ أني كلما وضعتُ يدي على شيء يتفتت؛ وكلما التقيتُ بأحدهم يغيب. نسيتُ؛ أجل نسيتُ وأحاول أن أتذكّر ما نسيتُ.


خيانة الأشياء

سوف تخونك المنضدة والمرآة؛ ويشهد عليك القمر. سوف تفضحك الشمسُ وتنقل هذه النوافذ أخبارَك الخفيّة. أليست العصافيرُ من تنقل عن الغيب خبرَ الملوك والملائكة. أليس هذا الكوبُ عيناً ترقبك. حتى ثيابك سوف تفضح الرسائل التي أخفيتها. رسائلَ لم تكتبْها بعد؛ والأبوابُ التي طرقتها سوف تتحدّث عنك بلغاتٍ كثيرةٍ وتشهد على أنك نسيت الوعد الذي قطعتَ مع الأرض.


لا تثق بي

إذا رأيتني ألقي التحية على من أوقد النار، منتصف الليل، فلا تثق بي. إذا رأيتني من خلف النافذة أركض في المطر فلا تثق بي. إذا وجدتني غائباً عنك حاضراً في كلمة، فلا تثق بي. في الثقة شيءٌ من قطرة الماء ومن وهج النار. في الثقة قارورة تنضح بالبحر. في الثقة نهرٌ يجفّ في الروح. إذا وجدتني جالساً مثل عشبٍ على دكة باب فلا تثق بي وقلْ كلُّ هذا كذبٌ ولا تثق بنفسك في هذه البلدة الساكتة.


جاء شخص

جاء شخصٌ وجلس على هذا الكرسيّ؛ وبدأ يكتب. شخصٌ كان بإمكانه أن يكون مسافراً هائماً في البحث عن وردة أو جنيناً يموت ما إن يولد. شخصٌ كان بإمكانه أن يذوق ثوب الانتصار على نفسه. شخصٌ يتجدّد في صوت مذياع قديم وحجارةٍ في طريقٍ ومعجمٍ يحترق فيه نهرٌ ويحيا كتابٌ قويّ. جاء شخصٌ وجلس مكاني وبدأ يخطُّ ما تخطُّ أناملي ونافذته تتنفس.


ما يحدث الآن

ما يحدث الآن حدث من قبلُ، وسيحدث مستقبلاً. الريشة التي سقطت ستطيّرُها الريح؛ والشخص الذي غاب سيأتي راكباً غيمة أو سجادة وأنت ما زلت ترى اللغة عنقاء مغرب تموت وتحيا ولا تتجدّد؛ وما تراه جديداً هو القديم ولكن بصيغةٍ أخرى. سيخونك حبيبٌ غداً ويحييك آخر. سترعد السماء وتقول هذا محض مزاح ويشيّعون جثمان ميت وتقول الكائنات كلُّها أبطال مسرحيتي.


تسعة أشخاص

تسعة أشخاصٍ عبروا من قبلُ هذا الجسر. ثلاثةٌ منجّمون وثلاثةٌ تلاميذ في المدرسة الابتدائية وثلاثة مجهولون. ثلاثة يحملون مرايا وثلاث مخطوطاتٍ بخط كوفيّ وثلاثة أجهل ما يحملون. ثلاثة لهم موعدٌ مع نرسيس وثلاثة يذهبون إلى شاعرٍ في معرّة النعمان وثلاثة أجهل إلى أين يتجهون. تسعة أشخاصٍ من قبلُ دخلوا هذا القصيد وكلبُهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد.


لا تترك

لا تترك أثرًا منك حينما تذهب. لا تُبقِ شيئًا يدلُّ عليك ولا تذرْ؛ وعليك أن تفعل هذا بنفسك أيضًا. أن لا تحمل بقايا ذكرى أو صورًا لأبوابٍ وشوارع وأصدقاء ولا أمكنةً مقدسةً في الروح. لا تحملْ شوق العودة إلى حيث أتيت. دُرْ في دائرتك اللانهائية وانس من أحببت وما بكيت عليه قديمًا. ابدأْ واطلق على الأشياء أسماء أخرى إذ ذاك تأتيك سعيًا وتكون في قبضتك القوية.


*شاعر من مواليد الأهواز عام 1983

دلالات
المساهمون