لم تصمد قوات الاحتلال ساعات قليلة أمام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، بعد بدء اجتياحها البرّي، إذ اضطرت إلى الانسحاب بعد اشتباكات ضارية، أسفرت عن سقوط أول جندي إسرائيلي في العملية البرّية، التي بدأت ليلة أمس، وركّزت على المحورين الشمالي والشرقي. لقد صدق المقاومون حين قالوا إن الاحتلال "سيتعلّم درساً لن ينساه في غزة، لأن الأرض ستتحول إلى مقبرة الغزاة، ولن تستطيع إسرائيل الخروج من وحل غزة".
وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان نقلته القناة الإسرائيلية الثانية "قتل جندي إسرائيلي في العملية البرّية على قطاع غزة، وأصيب جنديان بجروح مختلفة". وأضاف أنّ "قوات الجيش خاضت اشتباكات قوية في المناطق، التي تقدم بها الجيش الإسرائيلي داخل القطاع".
بدورها، أعلنت كتائب "عز الدين القسام"، أنها قنصت جندياً إسرائيلياً، وقالت في بيان إن "مجاهدينا تمكنوا من قنص جندي إسرائيلي من مسافة قريبة، شرق القرارة شرقي مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، وإصابته بشكل مباشرة".
ونجحت المقاومة في إجبار ثلاث وحدات قوات إسرائيلية خاصة، حاولت التسلل إلى شرقي مدينتي رفح، وخانيونس، جنوبي قطاع غزة، وإلى شمالي بلدة بيت حانون شمالي القطاع، على الانسحاب، بعد اشتباكات عنيفة. وقالت "القسام" في بيان "خضنا اشتباكاً عنيفاً مع قوة إسرائيلية خاصة، تسللت خلال ساعات الليل، قرب المدرسة الزراعية في بيت حانون، شمالي قطاع غزة وأرغمناها على الانسحاب". وأشارت إلى أنّها "فجّرت أربع عبوات مضادة للأفراد في عناصر قوة إسرائيلية خاصة، شمال بيت لاهيا، بعد وقوعها في كمين".
وقالت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن المقاومة تصدّت لمحاولة توغل بري في بلدتي بيت حانون، شمالي القطاع، وأمطرت القوات الخاصة بعشرات الصواريخ المضادة وبنيران رشاشة، مما أجبرها على التراجع إلى الأماكن التي قدمت منها.
وفي السياق نفسه، تصدى مقاومون لمحاولات توغل إسرائيلي، شرقي حيّ الشجاعية، وشرقي مدينتي رفح وخان يونس، جنوبي القطاع، ولم ينجح جنود الاحتلال في التقدم إلى أي مكان في القطاع، رغم الغطاء الجوي والمدفعي، الذي كان يرافق محاولات التوغل.
وكان متحدث باسم جيش الاحتلال قد قال، في وقت سابق، إن قوات برية بدأت في الدخول إلى القطاع بدءاً من مساء الخميس، بهدف القيام بعملية برية محدودة لمكافحة الأنفاق، بمشاركة قوات من سلاح المشاة والمدفعية والهندسة والاستخبارات، وبالتعاون مع جهاز الأمن العام وسلاح الجو.
غير أن المقاومة ووزارة الداخلية في غزة نفتا، بشكل مطلق، وجود أي توغل بري للقوات الإسرائيلية، فيما قال مصدر أمني، لـ"العربي الجديد"، إن قوة صغيرة مكوّنة من عدة دبابات ترافقها طائرات مروحية توغلت لأمتار قليلة إلى الشرق من مدينة رفح، بحثاً عن نفق "كتائب القسام"، الذي تمكنت من خلاله من التسلل إلى منطقة صوفا، أمس الخميس.
في غضون ذلك، كثّف الطيران الحربي والمدفعية الإسرائيلية من عملياتهما في الساعات الأخيرة. وارتفعت حصيلة الشهداء إلى 260، منذ بدء العدوان قبل أحد عشر يوماً، فيما وصل عدد المصابين إلى 1980 شخصاً، بينهم إصابات كثيرة بالغاز السام الأبيض، الذي ألقي على المناطق الحدودية.
في المقابل، واصلت المقاومة الفلسطينية ردودها على الاحتلال، إذ قصفت "كتائب القسام" حشوداً عسكرية، شمال قرية أم النصر، بخمسة صواريخ "107"، وكذلك قصفت حشوداً عسكرية، شرق رفح، بأربعة صواريخ "107"، وقصفت موقع زيكيم العسكري بصاروخي "107" وأوفكيم بعشرة صواريخ "غراد".
وتبنت "ألوية الناصر صلاح الدين" قصف مدينة عسقلان المحتلة بثلاثة صواريخ من طراز "غراد"، فيما قصفت "كتائب المقاومة الوطنية" و"كتائب شهداء الأقصى" (مجموعات الشهيد أيمن جودة)، مستوطنة سديروت بالصواريخ. وأعلنت "كتائب المقاومة الوطنية"، الذراع العسكرية لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، قصف زيكيم، ويد مردخاي، ونيتسنيم بخمسة صواريخ "غراد" و"107".
في سياق متصل، أكد المتحدث باسم حركة "حماس"، فوزي برهوم، أن إعلان جيش الاحتلال بدء الهجوم البري على غزة يمثل خطوة خطيرة وغير محسوبة العواقب، سيدفع الاحتلال ثمنها غالياً، مؤكداً أن حركته وقوى المقاومة في غزة جاهزة للمواجهة. وبيّن برهوم، في تصريح مقتضب، أن العدوان البري يأتي لترميم صورة الحكومة الإسرائيلية ورفع معنويات جنودها وقياداتها العسكرية المنهارة، جراء ضربات المقاومة النوعية والمتواصلة.
من جهته، قال متحدث محلي باسم "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، لـ"العربي الجديد"، إن قوى المقاومة تنتظر الدخول البري للاحتلال، لتلقين "العدو" دروساً لن ينساها، مؤكداً أن العدوان البري "فرصة لاصطياد جنود الاحتلال ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية".
في تلك الأثناء، قدّرت شرطة هندسة المتفجرات في وزارة الداخلية في قطاع غزة أن الطائرات والقطع البحرية والمدفعية الإسرائيلية ألقت ما يزيد عن 5 آلاف طن من المتفجرات على القطاع خلال العدوان المستمر منذ 11 يوماً. وقال نائب مدير شرطة هندسة المتفجرات، الرائد حازم مراد، إن طواقم الوزارة المنتشرة في كافة محافظات القطاع أجرت مسحاً أولياً للمخلفات والقذائف التي أطلقها الاحتلال على القطاع خلال أيام العدوان.
وذكر مراد أن الآلة الحربية الاسرائيلية تستخدم في عدوانها على المدنيين في غزة عدة أنواع من الأسلحة، كقذائف "GBU" الموجهة، والتي تطلقها المقاتلات الاسرائيلية من نوع "F15" و"F16" و "F18"، فيما تطلق البوارج الحربية قذائف "الجدام" و"mk84" الفتاكة، التي تطلق في الحروب الكبيرة. وأشار إلى أن مواصفات القنبلة من موديل "MK84 2000"، أنها تزن ألف كيلوغرام، ويصل طولها إلى 3 أمتار، بيد أن قوتها التدميرية تصل إلى 300 متر مربع.
واستخدم الاحتلال غازات سامة في قصفة المتواصل، إذ تم تسجيل حالات اختناق شديدة.
قرار بغطاء مصري
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن، مساء الخميس، عن بدء هجوم بري على قطاع غزة، مستفيداً من تواطؤ النظام العربي، الذي تجلى، أساساً، في المبادرة المصرية التي هدفت إلى التغطية على العدوان منذ مراحله الأولى، عبر المساواة بين الضحية والجلاد.
ولذلك لم يكن مفاجئاً أن يتزامن تصعيد العدوان مع تصريحات لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، اعتبر فيها أنه لو قبلت "حماس" بالهدنة "لأنقذت عشرات الارواح"، وذلك بعد انتهاء اجتماع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي قال فيه إن الوصول إلى تهدئة في قطاع غزة لا يزال يتطلّب مزيداً من المرونة من الطرفين اﻹسرائيلي والفلسطيني، وإن مصر أخذت على عاتقها بذل كل الجهود للتوصل إلى التهدئة لوقف نزيف الدم.
وأفاد بيان رسمي، صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه أمر الجيش، أمس الخميس، ببدء الهجوم البري في غزة "لضرب أنفاق الإرهاب الممتدة من غزة إلى إسرائيل". وقال البيان إن "رئيس الحكومة ووزير الأمن، موشيه يعلون، أوعزا للجيش الإسرائيلي بإطلاق العملية البرية بهدف ضرب أنفاق الإرهاب، التي تخترق الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة، بعدما تسلّل عدد من مقاتلي "حماس" إلى داخل إسرائيل من نفق مشابه لهذه الأنفاق، صباح الخميس". وأوضح البيان أن "رئيس الحكومة ووزير الأمن أصدرا تعليمات للجيش بأن يكون جاهزاً لتوسيع العملية البرية".
وأضاف البيان أن "قرار بدء العملية البرية جرت المصادقة عليه في جلسة الكابينيت الإسرائيلي، بعدما كانت إسرائيل قد وافقت على الاقتراح المصري، بوقف إطلاق النار، بينما رفضته (حماس) وواصلت إطلاق الصواريخ في اتجاه المدن الإسرائيلية".
كما أورد بيان عسكري إسرائيلي أنه "بعد عشرة أيام من الهجمات الجوية والبحرية والبرية لحماس، والرفض المتكرر لتهدئة الوضع، بدأ الجيش عملية برية في قطاع غزة"، فيما أعلن عضو "الكابينيت" الإسرائيلي، الوزير نفتالي بينيت، للقناة الثانية الإسرائيلية أن كل الخيارات أمام الجيش مفتوحة، ولا توجد أية قيود عليها.
وفي محاولة للتنصل من المسؤولية عن التغطية على العدوان، قالت مصادر حكومية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قادة التفاوض المصريين أبلغوا نظراءهم اﻹسرائيليين استياء مصر البالغ من عملية اقتحام غزة براً". وأضافت المصادر أن إسرائيل سبق أن أبلغت مصر عدم نيتها اﻻجتياح البري، وأنه بناءً على ذلك، كان الرئيسان المصري والفلسطيني يبحثان إمكان تطوير آليات تنفيذ المبادرة المصرية. وكشفت المصادر عن أن الطرف اﻹسرائيلي أبلغ المصريين، بعد دقائق من اﻹعلان رسمياً عن العملية البرية مساء الخميس، بأنها "ستكون عملية محدودة تستهدف اﻷنفاق الحدودية فقط".
وقبيل بدء العدوان، قالت الرئاسة المصرية، في بيان، إن السيسي وعباس "ناقشا باستفاضة الأحداث الجارية في قطاع غزة، واتفقا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار حقناً لدماء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وصوناً للأرواح والمقدرات، وذلك استناداً إلى المبادرة المصرية، وعلى أساس ما تضمنته من إجراءات وما تناولته بشأن تفاهمات عام 2012".
وأضاف بيان الرئاسة أن عباس والسيسي "اتفقا على ضرورة بذل كل جهد ممكن لتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك من خلال العمل على فتح المعابر الإسرائيلية، وضمان حرية حركة الأفراد والبضائع، وعدم استهداف المدنيين، لا سيما في المناطق الحدودية، إضافة إلى بحث باقي القضايا فور تثبيت وقف إطلاق النار، وذلك في محادثات تجري في القاهرة مع كل طرف على حدة للعمل على تحقيق التهدئة".
كما طرح عباس، الذي سيتوجه اليوم الجمعة إلى تركيا لاستكمال المشاورات، مبادرته بشأن وجوب العمل على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تمهيداً لتحقيق السلام القائم على أساس دولتين على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967. وأكد السيسي دعمه لهذه المبادرة اتساقاً مع ما تم الاتفاق عليه على مستوى جامعة الدول العربية، وفق البيان.
وجاءت دعوة السيسي إلى "المرونة"، بعد نفي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ما تداولته وسائل الإعلام الأجنبية والإسرائيلية حول التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال، خلال المفاوضات الجارية في القاهرة. وكانت وكالة "فرانس برس" قد نقلت عن المسؤول في حركة "حماس"، سامي أبو زهري، قوله إنّه "لا اتفاق على وقف إطلاق النار، لكن الجهود مستمرة".