المفرّج

30 يونيو 2015
+ الخط -
خلافاً لأهل المشرق أو بلاد الشام، قام أهل اليمن بوضع أسماء معمارييهم على أبنيتهم. ففي حين شاع في بلاد الشام نقشٌ مغفلٌ لاسم المعماري أو البنّاء تواضعاً، كأن يُكتب: "أقامه العبد الفقير لوجه الله"، حفظ اليمنيون أسماء معمارييهم. لعلّ هذا عائد إلى أنهم أسياد العمارة، وأهم المساهمين في جمالياتها. هذا ما تخبر عنه صنعاء القديمة، وقصورها وأبنيتها التي طالما شُبّهت بـ "ناطحات السحاب"، أي تلك الأبنية البرجية الشهيرة التي نمت في بلاد العمّ سام.
كلمتان اثنتان: ناطحات السحاب والعمّ سام، تحيلان إلى الولايات المتحدة الأميركية وفقاً لثقافة هذا العصر، بيد أنهما قبلذاك كانتا تحيلان إلى اليمن، وتحديداً إلى صنعاء، إذ من أسمائها القديمة؛ "مدينة سام" نسبةً إلى مؤسّسها الأوّل سام بن نوح. وقيل إنه بناها بعد الطوفان. بنى سام المدينة، بيد أن أهلها أبدعوا عمارة محلية لا شيء يناظرها، بل قلْ يداني روعتها وجمال منظرها. لكأنها دانتيلا بيضاء ورملية، مرتفعة لـ "تنطح السحاب"، ومتصاعدة صوب الجمال كمقياس عالٍ وصوب السماء.
أسياد الأبنية ذات الطوابق، حفظوا لأحد أشهر قصورهم في صنعاء "دار الحجر"، اسم مهندس عمارتها: علي بن صالح العمّاري (1736-1798) الذي، على ما يظهر من جلال القصر وبهائه، قد سكب روحه ومعرفته بالعمارة والفلك فيه.

اقرأ أيضاً: المدرسة العادلية بدمشق

القصر على صخرة غرانيتية في وادي ظهر، وله من الطوابق سبعة، وعند بوّابته شجرة "الطالوقة" التي يقدّر عمرها بسبعمائة عام.
الدور السابع، إذ يميل اليمنيون لقول دور أو طرحة، هو الظاهر في الصورة أعلاه. ووفقاً لما يخبر المؤرخون، أضاف هذا الدور الإمام يحيى بن حميد وكان يستقبل فيه الناس. في الدور، مجلسٌ واسعٌ وملحقات وشرفة مكشوفة واسعة تطلّ على الوادي الأخضر المحتشد بالأشجار المثمرة. في زاوية الشرفة مكانٌ مخصوصٌ لكتابة الرسائل. هناك كان يجلس الإمام ويخطّها، ثمّ يطيّرها مع الحمام الزاجل.
يسمّى هذا الدور الممتلئ سكينةً وصفاءً، والمطلّ على الأخضر اللازوردي، ويحفّ به الحمام: المفرّج.
عادة ما يكون المفرّج في الجهة الجنوبية الشرقية المسمّاة في صنعاء "الجهة العدنية" نسبة إلى عدن الواقعة في الجنوب. وهو في دار الحجر في الجهة الشمالية، ويطلّ على حوض ماء دائري.
ليست النوافذ المنمقة المعشّقة بالزجاج الملون، متعة للناظر وبهجة لقلبه فحسب، بل إن موضع أيّ منها سيجعل الجو لطيفاً وصافياً في هذا المكان. ثمّة؛ الطاقة، والجرف، والشواقيص. لكلّ واحدة من هذه الفتحات دور "بيئي"، لإدخال الدفء وتنقية الهواء، وكلّ ما من شأنّه جعل هذا المكان البهي حاملاً لاسمه: المفرّج. فرّج الله على أهل اليمن واليمن.
المساهمون