تأتي جولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الخليجية الحالية بأجندة أكثر تحديداً، تتجاوز اعتبارها زيارة تهدف إلى "تعزيز العلاقات الثنائية"، أو تقرير "تفاهمات عامة" بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، في ظل تحسن العلاقات بين أنقرة ودول الخليج، ولا سيما العلاقات التركية – السعودية. فالزيارة التي تشمل ثلاث عواصم خليجية، هي المنامة والرياض والدوحة، تأتي بأجندة محددة ومباشرة، لم يكف الرئيس التركي عن الإعلان عنها، أخيراً، تتعلق بمطالبة تركيا بدور أكبر للخليجيين في الملف السوري. ويرافق أردوغان في زيارته رئيس الاستخبارات التركية، حاقان فيدان، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان التركية، الجنرال خلوصي أكار، ما يؤكد الصبغة الأمنية والعسكرية للجولة.
أما العنوان الثاني الهام للزيارة، فيتعلق بالعلاقات الاقتصادية التركية – الخليجية، التي تشهد نمواً مطرداً منذ سنوات. ويأتي حرص الجانبين، التركي والخليجي، على تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين في ظل الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد التركي، خصوصاً في جذب الاستثمارات الأجنبية، وقيمة العملة المحلية، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز الماضي. خليجياً، تعيش دول مجلس التعاون أيضاً أزمتها الاقتصادية، مع تدني أسعار النفط، وطرح خطط تقشفية، وخطط أخرى لتنويع مصادر الدخل، ينتظر من الجانب التركي أن يؤدي دوراً فيها، من خلال توقيع الجانبين، التركي والخليجي، ولا سيما السعودية والبحرين وقطر، مذكرات تفاهم لزيادة التعاون الاقتصادي. وكان الرئيس التركي أكد قبيل جولته الخليجية أهمية علاقة بلاده بالسعودية، مشدداً على أن تركيا تولي "بالغ الأهمية لأمنها واستقرارها"، معتبراً أن العلاقات التركية – السعودية ترسخت خلال العامين الماضيين "في كافة المجالات". وأضاف أردوغان أن تركيا تنظر إلى علاقتها مع السعودية "من زاوية استراتيجية، وتولي أهمية بالغة لأمنها واستقرارها"، مضيفاً "سنعمل على تقييم قرارات اجتماع مجلس التنسيق خلال لقائنا مع الملك سلمان".
وكان مجلس الوزراء السعودي قد نوه، أمس الإثنين، بنتائج الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي التركي، الذي تأسس العام الماضي. واعتبر أن نتائج الاجتماع، الذي احتضنته تركيا الأسبوع الماضي، "يؤكد على رغبة البلدين الشقيقين تعزيز وتكثيف العلاقات الاستراتيجية بينهما، وحرص على التعاون لمواجهة التحديات في المنطقة". ومن المنتظر أن يتم توقيع مذكرة تفاهم سعودية- تركية للتعاون في المجال الصناعي، بين وزارة الطاقة في السعودية ووزارة العلوم والصناعة والتقنية التركية.
سياسياً وعسكرياً، دعا أردوغان، من معهد السلام الدولي في المنامة أمس، إلى تعاون تركي - خليجي أكبر في الملف السوري، خصوصاً ما يتعلق ببناء مناطق آمنة شمال سورية. وشدد الرئيس التركي على أن هدف عملية "درع الفرات" هو "محاربة التنظيمات الإرهابية"، مضيفًا أن الجيش التركي "استطاع تطهير الكثير من الأراضي من المنظمات الإرهابية" مثل تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش) و"الاتّحاد الديمقراطي الكردي". وخصّ بالذكر جرابلس والراعي التي دخلها الجيش التركي مع "الجيش السوري الحر". وأكد أردوغان، الذي التقى ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، أن الجانب التركي، وبالتعاون مع "الجيش الحر"، تمكن من جعل مساحة تقدر بألف كيلومتر مربع "مناطق آمنة" كان الإرهابيون يسيطرون عليها. وأضاف "هذا لا يكفي، ونرغب بإنشاء منطقة خالية من الإرهاب شمال سورية، مساحتها على الأقل أربعة أو خمسة آلاف كيلومتر مربع". ورأى أنه من الأفضل لسورية "إقامة مناطق آمنة للمدنيين"، مشيراً إلى دعوة تركيا، قبل عامين، إلى إقامة "مناطق آمنة يحظر فيها الطيران". وأكد عرض تركيا "تدريب جيش سوري وطني يتولى مهمة حماية المدنيين"، كما تقوم تركيا اليوم بتدريب "الجيش الحر" في شمال سورية. وأضاف "أدعو إخوتنا في الخليج إلى المشاركة في بناء المنطقة الآمنة في سورية، حتى نرفع عن السوريين المظالم التي يواجهونها".
وكانت السعودية قد دعمت في 2015 تدخلاً عسكرياً برياً في سورية، لمحاربة "داعش"، شرط أن يكون ضمن مظلة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، والذي تقود الولايات المتحدة الاميركية عملياته الجوية منذ نوفمبر/تشرين الأول 2014. وشهدت العلاقات التركية – السعودية تطوراً ملحوظاً خلال العامين الماضيين، وقام أردوغان بزيارتين إلى السعودية في مارس/آذار 2015 وديسمبر/كانون الأول 2015، كما التقى العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس التركي في أنطاليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إثر حضوره قمة مجموعة العشرين، إضافة إلى زيارته الرمزية إلى أنقرة في أبريل/نيسان 2016 قبل التوجه إلى إسطنبول لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي.
وأسس الجانبان، التركي والسعودي، مجلس التعاون الاستراتيجي في 2015، ثم مجلس التنسيق السعودي التركي في 2016، كانت أولى اجتماعاته الأسبوع الماضي في إسطنبول. وشهدت الفترة الماضية تصاعداً في التعاون العسكري بين البلدين، إذ شاركت القوات الجوية السعودية في مناورات "النور 2016" في قاعدة قونيا التركية، كما شاركت في مناورات "نسر الأناضول". وشاركت القوات المسلحة التركية في مناورات "رعد الشمال"، وهي المناورات الأكبر التي شهدتها السعودية في مارس/آذار 2016. وتشارك الطائرات الحربية السعودية، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، في عمليات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" انطلاقاً من قاعدة "انجرليك" التركية. وتتقاطع وجهات النظر التركية – السعودية تجاه الملفات الإقليمية الساخنة، إذ يشهد الملف السوري تنسيقاً تركياً سعودياً قطرياً تراجع خلال العام الماضي على وقع تطور العلاقات التركية- الروسية، كما يرى مراقبون، إلا أن مؤشرات جولة أردوغان الخليجية، مع التفاهمات المبدئية التركية – الأميركية حول إقامة مناطق آمنة في سورية، قد تعيد هذا التنسيق التركي – الخليجي إلى أوجه.
وتدعم تركيا الموقف السعودي في اليمن، كما ترفض أنقرة التدخلات الإيرانية في المنطقة، وهو الملف الذي توليه الرياض أولوية قصوى منذ قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في يناير/كانون الثاني 2016. وأكد أردوغان دعمه لجهود حل الأزمة اليمنية "وفق الاتفاقية الخليجية وقرارات الأمم المتحدة". ومن المتوقع أن تتوج العلاقات العسكرية والاقتصادية السعودية – التركية بتعاون أكبر في قطاع التصنيع العسكري، والذي يمثل جزءاً من رؤية السعودية 2030، التي تطمح لتوطين جزء كبير من التصنيع العسكري الذي تحتاجه القوات السعودية. وكانت شركة "أسيلسان" للصناعات العسكرية في تركيا قد أعلنت تأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية برأسمال مقداره 6 ملايين دولار، بالتعاون مع شركة "تقنية" الحكومية السعودية.