اختار المغرب، بكل مؤسساته الدستورية والسياسية، تصعيد اللهجة ضد "جبهة البوليساريو"، والتلويح بخيار المواجهة العسكرية، بسبب ما اعتبره تحركات مستفزة لعناصر "البوليساريو" في المناطق منزوعة السلاح. وبعد موقف الحكومة، والبرلمان بغرفتيه، راسلت الرباط رئيس مجلس الأمن، محذرةً من اندلاع الحرب في الصحراء.
واختارت الرباط توقيتاً معيناً لحشد مواقف البرلمان والحكومة، وممثل المغرب في الأمم المتحدة الذي راسل رئيس مجلس الأمن الدولي، يرتبط بالفترة التي تسبق تقديم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، التقرير السنوي، خلال شهر إبريل/نيسان الحالي، إلى مجلس الأمن حول الوضع في الصحراء، ومقترحاته بشأن التقدم في مسار المفاوضات.
وفي يوم واحد، اجتمع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بوزير الداخلية ومسؤولين كبار، كما عقد اجتماع لجنة الخارجية والدفاع الوطني في مجلس النواب ولجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني والمناطق المغربية المحتلة بمجلس المستشارين، فيما بعث عمر هلال، الممثل الدائم للأمم المتحدة، برسالة شديدة اللهجة إلى رئيس مجلس الأمن.
ويبدو أن المغرب يسعى، من خلال هذه المبادرات والتحركات، إلى أن يواجه بقدر أكثر تأثيراً، تحركات "البوليساريو" في المناطق العازلة المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار المبرم سنة 1991، وإلى أن يرمي بكرة الملف في ملعب مجلس الأمن، حاثاً إياه على إصدار قرار يطالب "البوليساريو" بالانسحاب من تلك المناطق.
ويرى مراقبون أن الخطوات المغربية المتسارعة، والحديث عن تعبئة وطنية في المغرب حيال ملف الوضع في الصحراء، إنما تروم أحد ثلاثة أهداف رئيسية، أولها، وهو الأقرب إلى التحقق، من الناحية الزمنية والدبلوماسية، إرغام مجلس الأمن على استصدار قرار يأمر "البوليساريو" بسحب معداته وعساكره من المنطقة العازلة في بئر الحلو والمحبس وتيفاريتي.
أما الهدف الثاني من المواقف المغربية المتسارعة، فيبدو أنه يسير باتجاه مواجهة عسكرية محدودة جغرافياً في الصحراء، خاصة الواقعة شرق الجدار الأمني الدفاعي الذي أقامه الجيش المغربي في الصحراء، وهي حرب ممكنة وقوعها، بحسب مراقبين، لكنها لن تحدث إلا في حال لم يتضمن تقرير مجلس الأمن المرتقب، أواخر إبريل/نيسان، أي إشارة تنتقد تحركات "البوليساريو".
ويتجسد الهدف الثالث من هذه التحركات المغربية في تسجيل نقطة في ملف نزاع الصحراء، وإظهار أن الرباط بدأت تفقد صبرها إزاء ما تقوم به "البوليساريو"، خاصة عند نقل معداتها إلى منطقة بئر الحلو، واعتزام نقل "وزارة الدفاع" إلى هناك، فضلاً عن إرغام القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة، على اتخاذ موقف الحياد الواجب في الملف، خصوصاً بعد زيارة السفير الأميركي لدى الجزائر، جون ديدروشر، مخيمات تندوف قبل أيام قليلة.
الخطوات المغربية المتسارعة تعد رسائل قوية موجهة إلى الخارج أكثر من الداخل، نظرا لأن حشد التعبئة أو الإجماع الوطني بالداخل متاح، ولا يشكل صداعاً للدولة. إذ تتصدر الصحراء الاهتمام الوطني داخليا، كما أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، يشدد على أن الصحراء ليست قضية حدود بقدر ما هي قضية وجود.