المناطق المتنازع عليها... نذر اقتتال آخر على أرض نينوى

21 يناير 2017
بقاء البشمركة بمناطق سيطرت عليها بالموصل يثير اعتراض بغداد(كارل/كورت/Getty)
+ الخط -
مع اقتراب القوات العراقية من حسم معركة استعادة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، شمال العراق، تكون ملامح نهاية المعركة قد أصبحت واضحة تماماً. والتقدم الحاصل في محاور القتال يشي بأن المدينة ستنتزع من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بشكل كامل قبل مطلع شهر مارس/ آذار المقبل، بحسب معظم الترجيحات. إلا أن هناك ما ينذر باقتتال آخر على أرض نينوى بعد نهاية المعركة مع التنظيم، ما يجعل من إمكانية التفاؤل بعودة الأمور إلى سابق عهدها قبل العاشر من يونيو/ حزيران 2014 مستحيلة، على الأقل في الوقت الحالي. والسبب يتمثل في رفض الأكراد الانسحاب من المدن والبلدات التي سيطروا عليها بعد طرد "داعش" منها، بدعم أميركي وغربي واسع.

وأجرى فريق مراسلي "العربي الجديد" مسحاً سريعاً في المحافظة التي تضم أكبر تكتل مسيحي بالعراق. وتبيّن أن قوات البشمركة الكردية تسيطر على 14 مدينة و380 بلدة غالبيتها عربية مسلمة ومسيحية والمتبقية هي مختلطة من قوميات مختلفة، مثل العربية والتركمانية والكردية والآشورية. ويرفض الأكراد انسحاب قواتهم من هذه المناطق، ويعتبرونها جزءاً من إقليم كردستان. وكان رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، قد أعلن في وقت سابق أن "حدود الإقليم رسمت بالدم ولا حاجة للمادة 140 من الدستور بعد الآن"، في إشارة إلى المادة المتعلقة بتنظيم إدارة المدن المختلطة قومياً في المناطق الحدودية مع إقليم كردستان بعد اتخاذه شكلاً شبه مستقل عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.

وذكرت مصادر عسكرية رفيعة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "الأكراد، وفقاً لخطة الاتفاق التي جرت على ضوئها عملية تحرير الموصل، يجب عليهم الانسحاب من المناطق التي تم تحريرها وتسليمها لقوات الجيش والشرطة المحلية. إلا أن أربيل ترفض انسحاب قواتها وعززت حدود تلك البلدات بما في ذلك حفر خنادق وتشييد أسوار حولها، وتمنع دخول أي مسؤول عراقي إليها". وأكدت المصادر أن الأسبوع الماضي شهد طرد البشمركة لضابط عراقي رفيع حاول دخول مدينة برطلة، شرق الموصل، وطالبوه بجلب "تصريح من أربيل" من أجل السماح له بالدخول. ولفتت إلى أن الأكراد فرضوا أمراً واقعاً على تلك المناطق وأن بغداد تخشى أن يكون الأميركيون قد أعطوهم ضوءاً أخضر وهو ما ستعتبره الحكومة العراقية "غدراً من نوع مباشر"، على حد وصف المصادر. وأضافت المصادر العسكرية أن "رئيس الحكومة، حيدر العبادي، يشعر بحرج كبير تجاه هذا الملف، لكنه لن يثيره حالياً بسبب استمرار معركة الموصل". لكن المصادر نفسها لفتت إلى أن "المليشيات تضغط على العبادي، وكذلك كتل التحالف الوطني، وقد يسفر هذا الضغط عن أزمة ستتحول، في حال استمر إصرار الأكراد على الاستيلاء على تلك المدن، إلى اقتتال قد تبادر به مليشيات الحشد الشعبي بدفع من إيران"، بحسب ما ذكرت المصادر العسكرية في العاصمة العراقية.

وتبلغ مساحة المدن التي تسيطر عليها القوات الكردية ما نسبته 40 في المائة من مساحة نينوى، وتشمل 14 مدينة كبيرة فضلاً عن 380 قرية. ومن أبرز تلك المناطق، وفقاً لمصادر تواصلت معها "العربي الجديد" في أربيل وبغداد، هي المدن والبلدان التالية: ربيعة شمال الموصل، كرملس شرق الموصل، كابرلي شرق الموصل، بلاوات شرق الموصل، الخضر شرق الموصل، بغديدا شرق الموصل، برطلة شرق الموصل، بزوايا شرق الموصل، تلكيف شمال الموصل، بعشيقة شمال شرق الموصل، بطنايا شمال الموصل، سد الموصل شمال المدينة، أسكي الموصل شمال غربها، والكوير جنوب شرقها.


ويلاحظ على تلك المدن تسميتها العربية المسيحية أو الإسلامية، مثل ربيعة، حيث مضارب قبيلة ربيعة، والخضر نسبة إلى الرجل الصالح في الموروث الإسلامي، وكرملس أحد الرهبان المسيحيين، وبطنايا وتعني بيت الطين، نسبةً إلى دير مسيحي يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام، فضلاً عن مدن أخرى ذات أسماء مشتقة من حوادث وقصص وحواضر عربية تعود إلى تاريخ الدولة العباسية بالعراق والدولة الحمدانية في الموصل قبل مئات السنين.

ويعتبر الأكراد أن تلك المناطق تحوي على أغلبية كردية، لذا يجب ضمها إلى إقليم كردستان. غير أن المنطقة تعرضت إلى عمليات تغيير ديموغرافي تمثلت بعمليات منظمة لطرد العرب وترهيبهم، ساهمت بها قوات كردية بعدما أشعلت شرارتها القوات الأميركية بعد احتلالها البلاد. وكان نائب رئيس إقليم كردستان، نائب القائد الأعلى لقوات البشمركة، كوسرت رسول علي، قد قال إن "تلك المناطق التي حررتها البشمركة لن تنسحب منها". وأضاف: "سنكون رابحين بعد انتهاء معركة الموصل إذا ما تمكنّا من الاتفاق في ما بيننا بإقليم كردستان وراجعنا أداء الحكومة وقمنا بإصلاحات". وحول المشاكل مع "الحشد الشعبي"، قال رسول علي إنه "يجب علينا، الطرفين الكردي والشيعي، ألا نفكر بالقتال، لكن يبقى موضوع حدوث قتال بين الجانبين مرهوناً بالوضع الداخلي في إقليم كردستان". وأضاف أن "الطرف المقابل ينظر إلينا، وإذا كنا متحدين وعلى موقف واحد، لن يقوموا بمواجهتنا، لكن إذا كنا ضعفاء ومنقسمين وعلى خلاف، فسنتعرض لمشاكل عديدة، والحشد الشعبي إحداها"، بحسب تعبيره.

من جهته، أكد عضو حركة "التغيير" الكردية، محمد علي، أن "البشمركة لن تنسحب من المناطق التي قامت بتحريرها، لوجود إشكالات عدة في ما يتعلق بهذه المناطق بغض النظر عن الاتفاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة أربيل، وهذا واقع يفرض نفسه في البلاد"، على حد وصفه. وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "المناطق التي تم تحريرها هي مناطق استقطعت من كردستان واستعادتها قوات البشمركة من سيطرة تنظيم داعش بدماء مئات القتلى ولن تتخلى عنها أربيل بأي ثمن"، على حد قوله.

"احتلال آخر"
هذه التصريحات وغيرها تجعل من مسألة تفجر أزمة سياسية تسبق المواجهة العسكرية، مسألة وقت لا أكثر، وفقاً لمراقبين عراقيين. وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، نايف الشمري، إن بقاء القوات الكردية في المناطق التي حررتها من قبضة تنظيم "داعش" هو احتلال آخر. وأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن البرزاني يقول إن البشمركة لن تنسحب من المناطق المحررة باتفاق مع واشنطن، ومكتب العبادي يقول إنه لا يعلم مدى صحة الاتفاق، ثم بعدها نفى (ذلك)، كما ذكر الشمري. وأكد ضرورة أن يلجأ العراق إلى الإدارة الأميركية ومجلس الأمن الدولي والجامعة العربية لوضع حد للتصريحات التي يطلقها الساسة الأكراد في أربيل ووضع ضمانات توقعها حكومتا كل من بغداد وأربيل، وفق القانون الذي أقره مجلس النواب وبالرجوع إلى حدود الإدارة بين العراق وإقليم كردستان لعام 2003.

ويأتي ذلك في وقت أكدت فيه الحكومة الأميركية أنها ستعمل على تقريب وجهات النظر بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان بهذا الخصوص. وأوضحت أوساط سياسية عراقية أن واشنطن تشدد على ضرورة حل هذه القضايا عن طريق تفعيل لغة الحوار بين الطرفين، خصوصاً أنها قد أبدت دعمها الكامل للقوات العراقية الاتحادية وقوات "البشمركة" في الوقت ذاته من دون استثناءات، بحسب المصادر نفسها.

في المقابل، يرى مراقبون في كردستان أن إعلان المسؤولين في الإقليم تمسكهم بالمناطق التي دخلتها قواتهم قبيل انطلاق معركة الموصل وأثناءها، إضافة إلى مناطق أخرى متنازع عليها في كركوك وديالى وصلاح الدين وإعلان التمسك بها وعدم الانسحاب، يهدف إلى الضغط على بغداد لتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، والتي وضعت خارطة طريق لحل مشكلة تلك المناطق. وتنص تلك الخطة على البدء بتطبيع الأوضاع في هذه المناطق من خلال إزالة التوتر ثم إجراء تعداد للسكان من دون احتساب أولئك الذين نزحوا إليها من غير أن يكونوا من سكانها الأصليين، ثم إجراء استفتاء شعبي لآراء السكان لاختيار ضم مناطقهم إلى إدارة إقليم كردستان، أم البقاء ضمن نفوذ الحكومة الاتحادية العراقية.
يذكر أن حكومة إقليم كردستان العراق أعلنت، يوم الخميس الماضي، عن احتجاجها على قرار الحكومة العراقية بتحويل ناحية آمرلي التابعة لقضاء طوزخورماتو ضمن محافظة صلاح الدين إلى قضاء إداري مستقل، معتبرة أن "أي تغيير ديموغرافي وإداري في المناطق المتنازع عليها "يجب أن يتم بالتنسيق مع الإقليم". وكانت آمرلي ناحية ضمن محافظة صلاح الدين، وملحقة بقضاء طوزخورماتو (200 كيلومتر شمال بغداد)، الذي يتألف من خليط سكاني من الأكراد والعرب والتركمان، قبل أن تقرر وزارة الداخلية، وبتنسيق مع محافظ صلاح الدين، فصلها وتحويلها إلى قضاء وتعيين قائممقام مقرّب من المليشيات عليها. وبذلك خرجت عن إدارة مدينة طوزخورماتو التي يديرها الأكراد. وهو ما دفع الأطراف السياسية الكردية في قضاء طوزخورماتو وفي البرلمان العراقي إلى إبداء اعتراضها على القرار، معتبرين أن الهدف من تلك الخطوة إضعاف النفوذ الكردي في المنطقة، لأسباب سياسية.
ويعكس هذا الملف مدى اتساع التباين بين الأكراد والتحالف الحاكم في بغداد. كما أن الغليان الموجود في داخل التحالف الحاكم في بغداد، مستمر ومتصاعد، ما قد ينبئ بمزيد من التطورات مع الأكراد في الأيام المقبلة. وقال قيادي بارز في التحالف إن "نينوى أعدناها بدماء أبنائنا ولن نستبدل احتلالاً باحتلال آخر، لذا لا مانع لدينا من المواجهة مع الأكراد"، مبيّناً أن "المناطق العربية الإسلامية والمسيحية هي جزء تاريخي من الموصل، وحديث الأكراد حول سيطرتهم عليها يمكن اعتباره نشوة في وقت زهو، وعليهم التأكد بأن كل شيء سيعود كما كان قبل احتلال داعش للموصل"، وفقاً لقوله.

بغداد-علي الحسيني

أربيل-أحمد الجميلي