تواصل دول الاتحاد الأوروبي للشهر الرابع على التوالي فرض مقاطعة علمية وأكاديمية وتجارية واستثمارية وبحثية ضد المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وسط تهميش إعلامي إسرائيلي متعمد، تخوفاً من إثارة الهلع لدى رؤوس أموال القطاع الخاص.
ويأتي قرار المقاطعة الأوروبية للمستوطنات، نتيجة حكم المحكمة الدولية في لاهاي في العام 2004، والقاضي بأن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وتخرق البند 49 من ميثاق جنيف، الذي يحظر على دولة محتلة أن توطن سكانها في المناطق التي احتلتها.
البحث عن مخرج
تعرضت الصناعة والتجارة الإسرائيلية، إلى هبوط كبير في حجم صادراتها، وسط توقعات بتراجع حجم الصادرات بنسبة 20٪ سنوياً، وفق ما أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية الشهر الماضي. وهو الأمر الذي شدّد عليه مؤتمر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية الأسبوع الماضي، الذي قدّر حجم الخسارة السنوية بنحو 20 مليار دولار أميركي.
وقال الخبير في الاقتصاد الإسرائيلي، عاصي أطرش، إن إسرائيل تأخذ موضوع المقاطعة بجدية كبيرة، رغم عدم ظهور ذلك في الشارع الإسرائيلي، ولا فى وسائل الإعلام. وأوضح، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد": "تقوم وزارتا الاقتصاد والمالية بإعداد خطط لسيناريوهات المقاطعة كلها". وأضاف: "في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل خطوات لتحسين اقتصادها وأرقام النمو خلال السنوات المقبلة، فإن موضوع المقاطعة سيجعل تنبؤات أرقام النمو المرتفعة، صعبة التحقق".
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية الأسبوع الماضي، فإن وزير المالية يائير لابيد، يواصل إعداد سيناريوهات لوضعية اقتصاد بلاده، في حال توسعت دائرة المقاطعة لمنتجات المستوطنات أكثر، لتتجاوز المستوطنات باتجاه مناطق أخرى.
تحايل في هوية المنتج
إلا أن لإسرائيل أساليبها الاحتيالية، فقد دعت مؤسسات رسمية فلسطينية، بينها وزارة الاقتصاد الوطني في الحكومة الفلسطينية، إلى ضرورة تنبه دول الاتحاد الأوروبي، لإمكانية تزوير بعض منتجات المستوطنات على أنها إسرائيلية الصنع، وهي بحقيقة الأمر تصنع في المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية داخل حدود عام 1967، ويتم تسويقها تحت مسمى "صنع في إسرائيل".
غير أن سفير الاتحاد الأوروبي في فلسطين، جون جات روته، قال لـ"العربي الجديد" إن دوائر الجمارك العاملة على حدود دول الاتحاد الأوروبي تقوم باللازم لكشف أي عمليات تزوير لمنتجات المستوطنات (...)، وهذه الدوائر نفسها تقوم بوسم "تمييز" منتج المستوطنات ليكون الخيار واضحاً بالنسبة إلى المستهلك الأوروبي.
نحو المقاطعة الشاملة
ويرى الأمين العام للمبادرة الوطنية وعضو حركة مقاطعة إسرائيل، مصطفى البرغوثي، أن مقاطعة منتجات المستوطنات لا تكفي، "ونطالب بمقاطعة شاملة لإسرائيل أوروبياً وعالمياً، لأن إسرائيل ليست عاجزة عن تزوير منتجات المستوطنات، عبر تصديرها بـ كود إسرائيلي".
وأضاف البرغوثي، خلال لقاء مع "العربي الجديد"، "إن المقاطعة مستقبلاً لن يكون لها ذلك التأثير القوي ما لم تشمل كل المنتجات الاسرائيلية، ولن يكون هنالك شيء يسمى بمنتجات المستوطنات مستقبلاً، لأنني أتوقع أن تكون كل الصادرات تحت عنوان صنع في إسرائيل".
وتابع البرغوثي "وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت، بأوامر من وزارة الخارجية، بتقليص تغطية أخبار المقاطعة الأوروبية إلى أدنى مستوياتها، لتخفيف الضغط على رجال الأعمال في المستوطنات الذين عبروا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة عن استيائهم من عدم تحركه في خطوات جدية ضد القرار الأوروبي المتعلق بمقاطعة منتجات المستوطنات".
وفي سياق متصل، أظهرت نتائج أعمال مؤتمر عقد اليوم الأحد في رام الله بعنوان "المؤتمر الوطني لتمكين المنتجات الفلسطينية ومقاطعة منتجات المستوطنات"، أن حجم مشتريات الفلسطينيين من منتجات المستوطنات تبلغ 500 مليون دولار سنوياً.
وتفيض السوق الفلسطينية بمنتجات المستوطنات والمنتجات الإسرائيلية، حيث وصل إجمالي الواردات الفلسطينية من إسرائيل خلال العام الماضي 2013، إلى نحو 3.5 مليارات دولار أميركي، وفق البيانات الشهرية لجهاز الإحصاء الفلسطيني.
مقاطعة اقتصادية مؤثرة
ولخص تقرير سابق صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مطلع الشهر الجاري، أسماء أبرز الشركات والمؤسسات التي قاطعت إسرائيل منذ إعلان مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، نهاية أغسطس/ آب الماضي، وقف تعاون دول الاتحاد مع المستوطنات الإسرائيلية.
ففي الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، احتفل النشطاء في أميركا بخسارة شركة "فيوليا" عقداً بقيمة 4.5 مليارات دولار في مدينة بوسطن، بعد حملة قوية نددت بتورط الشركة في تزويد البنية التحتية للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
وخسرت الشركة الفرنسية متعددة الجنسيات "فيوليا"، عقوداً قيمتها مليارات الدولارات في أميركا وبريطانيا وفرنسا، وأعلنت انسحابها التام من تشغيل خطوط الحافلات للمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن ما زالت "فيوليا" تشغّل القطار الخفيف في القدس المحتلة.
كذلك أعلن صندوق التقاعد النرويجي (PGGM)، في الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني عن نيته سحب استثماراته من خمسة من أكبر البنوك الإسرائيلية، بسبب تورطها في الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، حيث يدير هذا الصندوق استثمارات 2.5 مليون شخص، كما أعلنت وسائل الإعلام أن بنوكاً أوروبية أخرى تدرس خطوات مشابهة.
كذلك، طلبت الحكومة النرويجية من "صندوق الثروة السيادي" فيها، استثناء شركتين إسرائيليتين هما "استثمارات أفريكا - يسرائيل" و"دانيا سيبوس" من إمكانية التمويل، بسبب مشاركتهما في انتهاكات خطيرة لحقوق الأفراد خلال الحرب، أو الصراع من خلال بناء المستوطنات في القدس الشرقية.
وتقدر قيمة الأموال التي يديرها هذا الصندوق بأكثر من 800 مليار دولار، حيث إن الشركتين كانتا مستثنيين من التمويل في الفترة بين أغسطس/آب 2010 وأغسطس 2013، وأوصت وزارة المالية النرويجية بمواصلة الاستثناء بسبب استمرار نشاط الشركتين الاستيطاني.
وفي العام الماضي، تعرضت شركة (G4S) الأمنية لانتقادات دولية متزايدة وخسرت عقوداً قيمتها ملايين الدولارات مع هيئات عامة في جنوب أفريقيا وأوروبا، نتيجة تقديمها خدمات للحواجز والمستوطنات والسجون الإسرائيلية، حيث يجري اعتقال السجناء الفلسطينيين وتعذيبهم.
مقاطعة مصرفية
كذلك، سحبت بنوك وصناديق تقاعد في أوروبا وأميركا، استثماراتها من شركات تجني ربحاً من الفصل العنصري الإسرائيلي (الأبارتهايد) بما في ذلك شركتا فيوليا وسوداستريم.
وأعلن اثنان من أكبر البنوك في شمال أوروبا في بداية شهر شباط/ فبراير 2014، أنهما سيقاطعان بنوكاً إسرائيلية، لأنها تعمل في الأراضي المحتلة.
وذكر موقع "واللا" الإخباري باللغة العبرية أن البنكين هما، بنك نورديا السويدي، وهو من أكبر بنوك الدول الاسكندنافية، وبنك دانسكه الذي يقدم خدمات لخمسة ملايين عميل في الدانمارك. ونشر بنك دانسكه على موقعه الالكتروني قائمة بالشركات التي قرر مقاطعتها لأسباب قانونية وأخلاقية، وذكر اسم بنك "هبوعليم" الإسرائيلي فيها.
أما بنك نورديا فأعلن قطع علاقاته مع بنكي ليئومي ومزراحي – طفحوت الإسرائيليين، بسبب عملهما في الأراضي المحتلة.
تضامن عمالي عالمي
وفي سياق متصل، أعلن عالم الفيزياء العالمي ستيفن هوكينغ، إضافة إلى عدد من النقابات والاتحادات في أوروبا وأميركا مساندتهم لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
وأيدت عشرات النقابات العمالية، والمؤسسات الكنسية والاتحادات الطلابية حول العالم النداء الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وانضمت إلى حملة متزايدة القوة والفاعلية.
وتبنت النقابة الأوروبية والحكومات الهولندية والبريطانية والرومانية، تدابير توجب على الدول تجنب التواطؤ في استعمار إسرائيل للأرض الفلسطينية، بما في ذلك إجراءات تهدف إلى إيقاف تدفق الأموال والأيدي العاملة والمشاريع للمستوطنات الإسرائيلية.
المقاطعة الأكاديمية
أكاديمياً، أعلنت "مؤسسة الدراسات الأميركية" (American Studies Association ASA) نهاية العام الماضي، أنها تبنت قراراً بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
وهذه المؤسسة التي تمثل نحو 5 آلاف باحث في مجالات أكاديمية متنوعة، ذكرت في بيان لها أن القرار اتخذ للتعبير عن التضامن مع الباحثين والطلبة المحرومين من حريتهم الأكاديمية، وأنها تتطلع إلى المزيد من هذه الحرية للجميع، بمن فيهم الفلسطينيون.
وكانت الجمعية الأميركية للدراسات الآسيوية قد انضمت إلى المقاطعة الأكاديمية في أبريل/نيسان 2013، ثم لحقت بها جمعية دراسات شعوب أميركا الأصليين (الهنود الحمر).
وقرر اتحاد المعلمين في جمهورية إيرلندا في نيسان 2013 مقاطعة المؤسسات الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية.
وأعلن عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ في مايو/أيار 2013 تراجعه عن المشاركة في مؤتمر سنوي يستضيفه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في القدس المحتلة.
وقد سبقت المؤسسات الأكاديمية والنقابية في بريطانيا إلى مقاطعة إسرائيل أكاديمياً، فمنذ العام 2001 فصلت مجلتان أكاديميتان أساتذة إسرائيليين من مجالس تحريرهما لسياسات بلدهم.
واتخذ مؤتمر الأكاديميين البريطانيين (المكون من 125000 عضو) في مايو/أيار 2007 قراراً بمقاطعة المؤسسات الجامعية الإسرائيلية استجابة لطلب تقدم به اتحاد النقابات الأكاديمية الفلسطينية.
وفي جنوب أفريقيا قرر مجلس جامعة جوهانسبرج في العام 2010 قطع علاقته بجامعة بن غوريون في بئر السبع، وقال في بيان "نتيجة لنقاش مستفيض وفائض بالحماسة، صوّت مجلس جامعة جوهانسبرج على أن يدع العلاقات الرسمية مع جامعة بن غوريون تنتهي في الأول من أبريل/نيسان 2011".
مقاطعة ثقافية
على الصعيد الثقافي والفني أيضاً، انضم العشرات إلى حملة مقاطعة إسرائيل، ففي أغسطس/آب 2013 دعا المغني السابق للفرقة الإنكليزية الشهيرة "بينك فلويد"، روجر ووترز، زملاءه نجوم موسيقى الروك إلى مقاطعة إسرائيل، وذلك في رسالة مفتوحة وجهها إليهم.
وبداية يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن المغني النرويجي المشهور مودي إلغاء حفلته المقررة في تل أبيب التزاماً بالنداء الفلسطيني للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وبعد مناشدة من نشطاء في قطاع غزة.