المكسيكيون في الحجر الصحي... رقصُ من على السطوح

29 يوليو 2020
لا يتقاضى روبرتو أي رسوم من الجمهور الذي يحضر استعراضه (فيسبوك)
+ الخط -

على أحد سطوح ناوكالبان، في ضواحي مكسيكو، تصدح مكبّرات الصوت بلحن أعاد منسّق الأسطوانات روبرتو غارسيا توليفه على طريقة "ريمكيس" بوتيرة حماسية تجعل جيرانه يرقصون، فيساعدهم بهذه الطريقة على تحمّل الحجر المنزلي الهادف إلى مواجهة جائحة "كوفيد-19".

ويحظى روبرتو (38 عاماً) بشعبية كبيرة، إذ إنّ هذا الـ"سونيديرو"، أي منسّق الأسطوانات من النمط المكسيكي، يتفنن في لعبة الموسيقى والمؤثرات الصوتية والضوئية ليشعل الشوارع رقصاً، حتى بات "الفاتح اللاتيني"، وهو اللقب الذي أطلقه على نفسه.

ومن عليائه على سطح المبنى الذي وضع عليه معداته، يمسك روبرتو المذياع ليوجه إلى الجمهور تحية وديّة ولكن مدوّية.

ما دفع روبرتو إلى استخدام السطح لتقديم استعراضه الموسيقي، هو استحالة إقامة حفلات في ظل جائحة "كوفيد-19". ولم يطل الأمر حتى بدأ روبرتو يتلقى دعوات لإحياء وصلته الموسيقية على سطوح وشرفات أخرى.

وقال منسّق الأسطوانات: "بسبب الجائحة، لم يعد إحياء حفلات مسموحاً، ولا توجد أماكن يمكن الخروج إليها أو الحصول على بعض التسلية فيها. وقد مكّنتني شهرتي المستمرة منذ 20 عاماً من أن أتكيّف مع هذا الوضع".

وفيما ينصرف فريق عمل روبرتو إلى تحضير السهرة خلفه، يخاطب الـ"دي جاي" جمهوره قائلاً "ها أنذا على السطح من أجلكم! أقدّم اعتذاري وأوجّه تحياتي إلى تشارلي، وإلى عائلة أريغوين وإلى جميع سكان حي ميرامار".

وفيما هو يتحدث، يرتفع في الخلفية لحن نسخة جديدة من أغنية "مي كاشاريتو" الشهيرة للبرازيلي روبرتو كارلوس. وتفيد الأحياء المجاورة، هي الأخرى، من موسيقى حفلة "الفاتح اللاتيني"، نظراً إلى قوة الصوت.

وشيئاً فشيئاً، تُحرّك الموسيقى الإلكترونية الناس الواقفين على شرفات المباني المجاورة، فيبدأون بالتمايل والرقص على أنغامها المتقطعة، فيما تُبثّ الحفلة مباشرة عبر شبكة "فيسبوك".

ويصرخ روبرتو مجدداً "إلى جميع سكان لوس رييس، إلى جميع الذين يرقصون على شرفاتهم". وفي وقت تغرق واجهات مباني الأحياء المحيطة في بحر من أنوار روبرتو، يلوّح الناس الواقفون على نوافذ هذه المباني بمصابيح مضاءة، التزامأً بما نصّت عليه الدعوة إلى الحفلة.

ولا يتقاضى روبرتو أي رسوم من الجمهور الذي يحضر استعراضه. ويبقى حافزه الوحيد، على ما يقول، هو توفير بعض الأجواء الموسيقية المفرحة للناس المحجورين. فالقضاء على الجائحة لا يزال هدفاً بعيد المنال على ما تظهر الأرقام الرسمية.

وإذ يوضح روبرتو أنه يتحمل "كل النفقات المرتبطة بالنقليات وتركيب المعدات"، يرى أنّ "توفير الموسيقى للناس هو نوع من العلاج ومن المتعة. إنه طريقة للترفيه".

وعندما لا يحيي روبرتو حفلات من على السطوح في نهاية الأسبوع، يتولَّى إدارة شركة تصنع أثاث المكاتب، فمن المستحيل في المكسيك أن يؤمن المرء معيشته من هوايته فحسب. ويأسف روبرتو لكون "الصناعة الموسيقية متوقفة، ولن تستعيد زخمها إلاّ لاحقاً".

ويضيف "نعاني مما يحصل راهناً في العالم"، مشيراً إلى أن منسّق الأسطوانات في المكسيك كان يتقاضى ما بين عشرة آلاف بيزوس و60 ألفاً (ما بين 450 دولاراً و2600 دولار) عن كل حفلة يحييها.

ومع أنّ المكسيك أجازت عودة بعض الأنشطة الاقتصادية، إلا أن منسّقي الموسيقى سيكونون حتماً آخر المستفيدين، إذ إن السماح لعلب الليل بمعاودة عملها سيتأخر. وتشير نقابة "أنيديس" المكسيكية إلى أن إقفال هذه النوادي الليلية يهدد نحو 380 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة.

ولا تحول أجواء الاحتفال والفرح التي يحييها روبرتو في زمن الجائحة دون وجود بعض اللحظات الجدية. فمن على السطح الذي يقف عليه والمطلّ على قسم كبير من وادي المكسيك ومئات المنازل، يغتنم روبرتو فرصة هطول المطر ليخاطب الجمهور مستذكراً من قضوا بسبب فيروس كورونا، فيطلب من الحضور الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواحهم.

ويقول "أريدكم أن تواكبوني من منازلكم بأنواركم البيضاء". ويدعو الـ"سونيديرو" مواطنيه إلى التصفيق لمدة 30 ثانية للعاملين في المجال الطبّي لمواجهة الجائحة، على غرار ما فعل سكان مدن أوروبية عدّة. ويقول بصوت متهدج تأثراً "فلنصفّق للمسعفين، ولسائقي سيارات الإسعاف، ولجميع الأشخاص الذين يعملون في القطاع الصحي، ولكل من له دور في هذا القطاع". ولا يلبث الجمهور أن يلبّي النداء، ويصفّق بقوة لهؤلاء الذين ينقذون الأرواح.

(فرانس برس) 

المساهمون