المغرب: هل تدفع "فيدرالية اليسار" ثمن فشل الاندماج؟

29 اغسطس 2020
حصل تحالف الفيدرالية على نائبين في انتخابات 2016 (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه فيدرالية اليسار الديمقراطي، التحالف السياسي الطّامح إلى تشكيل "قوة يسارية ضاغطة في البلاد من بوابة صناديق الاقتراع"، امتحاناً صعباً، وهي تعدّ العدة لتحسين تموضعها داخل المشهد الحزبي في المغرب لما بعد النزال الانتخابي المنتظر في صيف 2021.
وفي الوقت الذي قدمت فيه الفيدرالية نفسها في الانتخابات الماضية كـ"خيار ثالث" لكسر قطبية حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي الحالي) وحزب الأصالة والمعاصرة (أكبر حزب معارض في المغرب)، يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه التحالف، المشكل من 3 أحزاب، في قدرته على حل معضلة التوافق بين أمنيات توسيع قاعدة تواجده على المستوى البرلماني والجماعات التّرابية من جهة، وإيجاد محفز قوي لـ"شعب اليسار" وللمتعاطفين معه في السباق الانتخابي المقبل، من خلال تحقيق حلم الاندماج في حزب يساري واحد من جهة أخرى.

تشير آخر المعطيات إلى أن رهان الأحزاب الثلاثة باندماج مكوناتها يسير نحو التأجيل إلى ما بعد الانتخابات

وفي 30 يناير/كانون الثاني 2014، أعلن كل من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب الاشتراكي الموحد، عن تأسيس تحالف سياسي جديد تحت اسم فيدرالية اليسار الديمقراطي. وجاءت الصيغة الجديدة للتحالف بعد سنوات من الحوار، في إطار ما يعرف بـ"تحالف اليسار الديمقراطي" (الذي أعلن عنه في 2007)، بغرض تقوية صفوف الأحزاب اليسارية على الساحة السياسية، والتنسيق بينها قبيل الانتخابات المحلية (البلدية والقروية) التي أجريت في 12 يونيو/حزيران 2009.

وبالرغم من الدعم الكبير الذي حظيت به الفيدرالية، بمناسبة تشريعيات 2016، ولا سيما في أوساط النخب والمثقفين والأكاديميين والشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا نجاحها في تنصيب نفسها في موقع القوة اليسارية الأولى على المستوى العملي، حيث تجاوز عدد أصواتها مجموع أصوات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المشارك في الحكومة) في أكثر من 10 مدن كبرى، إلا أنها لم تتمكن من الظفر بأكثر من مقعدين برلمانيين من أصل 395 مقعداً، وكان ذلك أقل من توقعات قياداتها بكثير.
وفي محاولة لتجاوز عثرة الانتخابات الماضية، شرع تحالف الفيدرالية في التحضير بكثافة لمحطة 2021، بالتوازي مع نقاشات قيادات الأحزاب الثلاثة لمشروع الاندماج بينها في حزب يساري موحد، يخوض غمار انتخابات يراهن عليها بقوة من أجل تحسين تموضعها داخل المشهد السياسي المغربي. وعلى امتداد الأشهر الماضية، كان لافتاً مراهنة غالبية قيادات فيدرالية اليسار الديمقراطي على عقد مؤتمر اندماجي، قبل حلول موعد الاستحقاقات الانتخابية بسنة، باعتباره خطوة ستمنح التحالف زخماً جديداً، وستجعله "نقطة جذب للمحيط القريب والمتعاطفين".

المشروع اليساري يحتاج إلى خطاب جماهيري وليس إلى رمزية عائلات بعينها

لكن على بعد سنة من موعد الانتخابات، تبدو فيدرالية اليسار الديمقراطي عاجزة عن تحقيق ذلك الرهان، إذ تشير آخر المعطيات إلى أن رهان الأحزاب الثلاثة باندماج مكوناتها في حزب يساري كبير يسير نحو التأجيل مرة أخرى، إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، إذ ينتظر أن تحسم قيادات الأحزاب الثلاثة، خلال الأيام المقبلة، مقترحاً يحدد تاريخ المؤتمر الاندماجي، بعد ستة أشهر من الانتخابات المقبلة.
لا شك في أن فيدرالية اليسار، بفضل حضور لافت لبرلمانييها في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) أصبحت جزءا من خريطة الأحزاب السياسية خلال الولاية التشريعية الحالية، إلا أن ما عاشته من صراعات قوية، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات والتصريحات النارية المتبادلة بين قياداتها، ولا سيما بين النائب عمر بلافريج والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، جعل مطلب التوحد في حزب يساري واحد، وهو المطلب الذي ظلت ترفعه قيادة اليسار المغربي منذ ثمانينيات القرن الماضي، مؤجلاً.
كما بدا واضحاً، خلال الأشهر الماضية، الاختلاف بين قيادات الأحزاب الفيدرالية، ولا سيما بين منيب، التي تؤكد على ضرورة توفير شروط النجاح لتأسيس الحزب الاشتراكي الكبير، وعدم ربط المؤتمر الاندماجي باستحقاقات 2021، وبين الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي عبد السلام العزيز، والأمين العام لحزب الطليعة علي بوطوالة، اللذين يستعجلان عملية الاندماج. وفي ظل هذا الاختلاف في الرؤى حول توقيت إعلان الاندماج في حزب يساري موحد، وما نتج عنه من تعطيل لمشروع التوحد بين اليسار المغربي، يبدو أن فيدرالية اليسار الديمقراطي، وبعد أكثر من 6 سنوات على التأسيس، لم تجب على سؤال يؤرق الكثيرين، وهو إمكانية تحقيق حلم اليساريين بالاندماج المنتظر، وتجاوز الإخفاقات التي عانى ولا زال يعاني منها اليسار اليوم في المغرب.
وإزاء ما يعرفه مشروع الاندماج بين أحزاب الفيدرالية من تعطيل، وما يخلقه من انتظار في صفوف يساريي المغرب والمتعاطفين معهم، تطرح أكثر من علامة استفهام حول تداعيات ذلك التعطيل، ووقعه على التحالف الثلاثي خلال محطة الانتخابات المقبلة. ولا يتوقع أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة رشيد لزرق، حصول تغيير في حصيلة فيدرالية اليسار الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، لكونها ستدخل الاستحقاق محملة بتناقضاتها الداخلية، ومن دون برنامج ولا أفكار بديلة للمشروع الحكومي أو لباقي أطراف المعارضة، مشيراً، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن المشروع اليساري يحتاج إلى خطاب جماهيري وليس إلى رمزية عائلات بعينها. ويرى أن فيدرالية اليسار الديمقراطي لم تستطع بعد ولوج الكتل الانتخابية الشعبية، وهي المكان الطبيعي لخطاب اليسار، ما يؤشر على أن خطابها لم ينفذ إلى الجماهير الشعبية؛ لكونها قائمة بشكلها الحالي على دعم عائلات بعينها لا على دعم الجماهير.
وبحسب لزرق، فإن مشكلة فيدرالية اليسار الديمقراطي تكمن في أنها لا تمتلك مشروعاً سياسياً واقتصادياً واقعياً، وأن ما تعيشه من تجاذبات سياسية سيؤدي إلى انشقاقات في صفوفها، لافتاً إلى أن تجربة الفيدرالية كمحاولة للتنسيق بين أحزاب يسارية عنوان للعجز عن الاندماج في إطار حزب واحد، والفشل في تحقيق المتوقع منها في الاستحقاقات السابقة، بعد أن اقتصرت مشاركتها على الظفر بمقعدين برلمانيين فقط، وهو أمر وارد تكراره في انتخابات 2021.

المساهمون